أنا ودوري شركاء في المواطنة / بقلم : سلام شربجي

 

من نحن في هدأة هذا الليل..؟..
وهل بإمكان أي منا النجاة مما يحل به من أرق، وتشتت، واغتراب إن تعثر أمام سطوة هذا الغامض الكحلي، حين يتلو شرائعه الأزلية بتحويلنا من كائنات مفعمة بالحياة إلى أشباه موتى؟..
كل ما يحيط بها من أحداث جعلها تسقط في ذاك الفخ اليوم..هدير طائرة حربية هنا، وسقوط قذيفة هناك، حياة لاتمت لصفاتها هنا، وموت وتشرد وضياع هناك..
أبناء غادروا وطنا أحبوه، وأهلا” اعتادوا دفئ أحضانهم، نحو مايجهلون في الشتات والمنافي، تاركين خلفهم آباء وأمهات وهن العظم منهم،واشتعلت رؤوسهم شيبا،وباتوا يفتقدون اليوم من يسندون عليه جذوعهم مماألمت بهم الحياة من عجز.
مابين هنا وهناك، وصراع مابين نوم ويقظة، وجدت المراة نفسها رهينة ليل يطول ولاينتهي، جاهلة أن لكل ليل نهاية مع بزوغ خيوط فجر قادم لامحالة، تستدرجه طيور دوري تسكن مايحيط بها من كتل اسمنية وبضعة شجيرات بعيدة..
تنفست الصعداء مع أولى نداءات تلك الطيور النزقة بقرار هنا، وجواب هناك، لتبدأ سيمفونيتها الرائعة حين يتشارك الجميع بعزفها كل من موقعه، متحدية ذاك العدم المخيف، مستدرجة بأناقة وجمال نهارا جديد.. للتفوق علينا تلك الكائنات الجميلة والضعيفة بمايسكنها من أمل وعشق للحياة.
باستحياء غادرت المرأة غرفتها وتسللت نحو فسحتها السماوية، لتشهد مولد هذا النهار المميز.
تأملت مايحيط بها من مكونات ضمن هذا المشهد الفقير جماليا، وارتأت بأنه لايصلح سكنا لتلك الكائنات الحرة!
المكان شبه مهمل، تحيط به كتل من أبنية اسمنية، يسكن جانبه الأيمن صوفا قديمة تصلح للجلوس في الأماسي المقمرة مابين حين وآخر، أما الجانب الأيسر فتحتله منذ عقود بضع قينات من النبتات الدمشقية : خبيزة، الشب الظريف، راخي شعره، كوشوكة، وردة جورية تقاوم أرذل العمر ببضع زهرات صغيرة، ياسمينة طفلة ترسل أغصانها تطاولا منافسة ياسمينة الجارة القريبة.
يتصدر الفسحة حائطا بقامة متوسطة، تتخذ منه طيور الستاتي مسرحا لرقصات عشقها الجميل، وتلقي نحو المكان بمخلفات أخرى !..
تصل مابين الزوايا أشرطة معدنية معدة لنشر الغسيل غابت عنها اليوم ملابس من غادروا.
عادت لتنظر نحو ذاك الدوري المجاور تماما، والذي حفظت عن ظهر قلب تقاسيمه كونه يسكن إحدى الحفر الصغيرة في الحائط المقابل لنافذتها، والذي تميزه بألوانه القاتمة عن باقي أقرانه، ومايتصف به نزق وحيوية أشد، ترجح أنه ذكرا ربما !..فله مالأقرانه الذكور من بني البشر في هذا المكان من علو الصوت، والنزق الغير مبرر.
حوار مجازي ستبدأه وجارها الدوري تبدأه بالسؤال التالي:
أيها الدوري : مايغريك في هذا المكان كي تتخذ منه موطنا، وانت من تمتلك حرية خيارات أعجز بمكوناتي عن تحقيقها؟!
ماذا لو أنك ابتعدت قليلا نحو أشجار وحدائق قريبة؟
بزقزقات قليلة يجيبها: تلك الحفرة وطني الذي لن أستبدله بآخر ماحييت.. أتسألين مايعنيه لي المكان وأنت من تدركين مايعنيه الوطن ؟!
نعم ياجاري الأجمل، لاحب ولاانتماء يعادل هذا الحب .فلنمض معا شركاء في المواطنة..يدرك كل منا ماله وماعليه تجاه هذا الوطن الأجمل.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!