نظرية الذكاء الاجتماعي/ بقلم : كارل ألبريشت


ترجمة محمدعبد الكريم يوسف

مراجعة سوسن علي عبود

 

ما هو الذكاء الاجتماعي؟

الذكاء الاجتماعي (SI ) هو القدرة على الاستمرار جنبا إلى جنب مع الآخرين، وجعلهميتعاونون معك . يشار إليه في بعض الأحيان على سبيل التبسيط على أنه “مهارات الناس”.يتضمن الذكاء الاجتماعي الوعي بالحالات والديناميات الاجتماعية التي تحكمها، ومعرفة أنماط التفاعل والاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد الشخص على تحقيق أهدافه في التعامل مع الآخرين. كما أنه ينطوي على قدر معين من البصيرة الذاتية ونماذج من التصورات الخاصة وأنماط رد الفعل للأشخاص .

يصنف كارل ألبيرشت السلوك تجاه الآخرين من وجهة نظر المهارات الشخصية، حيث يضعهم في مكان ما على الطيف بين التأثير “السام” والتأثير ” المنعش”. السلوك السام يجعل الناس يشعرون بانخفاض القيمة والغضب والإحباط والذنب أو  عدم الأهمية . السلوك المنعش يجعل الناس يشعرون بالقيمة والاحترام وتأكيد الذات والتشجيع و القدرة . ويشير النمط المستمر من السلوك السام إلى انخفاض مستوى الذكاء الاجتماعي و عدم القدرة على التواصل مع الناس والتأثير فيهم  بفعالية. وهناك نمط مستمر من السلوك المنعش يميل إلى جعل الشخص أكثر فعالية في التعامل مع الآخرين . السلوكيات المنعشة هي مؤشرات عاليةتدل علىالذكاء الاجتماعي.

هل الذكاء الاجتماعي جزء من الشخصية ؟

 

كلا .الذكاء الاجتماعيهو تضافر مجموعة من “الذكاءات” وفقا لنظرية الذكاءات المتعددة التي قدمها البروفسور هوارد غاردنر من جامعة هارفارد. لقد أصبحت نظرية غاردنر حول ” الذكاءات المتعددة ” مقبولة على نطاق واسع في السنوات الأخيرة وخاصة في مجال التعليم العام.

الفكرة القديمة التي تقول أن إمكانات الشخص في الحياة يمكن قياسها والتنبؤ بها من قبل شخس واحد عن طريق دراسة نتيجة “معدل الذكاء” للفردلكن هذه فقدت قدرا كبيرا من المصداقية خلال العقد الماضي أو نحو ذلك. ويوافق العديد من الباحثين الآن على اقتراح غاردنر بأن الذكاء متعدد الأبعاد، ويعتقد الكثيرون أن كل بُعد من الأبعاد الرئيسية للذكاء يمكن أن يستمر في الزيادة طوال حياة المرء نظرا للتجارب والتحديات وفرص النمو المناسبة.

وقد اقترح البروفيسور غاردنر فئات مختلفة من الذكاء على مر السنين في أبحاثه، كما حدد سبعة نموذجية منهما .في الوقت الذي كان هو وآخرون يعيدون ترتيب الفئات مؤخراوفي بعض الحالاتكانوا يناقشون عدد الذكاءات التي لدينا، عمل كارل ألبيرشتبحرية في إعادة تشكيلها إلى نموذج أبسط مفيد في البيئات التجارية والمهنية. وفقا لتفسير كارل ألبرشت المبسط، يمكننا أن نقول أن البشر لديهم ستة أبعاد أساسية للذكاء:

الُبعد المظهر
المجرد تفكير تأملي ، تصور شفوي ، معلومات رياضية ورمزية .
الاجتماعي التعامل والتفاعل مع الآخرين على مستويات مختلفة .
العملي إمكانية الشعور العام  ، لديه قدرة على حل المشكلات وانجاز الأعمال.
العاطفي لديه الرؤية الداخلية والقدرة على تنظيم وإدارة ردود أفعاله تجاه التجارب الحياتية.
الجمالي يقدر الشكل والتصاميم والعلاقات.
الحركي الحسي قدرة جسدية كاملة مثل : الغناء  والرقص ، واللعب بالطائرة الورقية .

هل يمكن قياس الذكاء الاجتماعي ؟

نعم. إنقياس الذكاء الاجتماعي ينطوي على تحديد مهارات التفاعل الرئيسية ومن ثم تقييمها سلوكيا. يحدث كل التفاعل البشري بسياق أو بأخر، والفعالية تنطوي على إتقان السياقات التي يدعى شخص ما للتفاعل معها . لذلك، وفقا لهذا المنطق، يعني الذكاء الاجتماعي فهم السياقات، ومعرفة كيفية التنقل داخل وبين مختلف السياقات، ومعرفة كيفية التصرف في سياقات مختلفة لتحقيق أهداف المرء. وبعبارة أخرى، يتم الاستدلال على الذكاء الاجتماعي من السلوك، لذلك فإننا نستخدم سلوكيات مختلفة يمكن ملاحظتها كمؤشرات على وجود الذكاء الاجتماعي .

