في أم الدنيا (6) / بقلم: محمد صوالحة

آآآه من وجنات عبير حقيقة كالورد في أول تفتحه ، إنها تفوح عطراً ،آآآه من رندا واسم رندا وما تعنيه رندا .

تشتعل اللهفة بداخلي وتنتابني الحيرة، ترتبك الروح وتلفني الدهشة، وتحتل فكري الحيرة ويسكنني الانبهار ، ما الذي أصابني وأنا أدخل بيت محمد سليمان؛ الواقع في أحد أحياء القاهرة القديمة ، ظلم أن تكون سكنى هذه الملائكة غيرالجنة، أومكان لا يصل إليهن فيه إلا من يمتلك كل مقومات الإنسانية والطهارة ، لم كل هذا الارتعاش الذي أصابني وأنا أنظر في عيون سحر،  وأتأمل ابتسامة عبير؟إلى أين يأخذني غنج رندا وأنا أتطلع لجسدها الممشوق كعود خيزران ؟ هذه الملائكة التي ترتدي زياً بشرياً يسرق الناظر إليه إلى عوالم من الدهشة والانبهار، وكأنهن الربيع في أوج تفتحه، أو الحوريات اللاتي هبطن من جنان الله إلى هذا البيت الذي يحتضنني؛ ليخطفني لعالم الخيال والأحلام،كيف سأكلمهن، وبأي المشاعر أتعامل معهن؟ هل لبدويتي وتربية أمي أن تنتصرعلى شيطاني، أم ستكون له الكلمة الفصل؟ هل سأتبع وسوسة هذا الملعون الذي يحتلني ،أم سأكون على قدر الكرم الذي عوملت به وأكون أكثر وفاءً؟

شيء يهمس بداخلي إنها مشاعر الوهلة الأولى والنظرة الأولى،بعد قليل سيكون كل شيء طبيعي وستضحك كثيراً من هذه الحماقات. أتمنى .

أينك أيها الملعون ؟ لم لم تكن شاعراً لأكتب بهذا الجمال الإلهي قصائدي، وماذا سيقول الشعر في حضرتهن ؟ هل ستصمد الكلمة أمام روعتهن؟ .

ألوذ بالسكون والسكوت ، والمشاعر تذيبني ، ألوذ  ببهاء الصمت وأنا أنظرإلى أم سليمان، أحاول الفرارمن المكان كلما كلمني أبو سليمان .

عيوني تقودني إلى تلك الكروم التي بدت ناضجة في صدري سحر الرائعة ورندا الفاتنة، وبدأت بالتفتح عند عبير ، هذه القطوف الدانية في كروم رندا وسحر بدأت تأتي أوكلها ،آآآه من سيكون صاحبها ، آه لو أني لم أملك بستاناً من الشوك ، بالتأكيد لكنت صاحب إحدى هذه الكروم ، يجب أن أغادر هذا البيت بأسرع وقت ممكن؛ لأنني لا أستطيع احتمال هذا الجمال الإلهي الظالم ، وهذا الغنج الشهي .

يقطع فيض خواطري وهطول أمطار الخيال أبو سليمان ، إلى أين تود الذهاب، أرغب بالتعرف على هذه المنطقة أولاً ومنها ننطلق، نحن الآن في واحد من أقدم أحياء القاهرة القديمة ، نحن في السيدة زينب رضي الله عنها، أتلفت يمنة ويسرة ، المكان مكتظ بالبشر ، النسوة يذرعن الطريق جيئة وذهاباً، هنا الحرائر الفرعونيات أو المصريات العربيات يجلسن في الشارع، كل واحدة تعرض نوعاً من البضاعة التي كانت في أغلبها من الخضار والحشائش ، والغاديات والعائدات لا ينقطعن ، العطر يفوح من كل مكان ، يتمايلن كغزلان تمشي على مهل ، الشالات تغطي نصف الرأس ، أنواع وموديلات من الألبسة ، تشعر وأنت تسير في الشارع بأنك تسير في معرض كبير فيه كل ما يخطر بالبال .

آه من دلع الحوريات وغنج الصبايا ،آآه من سحر النساء وفيض الأنوثة و الدلال ، هكذا هن فتيات مصر الرائعات يجدن اللعب على تلك الحبال، وكأنهن خلقن ليكن بداية الطريق نحو الخلود، إما في جنة عرضها السماوات والأرض أو في جحيم لا تبقي ولا تذر، يخفق القلب بسرعة ، العيون لا تكاد تستقر على جهة معينة ، فالروائح المغرية تفوح من كل الجهات ، بالتأكيد أنا لست على الأرض، آه من تعب الذاكرة ، ما هو مقدار احتمالها لتخزن كل ما ترى ، وإن خزنته هل أستطيع إخراجه .

زقاق آخر في حي السيدة زينب ، زقاق تجاري ، النسوة يجلسن على الأرض يجبرنك على التعامل معهن ويجبرنك على الشراء إذا ما توقفت عند إحداهن ، هذه تبيع الخضار، وتلك تنادي على ما تملكه من أعشاب ، وأخرى تقف خلف بسطة تبيع بها الكبدة والكشري ، هناك يقف بائع الفول ، إنه التعدد الحقيقي ، كل منهم يعرف حدوده ، هنا من حق المرأة أن تطالب بالمساواة ، فهي شريكة الرجل في كل شيء ، في العمل وبناء الأسرة حتى المهر والمصروف اليومي ، وفوق كل ذلك تجد معظمهن من المثقفات؛ نعم، فلهن أن يسترددن حقهن من الحياة ، لأنها الشريكة فيها ومكملة دورتها .

– أبو سليمان أريد أن أزور مسجد السيدة زينب.
– آه لو صبرت قليلاً،  قال لي .
– لماذا ؟
لأننا بالقرب منه ، ولكن لماذا سمي باسم السيدة زينب ؟ وهل هي ابنة النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أم زوجته ؟
– يقال بأنه قبر السيدة زينب بنت  الحسين حفيد النبي عليه السلام، ولا أدري مدى صحة هذه المقولة ،وهل قبرها هنا ؟
– لا أدري،  ولكن لا أظن ذلك .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!