في ضيافة جبران ( في بشري أرض الخضرة والاشجار والحب )ح10

بقلم محمد صوالحة
بعد ان ارتقينا صعود الشارع … وبعد ان مررنا بالكورة … وعجتلون … والكثير من البلدات التي استوطنت بين الاشجار وصلنا الى حيث هناك … مالت المركبة جهة اليمين سارت بضعة امتار وتوقفت …
سالت انجيليا أين نحن الان ؟.
قالت : في بشري … في ضيافة جبران حليل جبران … ها أنا أفي بوعدي ونزور جبران .

ولا ادري كيف تركتها تتكلم ورحت اصعد الدرب ركضا ناسيا الم ظهري … والالم الذي كان يسكن معدتي … ركضت حتى وصلت لتمثال انتصب بجانب المتحف … جلست بجانبه … احتضنته وكأني احتضن جبران … نعم كان جبران الذي احتضنه وابدا ما كان تمثالا .
اشعلت سيجارتي …وجلست بجانبه … وصل الرفاق .. ابا نجيب … وانجي والياس القزي وانجيليا
التي تبعتني وقالت وهي تبتسم : تركتني اكلم نفسي وهربت ؟!!.
ابتسمت ..وقلت : هنا لا مجال لإضاعة الوقت … يجب استغلال كل ثانية تمر .
لفت انتباهي نظرته الثابتة بذلك الاتجاه … نظرت حيث ينظر … واذا بها كنيسة او دير … كأجمل ما يكون البناء … كنيسة انتصبت فوق قمة جبل تحيطه الاشجار من كل الجهات … ولونها القرمزي يزهو وتوشحه أشعة الشمس وصليب ارتقى فوق البناء تضفي عليه الشمس لون الذهب الصافي .
اجلس بجانب جبران والزهور تحيطه من كل الجهات وبالوان مختلفة … الماء ينساب بجانبي …. ويمر عبر قناة صغيرة ليروي ما زين به المكان من زهور.
التفت الى التمثال … حدثني عنك جبران … ايها الفنان الاديب الفيلسوف الشاعر : اسمع صوت ضحكته .. فأضحك معه … انسى سؤالي الأول وأسأله ما يضحكك ابا الأبداع والفن ؟؟؟
يجيب : لأنك ذكرتني بكل الحرمان الذي عشته … وكل الاوجاع :
وهل مثلك يا سيدي مر بالحرمان والوجع ؟.
لولا ذلك ربما ما كان مني ما كان ؟.
اثرت فضولي يا سيدي واريد ان اعيش معك تاريخك الذي تصفه بالمؤلم ؟.
اسمع صوت ضحك رفاقي … انجي وابو نجيب وانجيليا تردد جن ابا صخر … فقد ما تبقى من عقله … يقاطعها الشاعر الياس القزي… دعيه في جنونه … ففي حضرة جبران يحلو الجنون ويصبح تراتيل .
الياس .. اخشى عليه قالت
رد عليها… مما ؟.
اجاب ابو نجيب : لا تخشي عليه … فهو في حضرة الفن .. والأدب والفلسفة … انظري اليه يستمتع كثيرا وكأنه يسمع اجابات اسئلته ويكتب قليلا.
اعود لجبران بعد ان بادلتهم ضحكاتهم بابتسامة واعيد ما طلبت من جبران .
فيقول يا بني : ولدت لاب كسول ادمن الخمر … والقمار … ولام كان ابي ثالث ازواجها بعد ان توفي الاول … وأبطل الثاني … فكان قدري يخبئني لمثل هذا الاب الذي حرمني كسله من ارتياد المدرسة كالبقية … ولكن القدر ايضا كان في غاية الجود معي اذ وهبني الاب (جرمانوس) الذي كان يأتي لبيتنا ليعلمني الانجيل والعربية … كما وهبني ابا اخر هو الطبيب الشاعر سليم الضاهر الذي علمني الادب والتاريخ . أرأيت كيف تتولد الفلسفة … وكيف انك لا تحرم من شيء الا لتوهب الافضل .