هل يمكن تعلم الذكاء الاجتماعي وتطويره ؟
نعم. من خلال فهمنا الأول للذكاء الاجتماعي كمجموعة من المهارات التي اتعرفعليها من خلال السلوك المستخلص ومن ثم تقييم تأثير سلوك المرء على الآخرين مثل درجة نجاح شخص ما في التعامل مع الآخرين و يمكن للمرء أن يجرب السلوكيات الجديدة واستراتيجيات التفاعل الجديدة. الذكاء أبسط المصطلحات، هو القدرة على “الالتقاء مع الناس”، والتي ، من المفترض ، أن الناس يتعلمونها وهم يكبرون وينضجون ويكتسبون الخبرة في التعامل مع الآخرين. لسوء الحظ ، العديد من الناس لا يستمر في التعلم والنمو مع تقدمهم في السن، وكثير من الناس لايكتسبون الوعي والمهارات التي يحتاجونها للنجاح في الأوضاع الاجتماعية أو التجارية أو المهنية. ومن الواضح تماما أن البالغين الذين يفتقرون إلى البصيرة والكفاءة في التعامل مع الآخرين يمكن أن يحققواالتحسينات الكبيرة في وضعهم بالنسبة للذكاء الاجتماعي نتيجة لاستيعاب المفاهيم الأساسية وتقييم أنفسهم وفق نموذج شامل لقياس الفعالية بين الأشخاص.

هل يختلف الذكاء الاجتماعي عن الذكاء العاطفي ؟

نعم. إن الشعبية الحديثة لمفهوم الذكاء العاطفي  وهو أحد ذكاءات البروفسور غاردنر الفريدة   يمهد الطريق لنهج عملي لتطوير الذكاءات الأخرى. في حين حاول بعض الممارسين توسيع نظرية الذكاء العاطفي  لتشمل “مهارات الناس”، من الناحية العملية فإنه من المنطقي أن نفكر في الذكاء العاطفي  و الذكاء الاجتماعي كبعدين منفصلين عن المقدرة . الذكاء الاجتماعي (“الذكاء بين الأفراد” وفق غاردنر) هو منفصل عن الذكاء العاطفي  ومكمل له (“الذكاء داخل الذات” وفق غاردنر) . ونحن بحاجة إلى كلا النموذجين من أجل فهم أنفسنا والطريقة التي نتفاعل بهامع الآخرين . ينشأ بعض القصور في الذكاء الاجتماعي  من عدم كفاية تطوير الذكاء العاطفي . على العكس من ذلك، قد يؤدي بعض القصور في الذكاء الاجتماعي  إلى تجارب اجتماعية غير ناجحة قد تقوض إحساس الشخص بالذات والذي هو جزء من الذكاء العاطفي .

وفقا لكارل ألبريشت الذي  يقول:  “أعتقد من الأبعاد الستة الأساسية للذكاء :المجرد و الاجتماعي و العملي و العاطفي و الجمالي والحركي الحسي أنهاتشبه تماما الوجوه الستة للمكعب، ولكل منها سطح مميز أو وجه  يمثل الكفاءة الكلية للفرد .  ويمكننا أن نفكر فيها على أنها منفصلة لأغراض المناقشة والتحليل، ولكنها في الواقع متشابكة بشكل وثيق “.

 

ما الذي يقيسه ملف الذكاء الاجتماعي؟

يحلل ملف الذكاء الاجتماعيهذا الذكاء  من خلال ثلاث عدسات مختلفة ومتوافقة. كل عدسة تظهر لك صورة للتفاعل الاجتماعي الخاص بك من وجهة نظر معينة. تنطوي اثنتان من هذه العدسات أو الأبعاد على التقييمات أو الأحكام التي تقوم بهابنفسك عن فعاليتك في التعامل مع الآخرين. والثالثة وصف ذاتك لنمط التفاعل الخاص بك، وهو النمط من السلوك المفضل لديك لعدد كبير من الحالات. لا يخضع نمط التفاعل الخاص بك للحكم أو التقييم لأنهمجرد تفضيل مكتسب.

  • المهارات الاجتماعيةأو ما يمكن تسمينه بصيغة) الوعي المكاني و الحضور و المصداقية و الوضوح و التعاطف:( وهو الجزء الأول من ملف الذكاء الاجتماعي  يقدم لك قائمة من مختلف السلوكيات تنقسم إلى خمس فئات من المهارات الأساسية وهي :  الوعي المكاني و الحضور و المصداقية و الوضوح و التعاطف.

