حنين وألم /بقلم : مها قربي ( سوريا )

حنين وألم

كنت أعْبُر كلماتِ التبريك و التهنئة من الأحبة حين كانت روحي تفيض بالذكرى من حنينٍ وألم
راح شطر الشعر (عيدٌ بأيةِ حالٍ جئت يا عيدُ)،يُلحّ عليَّ….
ضاقت السطور مني…..
رحت أرشف الصبر من ثغر الوجع.
علّني أسترضيه فيقنع بالرحيل.
إنه القلبُ يضطرب حنيناً للغائبين.
يغادر على بُراقِ الذكرى ….بحثاً عن صورٍ لهم محفورةٍ في الذاكرة .
ليس من أحدٍ يكتم السر وقد فرّ من ألمٍ إلى بوحِ التجلّي.
…………………

ليس الأمسُ مثلَ اليوم
الذكرياتُ عُهدَةُ المتجولين
وأنا على حافّة الليل أجترحُ الألم
من سديمِ غيمةٍ تحتقن بالدمع، فتقطر في دمي حبرا
ً ينسابُ نهراً على ورق.
الراحلون يلتقطون فنارَ الغفواتِ من تعب
يرشّون الدمع بدلَ العطر
فينمو البنفسج على الشرفات
أغمس قلمي في حبرِ اليقين وأرحلُ في مساربِ الحُرقة.
ملتبسَةٌ أحاسيسي ما بين بياض الفرح بأهِلّةِ العيد.. وما بين دخان الحرائق تُطوّح أبراجَ أبنيةٍ ومدائنٍ.
تلقي على حوافِ المرفئِ جثثاً لحاضرينَ كانوا على موائد الإفطارِ قُبيل العيد بساعاتٍ قليلة..
فاستقبلتهم قذائفُ الموتِ بدلاً عن مدافع العيد
…………………

أمام مشهد الانهيارات الفظيعة كان انقباضُ الروح
يُعَنونُ أسماءَ شهداءٍ و أطفالٍ وجرحى
وثنيةُ القلبِ أنا.. … أبكي أمامَ حجارةٍ تهوي..
تعبُرني رعشاتُ رياحٍ تصولُ في أكنافِ الروح
تُعوي تاركةً حفيفَ لهفتها عند حدودِ الوجع
………………..

يشردُ الليل في أروقةِ النَزَق
أحاول الخروجَ من مأزق الحزن إلى فضاءاتِ الفرح
أتذكر قول جبران:
(السُعداء حقاً هم أشخاصٌ عرفوا أن الحزن لا يفيدهم شيئاً… فابتسموا..)
تحسستُ أناملي
حاولتُ أن أقترفَ الُحب في زوايا العتم
ورحتُ أنشد أغنيةَ الفراغ..
إنني كأسٌ من البِلّور يملؤها الفراغ..
يرهقها الحنين للغائبين..
شفافةٌ.. ورقيقةٌ.. روحي
تتطوحُ في براثنِ أسئلةٍ هزيلة
عن معنى الفرح
والعيد
الغربة
والقتل
عن الحُبِ.. والحَرب
تحاصرني الإجاباتُ عاريةً …
أحاول سترها.. بابتسامةٍ وعباراتٍ عن العيدِ وفرحةِ الأهلِ والأمنيات.
الروح مثلُ الزجاج، لا تجرح إلا عندما تُكسَر..
أنسلّ من بُردَةِ الذاكرة
من لُجّةِ الفقدِ.. وأرحل
في سِفرِ التكوين عند بوابةِ الأقصى..
لا مفاتيحَ لديّ للولوج..
لا مزاميرَ ترثي من رحل..
وحدَها هواجسُ عن الحربِ والحنين..
تؤرق ليلي فتغلبني لواعِجُ التدوين..
و يلحّ في داخلي زخمُ الأسئلة
-لماذا نسقطُ في فخاخ اليأس ونحن على حافّةِ النور؟
-لماذا نكون طُعماً في صنارةِ البؤس ونحن في ريعانِ الحُبِّ و الشغف؟
لا نملكُ إلا بعضاً من لُهاثٍ مُتسارعٍ مُتهامسٍ يُكثّف الضبابَ على سطحِ نافذةٍ تنتظر الفجر لتنحني أشعةُ الضوءِ حُبلى بذرّاتِ البُخار و سرائر الماء
فتستحيلُ أنشودةً للصُبحِ أُرتّلُها وحيدة.
…………………….

هذا العيدُ لا يشبه الأعياد
خجولٌ تمطّى
أعرجُ الخطوِ ..بطيئ
أنتظرهُ لأرشُفَ قهوتي عند الصباح مُحاولةً أن أنفُذَ من معابر السوادِ وآلام الحروب إلى بياضِ الذاكرة..
علّني أخضّبُ أيامي بألوانٍ جميلة
فينهضُ النورُ من صدريَ اليانع
ليصيرَ زنابقاً وعرائشَ ياسمين
أصرُخُ بأعلى الصوت..
كل عامٍ وأنتم بخير!!
مني.. لكم!!
أنا المُعلّقةُ بوهجِ السنابل أُنشدُ اشتعالَ ربيعِ البوح على شرفاتِ الفجر..
لكَ أن توهِن أهدابي بمتاعبَ وآلامٍ كثيرة فيغادرها النوم..
لكنّك لا تملِكُ أن تغتالَ أحلامي..
…………………

للبحرِ مدٌّ و جزر
للقمَرِ نقصٌ و اكتمال
وللزمنِ الفصول الأربعة
ولنا مواسمُ الفرحِ المؤجل بانتظار العيد..
أدعوكَ أن تشاركني
تُسامرني.. تؤازرني..
وتشرب قهوةَ العيدِ معي
ليرتدي الصُبحُ ثوبَ العيدِ الموشّى بألوانٍ قُزحية
فيرحل مع الليلِ سوادُ العتمِ
ويضيُء الفرح.
أسمعك تقولُ لي.. كل عامٍ وأنتِ بخير.. كل عيدٍ ونحن بخير..

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!