من قلب الأوجاع نتوحد ونتكاشف/ بقلم الشاعرة المصرية فابيولا بدوي

 

 

مرت الأعياد في مصر حزينة موجعة‏,‏ سواء القبطية أو شم النسيم‏,‏ وهو ما حذرنا منه كثيرا حتي صار الحديث مكررا يعيد نفسه من دون أن ندري‏.‏ ليست الدماء والجراح ولحظات الغدر وحدها ما يستهدف أعيادنا وبراءتنا والابتسامة التي نشتهيها علي الوجوه‏,‏ بل سبقها فتاوي سوداء أفسدت علينا حياتنا كلها‏.‏

مما جعل ترويع الأبرياء وقتل المصلين وانتهاك حرمات أماكن الصلاة يتحول إلي نتيجة في حياتنا وليس سببا كما نتصور, وصارت هذه الأحداث والحوادث المؤلمة كاشفة لحجم التردي الفكري والثقافي بنفس قدر الوجع الذي تحمله, فهل ستغيرنا الآلام أو حتي ستضعنا علي بدايات طريق التغيير؟ من الأفضل لنا جميعا في اللحظات التي توحدنا أن نكون أكثر مصداقية ورصد الكثير مما يدور من حولنا.

قد بادرت وزارة الأوقاف بالتأكيد علي أن جميع الزوايا والمساجد في مصر تحت سيطرتها بشكل كامل, فهل نفهم من هذا أنها تسمح بالتشدد, أم أننا نعيش الوهم حينما نتهم بعض الزوايا ومن يعتلون المنابر بالتشدد, أم أننا يجب أن نضيف مثل هذه التصريحات إلي مثيلاتها ولا نناقشها أو نعيرها أي اهتمام يذكر؟

أدان الأزهر وبادر بتقديم واجبات العزاء وكرر علي مسامعنا ما نسمعه دائما بالتزامن مع كل حادث إرهابي, مع تذكيره لنا بالطبع أن الوطن مستهدف والغرض هو تقسيم المواطنين علي أرض البلاد, وكأننا نجهل هذا تماما ولن نستقيه إلا من خلال هذه التصريحات الجديدة المتفردة. ولكن ماذا عن تكفير داعش والجناة وكل من ينتمي إلي هذه الجماعات؟ وما هي الخطط الحاسمة لتغيير مناهج الأزهر ومتي سنشهد آليات حقيقية لتجديد الخطاب الديني, وهل سيمتد بنا العمر لنعاصر يقظة ونهضة تعود بهذه المؤسسة العريقة إلي مكانتها ومجدها, أم أن الإعلان عن استقبال ممثلي بلدان كثيرة لتعريفهم بالأساليب المثلي لمحاربة الإرهاب هو أقصي ما يمكن أن نعايشه؟

هل كان إعلامنا علي مستوي الحدث ؟أم أنه وجد مادة جديدة لملء ساعات البث بدلا من الملل الذي يطالعنا به ليل نهار؟ في فرنسا علي سبيل المثال, صدرت قرارات من القائمين علي الاعلام وليس الدولة, بالمنع الكامل لصور الإرهابيين وذويهم وأصدقائهم والحديث بإسهاب عن حياتهم حتي لا يتم تمجيدهم أو مدحهم أو تصدير صورة يمكن أن تجعل بعض المراهقين ينفعلون معهم أو بهم, ومن جانب أخر لوجوب احترام مشاعر عائلات الضحايا بعدم تكرار نشر أو بث الحادث نفسه. فإذا بنا نقفز فوق كل هذا ونبتدع بدعة زيارة بيت وحي وقرية الإرهابيين, لنسمع تارة أنه قد تم التغرير بالبعض في عهد المحظورة, وتارة أخري لسيل من الصفات الحميدة التي يتمتعون بها.

ناهينا عن عشرات الأسئلة الموجهة للضيوف التي تفرق بأكثر مما تجمع, مثل إصرار إعلامي شهير علي سؤال شيخ حول إيمانه أو عدمه بمسألة الصلب, ومن الصعب التأكيد هل هذه الأسئلة هي من قبيل إثارة الفتنة أم نوع من التميز والفصاحة؟

لا يمكن لعاقل رفض فرض حالة الطوارئ أو معارضتها, لكنها أيضا كشفت عن أزمة ثقة حقيقية مازالت موجودة بين المواطن وجهاز الشرطة, فالتخوف ليس من حالة الطوارئ ولكن من الكيفية التي ستستخدم بها, ومن ثم هي فرصة كبري كي تستعيد أجهزة الأمن كامل الثقة بها, فبقدر ما يحتاج إليها المواطن تحتاج هي إليه اليوم للعبور إلي بر السلامة.

ليس بالشعارات والتصريحات والمزايدات سنحمي الأرواح والبلاد, ولكن بالتحرك والفعل والتكاتف والوعي بكافة أخطائنا سنواجه الموت بإصرار علي حياة تمتلك من المقومات ما يجعلها أفضل بكثير مما نحن فيه.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!