 

الوعي المكاني  (أو الوعي الاجتماعي) هو قدرتك على مراقبة وفهم سياق الوضع الذي قد تجد نفسك فيه ، وفهم الطرق التي يسيطر فيها الوضع ( المكان)  أو يشكل سلوك الناس فيه.

الحضورالمعروف أيضا ببساطة باسم “طاقة التحمل” هو الانطباعأو الرسالة الإجمالية التي ترسلها للآخرين مع سلوكك. يميل الناس إلى إجراء استدلالات حول شخصيتك وطباعك وكفاءتك وكيف ترى نفسك على أساس السلوكيات التي يلاحظونها كجزء من بُعد الحضور الكلي الخاص بك.

المصداقية هي المدى الذي ينظر إليك الآخرون به على أساس أنهم يتصرفون من دوافع صادقة وأخلاقية ومدى شعورهم بأن سلوكك يتطابق مع قيمك الشخصية – أي “اللعب باستقامة “.

الوضوح هو القدرة على التعبير عن الأفكار بوضوح وفعالية ومع التأثير في الآخرين. وينطوي على مجموعة من مهارات “التواصل” مثل الاستماع وردود الفعلوإعادة الصياغة والمرونة الدلالية والاستخدام الماهر للغةوالمهارة في استخدام الاستعارات وأساليب البلاغة  والقدرة على شرح الأمور بوضوح وإيجاز.

التعاطف هو مهارة بناء العلاقات مع الناس و القدرة على استحضار الناس لمقابلتك على المستوى الشخصي من وجود الاحترام والاستعداد للتعاون. التعاطف في هذه الحالةيتجاوز التعريف التقليدي لوجود شعور تجاه شخص آخر وهذا يعني خلق الشعور المتبادل بين ذاتك وشخص آخر.

الشخص الذي يخضعملف الذكاء الاجتماعي  للتقييم الذاتي يجيب على سلسلة من أسئلة التقييم الذاتي التي تتعامل مع مختلف السلوكيات المصنفة إما سامّة أو منعشةثم يضيف الدرجات لكلبند من مجموعة صيغة  ) الوعي المكاني و الحضور و المصداقية و الوضوح و التعاطف(ومقدار خمس درجات  كنقاط على خمسة محاور.

  • الرؤية الذاتية : الجزء الثاني من ملف الذكاء الاجتماعي يعرض سلسلة من أزواج من الصفات تمثل وصفا متناقضا لما يقدمه الآخرون عن الشخص الذي يجيب على الأسئلة. يقدم التناقض بين المفردات مثل “الباردة- الدافئة”، ” عدم النطق–النطق ” و “طويل بإطناب- موجز باقتضاب”  تحديا للمستخدم ليفكر مليا في كيف يراه الآخرونفي محاولة للتخمين بدقة الكيفية التي يستخدمون بها هذه الصفات المتناقضة المختلفة. يقوم المستخدم بإدراج رقم على مقياس مكون من خمس نقاط بين الصفتينالمتناقضتين  لإظهار النتيجة التي يعتقد أن الآخرينيقدمونها. الصفات المصنفة : الأعلى والأدنى توفر نقطة انطلاق للتفكير في كيفية تأثير الشخص على الآخرين.

 

  • نمط التفاعل: الجزء الثالث من ملف الذكاء الاجتماعي يدعو المستخدم لقراءة سلسلة من السيناريوهاتأو الحالات التي قد أو أنها قد تواجه الآخرين. يوفر كل سيناريو أربعة خيارات للتصرف حيث تقابل أربعة أنماط تفاعل أساسية يمكن للمرء أن يستخدمها كقاعدة منزلية مفضلة له. ينطوي النموذج الأساسي لأنماط التفاعل الاجتماعي على بعدين رئيسيين: الطاقة الاجتماعية والتركيز على النتائج. الطاقة الاجتماعية هي الدافع لإشراك الآخرين، والتفاعل معهم للتأثير عليهم والتأثر بهم , التركيز على النتائج هو تفضيل لإنجاز الأمور إما من خلال الناس أو من خلال جهد الفرد. إن النقيضين من هذين المتغيرين – ارتفاع وانخفاض الطاقة الاجتماعية والتركيز مهم مثل  توفير أربع مجموعات أساسية التي يمكن أن نفكر فيهاكتفضيلات سلوكية عبر مجموعة من الحالات. كل نمط له اختصار مختزل يوحي بالغاية منه .  ويمزج بعض الناس هذه الأنماط الأربعة على قدم المساواة تقريبا ، في حين أن البعض الآخر قد يميل إلى تفضيل نمط واحد. مرة أخرى ، فإن الغرض من بُعد الأنماط الاجتماعية هو البصيرة أكثر من تقديم  الحكم أو النقد الذاتي.

العنوان الأصلي والمصدر :

 

Social Intelligence , Dr. Karl Albrecht, Karl Albrecht International ,2017

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!