لقد دُعيت – (2)/بقلم:عبد يونس لافي

في اليوم المقرر للسفر، أعْدَدْتُ حقيبتي وما أحتاج،

واتصلتُ بالنّاصِرِ صديقي،

قلت له هَيِّئْ راحلَتِكَ لأيصالي إلى المطار،

فاستجابَ مرحِّبًا، على الرغم، من وقتِ الرحلةِ المبكِّرِ.

كانت صحبته إلى المطار، قد شَحَنَتْني بمشاعر الأخوةِ الطيبة.

ما دار من حديث، ونحن نقطعُ ما يقاربُ الأربعينَ ميلًا، من بيتي إلى المطار،

كان حقًّا ذا شجون.

وصلنا المطارَ، فكانت عمليةُ الدخول الى البوّابة من السهولة بمكان،

صاحَبَها – كما شعرت، احترامٌ من قبلِ العاملين، ولم يكُنْ ليُفَتِّشَني احد.

بعد انتظارٍ قصير، دخلتُ الطائرةَ التي اقلَّتْني إلى لوس انجلس في كلفورنيا.

عند وصولي ذهبتُ إلى بوابة الخطوط السعودية،

فرأيتُ غالبيةَ المسافرين من المسلمين.

كان تلفوني قد اوشكتْ شحنتُه على النَّفاد،

أوصلته بالكهرباء،

وتركتُه مع بنتٍ صغيرة كانتْ مصاحبةً لأُمها،

ثم ذهبتُ لأُسْبِغَ الوضوء.

حمدتُ اللهَ أَني لأول مرةٍ،

أرى صلاةً جماعيةً تقامُ في مطارٍ في امريكا،

أَمَّها عددٌ كبيرٌ من نساءٍ ورجالٍ،

خلف احدِ العلماءِ المعمَّمين يلبسُ لباسًا دينيا،

أَظُنُّه من الاردن او سوريا،

سألتُه حينها سؤالًا حول الإحرام في الجو، فأَجابني مشكورًا.

ركبْنا الطائرةَ وبعد ساعاتٍ طويلةٍ،

عرفتُ أَننا نقتربُ من حدود جدة.

لم انتظرْ قائد الطائرةِ ليُعلنَ عن موعدِ الإحرامِ كالمعتاد،

في اوقات الحج عند الاقتراب من ميقاتِ الحُدَيْبِيَة،

بل سبقْتُه بساعةٍ،

حيث ذهبت إلى المكان الذي خُصِّصَ كمسجدٍ على متن الطائرة،

فخلعتُ ملابسي ولبستُ ملابس الإحرام،

كنت قبلها قد اغتسلتُ للأِحرام في بيتي قبل الخروج لهذه الرِّحلة.

حطّتْ الطائرةُ في مطارِ جَدّة بعد 16 ساعة من التحليقِ،

أخذت حقيبتي  وركبتُ الباصَ إلى مدينةِ الحجاج داخل المطار. 

أكملتُ معاملةَ الدخولِ، فقادني ممرٌّ إلى أحد المكاتب الوقتية،

فرأيتُ شخصًا يجلس وأمامَه جهازُ كومبيوتر.

كان معه شخصان، اخذ أحدُهما جوازي وأعطاهُ لرجل الكمبيوتر.

وبينما كنتُ انتظرُ، تقدمتْ إليَّ امْرأةٌ مُنَقَّبةٌ،

أعطتني سجادةَ صلاةٍ جديدة؛ عجبتُ لموقفها،

فسألتُ احدَ الاشخاصِ الواقفين، عن سبب إعطاءِها السجادةَ لي،

ضحك وقال خُذها انها هدية، فعلتْ خيرًا.

قلتُ هذا شيئٌ لطيفٌ، وأنا استبشرُ خيرًا؛ هذا اوَّلُ الغيث.

قال موظفُ المكتبِ، انتظرْ سنسلِّمُ جوازَكَ لموظفٍ،

سيركبُ الباص معك،

ثم يسلِّمُه إلى مكتبِ المطوف رقم 30 

المخصص لحجاج تركيا وأستراليا وأوربا وأمريكا.