اسأل جبران وانا أشعل سيجارتي … يا سيدي … اراك فنانا … شاعرا … فيلسوفا … فكيف لكل هذا ان يكون لك ؟.
يبتسم صاحب الاجنحة المتكسرة … ويقول هنا يا بني تقيم الهة الجمل والفن … فكانت علاقتي معها اقوى من علاقتي مع ابي … فوهبتني عينا قادرة على رصد الجمال … لأشكله كما اريد … هنا الهة الحب ايضا تقيم … فوهبتني (حلا) .. لأصبر على الحياة وأقاوم الكسل الذي قطف اخوتي واحدا تلو الاخر .
هنا … كان للقلب ان يخفق … هنا كان للحلا ان يتجلى … هنا ولد نبض القلب من جديد واستراحت الروح بعد عناء الغربة … وعذاب الاغتراب … هنا كان لقلبي ان يتعلق بابنة معلمي الاول سليم الضاهر … هنا ببشري كانت قصة قلبي الاولى .
صفها لي يا سيدي …
مثلها لا توصف ايها الفضولي …. فهي ملاك بثوب انسان … هي الطهر على هيئة انثى … هي الشمس … على هيئة الجمال .
يخفق قلبي بسرعة … اه لو ان ( لونا LOUNA ) تطل الان … لأهبها الحب بثوب الكلمات … اه لو انها تطل لأتحدى جبران بروعة لونا وجمالها وقلبها الكبير …. وكيف تنساب خيوط الشمس على كتفيها … وكيف لابتسامتها يتراقص البحر وتتمايل الاغصان … آه لو انها تطل.
افر بوجهي ونظراتي جانبا … دمعة تسكن عيني … ونار تشتعل بداخلي … ولا اقوى على شيء … فطيف لونا يداعبني ويبتعد… يدغدغ روحي ويهرب … ولا استطيع له امساكا … فيهمس شيء بداخلي … استمع لجبران وتخيل انه يحدثك عنها لا عن حلاه .
ولأهرب من حديثه عن حلا… وحبه ؟
سألته :كيف ترانا الان … وكيف تنبأت بواقعنا … وكيف كنتم ؟.فيبتسم … كنا في زمن … نزرع لنأكل … ونصنع لنلبس … كنا نقاوم الاستعمار … اما انتم الان فأمة مارقة لا خير فيها … ولا جدوى لها … امة ملكت المال واضاعت كرامتها . امة … تدعي بأنها تحررت من الاستعمار … وهي التي اعادت جحافله … امة لا تميز بين الثورة والانتحار … امة تتأمر على نفسها … امة تدعي انها منفتحة متفتحة … والحقيقة انها تشتت اقطارا اغلق كل قطر على نفسه … فتح الابواب للغريب وقدسه … واغلقها بوجه اخوته بل وقتلهم .
لسنا كذلك يا سيدي
بل انتم اكثر من ذلك … انتم جاهليون حتى النخاع .
اتركه واهبط باتجاه المركبة احضر علبة من البيرة … وسندويشة كفتة نية واصعد … اتجاوز التمثال والرفاق الى حيث الاشجار … ربما هنا جبران عانق حلا قبل ان تكون زوجته … ربما هنا تغزل بها … هناك في القمة بدأ كتابة روايته الاجنحة المتكسرة … هنا … وهناك … وابعد من هناك كان يلتقي بها ..ز يقرأ عليها ما كتب .
اجلس تحت شجرة … اتناول سندويشة الكفتة …. اسند ظهري لجذع شجرة … واتابع خطوات انجيليا وهي قادمة بالقهوة … تصلني … وتسأل
ما بك ابا صخر ؟.
لا شيء
وهذه الدموع التي تسكن عينيك
ليست دموعا وانما هي الغبار التي تسبب بهذا . لا اخبرها بأن جبران .. اعاد لونا رسما .. وانا المشتاق للغرق في عينها …
اشعل سيجارتك اخي … وتناول قهوتك يا النشمي .
حسنا
جلست بالجهة المقابلة … وبدأت بارتشاف القهوة بسرعة … وما ان انهيتها حتى تناولت علبة المكسين … ومع اول رشفة … عاد شريط الذكريات من جديد … كيف كان اللقاء اولا عبر فضاء الفيس بوك… وكانت اجمل علاقة مع لونا … لونا الملاك الانسان .
انظر لهاتفي النقال … فتتجلى صورتها … لتطير الدمعة من عيني . واطلب من انجليا مغادرة المكان … حسنا سنتجول في المتحف قليلا ونغادر .
ندخل المتحف … نتجول فيه .. قليل من الوقت ونغادر المكان … تنادي انجليا تعال لنلتقط بعض الصور مع جبران … التقط صورتان او ثلاثة ونغادر .
وبعد ان ابتعدنا قليلا باتجاه الارز كانت تراودني الرغبة لان نعود لجبران ومتحفه لأقضي ليلي فيه عساني اراه حلما ليحدثني اكثر … او ان تطل لونا من بوابة الحلم .
في غابة الارز لنا لقاء بإذن المولى

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!