مستلزمات العهد القادم/ بقلم:سميرة بيطام

على اعتبار العالم اليوم في تحول كبير ضمن  الخريطة الجيوسياسية ، وعلى اعتبار أن الشعوب باتت اليوم أكثر يقظة ووعيا بضرورة أن يسود العدل والمساواة فيما بين أفرادها ، وعلى اعتبار أن سياسات الاحتلال والاستعمار لم تعد تروق للشعوب التي كانت بالأمس مستضعفة ، فقد بات من الضرورة اليوم أن يستعد الجميع لهذه التغيرات والمتغيرات سواء أكانت مواقف أو أحداث، لأن هناك تخوفات من أن  تبقى الدول على ركيزة الضعف كما كانت سابقا وهي من قررت اليوم أن تقرن رأسها برؤوس الدول المتقدمة ، فالواقع بدأ يتغير..

فاذا كان التاريخ بالأمس سجل على صفحاته مدونات وقائع انتهت اما بالخسارة أو بالنصر، فالعقول اليوم ترفض تكرار الأخطاء حتى لا تقع في المحظور، ولن يكون من السهل أن تستوعب أجيال اليوم ما سيحصل مستقبلا والذي سيبقى غيبيا ،لكنها تشعر حتما أن نظام الحياة في تغير.

واذا كان المفكر الراحل الأستاذ مالك بن نبي قد ذكر القابلية للاستعمار  على أنها ظاهرة مرضية ومدمرة لحضارة الأمة ،فمن الواجب اليوم أن يكبر الجيل الصاعد على فكرة اللاقابلية للاستعمار ،أيا كان نوع  هذا الاستعمار ،فهو أكيد لن يكون بنفس شكله في خمسينيات القرن الماضي، وهو ما يعجل فكرة نفض غبار الوهن والضعف والتبعية.

وقد ذكر عبد الرحمن بن خلدون في كتابه المقدمة أن في  السياسة يحتاج صاحبها الى مراعاة ما في الخارج وما يلحقها من الأحوال ويتبعها، فإنها خفية، ولعل أن يكون فيها ما يمنع من الحاقها بشبه أو مثال،  وينافي الكلي الذي يحاول تطبيقه عليها ، ولا يُقاس شيء من أحوال العمران على الآخر ،اذ كما تشابه في أمر واحد فلعلهما اختلفا في أمور كثيرة .

ومن هنا ، يكون للعلماء ما تعلموه من تعميم الأحكام وقياس الأمور بعضها على بعض اذا نظروا في السياسة أفرغوا ذلك في قالب أنظارهم ونوع استدلالاتهم ،فيقعون في الغلط الكثير أو لا يؤمن عليهم.

ما يعني أنه يجب وضع حل لأن يكون  للعلماء الكلمة ولما لا الرأي  أيضا في مجريات الأحداث الآنية ، خاصة وأنهم يتمتعون بصفات الحكمة والبصيرة والثقافة الكافية لأن يصقلوا آرائهم بكثير من العقلانية والوسطية والصلاح، فيستحيل أن يقود سفينة الأمة من لا يمتلك رزنامة قوية في عقله أساسها النهل من التاريخ لمعرفة الحقائق وبالتالي تفادي الوقوع في الأفخاخ والنظر للحاضر بكثير من الواقعية وما تمتلكه الشعوب وحكوماتهم من عتاد وعدة ووعي لتجاوز أي أزمة طارئة ، خاصة وأن الحرب التي بدأت بين روسيا وأوكرانيا لن تبقى حبيسة هذين الموقعين فقط ،لأن الدول الأخرى تطمح في التموقع واستباق بعض الأحداث بتنبؤات ربما تصيب وربما تخطىء.

لن يكون كافيا الاعتماد على سياسات الدول القوية يل يجب إعادة احياء مجد وحضارة الأمة العربية والإسلامية وعلى نسق الأجداد والأبطال من خاضوا معاركا وتوجوا بالنصر بممارساتهم الشجاعة وبالتالي لن يكون هناك مانع من تكرار نفس التجارب ولكن بشرط واحد : هو إعادة توعية وتهيئة الشعوب للمشاركة في صناعة المستقبل بقرار متفق عليه وهو أن لا مصلحة تعلو فوق مصلحة الوطن .

لكن في ظل التنافس الدولي حول الريادة،  فقد يلزم الأمة أن تبحث لها على مخارج للعودة بأمجاد الأمس نحو بناء سواعد الغد وهذا لن يكون ارتجاليا ما لم تتم الدراسة له في العمق، مع تحري متطلبات جيل الغد الذي يريد كل شيء مرتب وبلا مجازفات وهذا من غير الممكن تحقيقه في ظل تحدي العولمة ومراهنات الحسابات المفروضة على الشعوب التي لم توضح بعد نوايا ردود أفعالها، مستشهدين بأهل صناعة العربية بالأندلس ومعلموها كونهم أقرب الى تحصيل هذه الملكة وتعليمها من سواهم لقيامهم فيها على شواهد العرب وأمثالهم والتفقه في الكثير من التراكيب في مجالس تعليمهم ،فيستبق الى المبتدئ كثير من الملكة أثناء التعليم، فتطبع النفس بها  وتستعد الى تحصيلها وقبولها على حد قول عبد السلام الشدادي في مقدمة بن خلدون ، والحديث قياس لصناعة المجد لسنوات قادمة بسلاحي الوعي والتعليم والتثقف الصحيح في رهانات الحاضر التي هي ممهدات المستقبل القريب جدا.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!