انا اعرف هذا الإجراءَ مُسبَقًقا،

فقد أُخْبِرْتُ به قبل سفري كأِجراءٍ لتنظيم الحج،

والتأكد من عدم تخلف الحجاج بعد انتهاء الحج.

كذلك اُخبرت أن اشتري بطاقات التنقل من المطار الى مكة،

وما بين المشاعر، والسكن في منى وعرفات.

انتهزتُ فرصةَ الانتظار،

فاستأذنتُ وذهبتُ لشراءِ شريحةٍ محليةٍ،

للتلفونِ الذي أَعطاني أِيّاهُ قبل ايامٍ من سفري، 

احدَ الاصدقاءِ الهنود،

لغرض استعماله محليًّا في السعودية،

واترك تلفوني لاسْتقبال مايردُني من الخارج.

بعدها أُعطي الجواز للموظف السعودي، 

وركبت حافلةً مُعدَّةً، إلى مكتب 30. 

في طريقي من مطارِ جدةَ الى مكة، اتصلتُ بالاخ أبي انس،

حيث تربطني بالرجل  صداقةٌ متينةٌ.

كان قد أاخبرني اَنه قد جاء للحج هذا العام، وهو في مكة.

قلت له انا في طريقي، وسأتَّصلُ بك ثانية حين أَصلُ،

رحّب الرجلُ بعد ان هنّأَني على سلامة الوصول.

بعد لحظاتٍ اتصلَ بي شخصٌ آخر من مكة، قدَّم نفسَه على أنه خالد،

قال: ان اخي عبد الله، اتصلَ بي من الصين، وأوصاني ان اكون في خدمتك.

انا لم أرَ خالدًا من ذي قبل، إلّا أَنّ عبد الله هذا،

هو صديقٌ قديمٌ تربطني وأِيّاهُ صداقةٌ طيبةٌ منذ حوالي 22 سنة،

حينما كان يسكن مدينة مجاورةٍ لمدينتي،

لكنه سافرَ الى الصين قبل سنوات، وفتح مكتبًا تجاريًّا هناك.

اعطاني خالد عنوان شغله في برح الساعة، مقابلَ الحرمِ،

وقال لي سأَنتظرك هناك حتى منتصفِ الليل،

بيدَ أني وصلت متأخِّرًا،

ولم أستطعْ مقابلتهُ في ذلك اليوم.

وصلتُ مكتب 30 مُتعباً جدًّا،

وبعد ان استلم المطوفُ جوازي، سجَّل بعض المعلومات،

وأَعطاني سوارًا وضعه في يدي، يُمَكِّنُني من الانتقال،

بصورة طبيعية بين المشاعر،

ثم سألني أين سأسكن في مكة،

قلت له اني حجزت في المدينة المنورة لمدة اربعة ايام،

ثم اۤتي مكة ثانيةً قبل يوم التروية،

وسوف أتوقف الليلة ساعتين في البيت الحرام لأداء العمرة ثم أغادر. 

قال لا يمكنك الذهاب الى المدينة اِلاّ بعد الانتهاءِ من مراسيم الحج،

لأن جوازك سنحتفظ به في المكتب،

ولسنا مخوَّلين أن نُعطيك تصريحًا بالسفر إلى المدينة،

فألغيتُ حجز المدينة.

هنا اتَّصلتُ بأبي أنسٍ واخبرتُهُ بحاجتي الماسَّة اليه ولو لساعاتٍ،

لأتركَ حقيبتي معهُ، وأذهبَ إلى الحرم لأداءِ العمرةِ، ثم اخلعُ ملابسَ الإحرام. 

كان موقفه، كما توقَّعْتُ، موقِفَ رجالٍ، اذ قالَ لا يمكن أن اتركَك أبدا،

فاعطاني عنوانَه ودعاني إلى حيث يسكن.

حينما غادرت المكتب، طلبت من السائق أن يأخذني إلى حيث يسكن ابو انس،

ضمن بعثة حجاج العراق. 

استغرق الوقتُ طويلًا وانا انتظرُ في بهوِ العمارة التي يسكنها،

دون ان استطيعَ الاتصال به، إذ نفدت بطارية تلفوني تمامًا،

الى ان أقبلَ مع اثنين من اصحابه كانوا خارجين إلى السوق.

بعد السلام والعناق، ذهبت معه إلى غرفتهِ.

كان يسكُنُ معه في الغرفة ثلاثةُ حجاجٍ اخرين،

وكان احدُهم جارًا لنا وصديقًا عزيزًا منذ خمسين عامًا،

دون أن يعرف احدُنا الآخرَ،

إلّا بعد ان غادرتُ إلى مكان إقامتي الجديد،

كما عرفت أنَّ أحد الثلاثة كان ابنه.

موقفُ الرجلِ هذا كان من الأهميةِ لا يقدرُها اِلاّ انا، 

اِذ أني كنت افكِّرُ أنْ اتركَ حقيبتي معهُ،

ثم اذهبُ الى المسجد الحرامِ للعمرةِ وأعودُ، ثم اسافرُ مباشرةً،

لولا مفاجأة المنعِ من السفر الى المدينة،

التي حجزت فيها مسبقاً كما اوضحت سابقا.

اصطحبني الرجل مشكوراً، واِن كان الوقتُ متأخرًا جدا  إلى المسجدِ الحرامِ،

بعد أن تركنا الحقيبة في الغرفةِ ثم طفنا معاً.

كنت فرحًا لهذا اللقاءِ الفريدِ،

فأَنا أُكِنُّ للرجلِ حُبًّا جَمًّا واحتراما،

ولقاؤنا هذا في هذا المكان، وما قام به مصحوبًا  بالارْيحِيَّة التي يتمتَّعُ بها،

كانت عاملًا اساسًا في راحتي النفسبة بل الجسدية.

عُدنا إلى غُرفتِه،

وقد قامَ مشكورًا بحلاقةِ رأسي بُغيةَ إكمال مراسيم العمرة،

واغتسلتُ، بعدها خلعت ملابسَ الاحرامِ،  ثم تركني انام في فراشه،

بينما نام هو مفترشًا الأرض،

وكان ذلك إيثارًا منه يحسب له.

تناولنا الإفطارَ معًا، بعدها وجدتُ نفسي مُضْطَرًّا أن أبحثَ عن اي مكان،

فليس من المعقول أو الممكن أن أبقى معهم.

بدأت اتصالاتي للبحثِ عن فندق أو شقة.

كان أبو انس قد وجد لي شقةً قريبةً منه،

غير أن المالك فرض عليه أن ادفع ايجارَ شهرٍ كاملٍ،

وكنت أَنوي ان أستأجرها مضطرًّا!

هنا تذكرتُ وصيةَ من احدى الأخوات،

حيث أخبرتني اذا ما وجدت صعوبة في السكن،

ان اتصلَ بأحدِ الأخوة المصريين  في مكة،

لكي يوفرَ لي مكانًا اسكنهُ حيث اعطتني تلفونه،

وفعلًا اتصلتُ به فقالَ سأبعثُ لك شخصًا يأْخذُك إلى المكان الذي سيؤجركَ ايّاه.

بعد دقائقَ جاء الرجل وكان اسمه خالد، وذهبنا انا وابو أنس معه في سيارته، وأراني البناية التي يسكن فيها هو نفسه.  قبلتها ولو انها ليست بالمستوى المطلوب، لكن توفر الانترنت فيها، وطيبة وأخلاق المؤجر،

وحاجتي الماسة إلى مكان استقر فيه واستعد لمشاعر الحج،

وخوفي ألّا أجد مكانًا،

جعلتني اقبلُ ذلك حالاً،

فطلب مني الفَ ريالٍ فوافقت حالًا وأعطيتُه.

تبيَّنَ لي فيما بعد، أن المكانَ مناسبٌ جدا،

من حيث قربه من مسجدِ ابي بكرٍ الصديق،

وأماكنَ رمي الجمرات في مِنى،

وكأن اللهَ ساقه اِليْ،

وكنتُ حقًّا قد دُعيت. 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!