حكاية ساعة من الزمن/قصة كيت شوبن/ترجمة محمد عبد الكريم يوسف

وحيث أنني كنت أعرف أن السيدةمالارد مصابة بمشكلة في القلب ، فقد عملت على إخبارها بعناية فائقة ولطف شديد بنبأ وفاة زوجها .

 

أختها جوزفين تولت أمر إخبارها بالنبأ بجمل قصيرة وتلميحات غامضة أعلمتها بنصف الخبر . وكان بجوارها أيضا  صديق زوجها ريتشاردز . هو من كان بمكتب الجريدة عندما تم استلام الرسالة السرية  من طرق القطارات وكان اسم بنتلي مالارد على رأس قائمة القتلى . وخلال فترة قصيرة تأكد بنفسه من الحقيقة ببرقية ثانية . ثم هرع ليسبق أي صديق آخر أقل حرصا وأكثر لطفا في نقل الخبر.

لم تستقبل القصة كما تفعل النساء الأخريات عندما يسمعن أخبارا مشابهة . بقيت خدرة عاجزة عن قبول مغزاها . ثم انفجرت باكية في الحال ورمت بنفسها فجأة بين ذراعي أختها . وعندما هدأت عاصفة الحزن، ذهبت مبتعدة لوحدها إلى غرفتها . لم ترغب أن يلحق بها أحد.

هناك جلست مقابل نافذة مفتوحة  على كرسي أنيق مريح. غاصت فيه ، وضغطت نحو الأسفل  تعبها الجسدي  الذي سكن جسدها وكاد يصل إلى روحها.

رأت في الساحة المفتوحة أمام منزلها رؤوس الأشجار التي كانت تتبختر مع حياة الربيع الجديدة . كان هناك رائحة منعشة للمطر في الجو. وفي الأسفل في الشارع كان هناك بائع متجول ينادي ببضاعته . كان هناك صوت خافت لألحان أغنية يأتي من بعيد و تغريد عدد لا يحصى من عصافير الدوري على حافة الشرفة .

كان هناك رقع من السماء الزرقاء تظهر هنا وهناك بين الغيوم التي تلتقي وتتكوم الواحدة فوق الأخرى ناحية الغرب مقابل نافذتها.

جلست ورأسها نحو الوراء فوق وسادة الكرسي ، ساكنة تماما ، خلا تنهيدة تخرج من حلقها وتهز سكونها وكأنها طفل بكى لينام واستمر يجهش  في حلمه.

كانت شابة وجهها هادئ لطيف  تتحدث تقاطيعها عن حياة الكبت لكنها قوية . وهناك الآن نظرة تائهة في عينيها تحدق بثبات هناك في البعيد على إحدى رقع السماء الزرقاء. لم تكن نظرتها نظرة تأمل بل أشارت إلى نظرة فكرة ذكية معلقة .

شيء ما قادم إليها  ، وهي تنتظره بخوف . ما هو يا ترى؟ لم تكن تعرف . كان شيئا مخادعا جدا ومحيرا يصعب تسميته. لكنها أحست به ،  يزحف من السماء ،  يصل إليها عبر الأصوات والروائح ، لونه ملأ السماء .

بدأ صدرها يعلو ويهبط بقوة . بدأت تتعرف على الشيء الذي يقترب منها ليمتلكها وكانت تجاهد في إبعاده عنها بإرادتها العاجزة مثل يديها البيضاوين. وعندما أبعدته هربت همسة صغيرة من بين شفتيها المنفرجتين قليلا.

قالتها مرات ومرات بنفس متقطع : ” حرة ، حرة ، حرة ” وتبعتها نظرة فارغة وخائفة  خرجت من عينيها . بقيت قوية  ومشرقة . صار نبضها أسرع  وضخ الدم أكثر دفئا ثم استرخت كل خلية في جسدها.

لم تتوقف لتسأل إن كان الذي امتلكها  فرحا رهيبا أم لا . هناك شيء واضح وهام يمكـّنها من إبعاد أية فكرة سخيفة كهذه الفكرة. كان تعلم أنها ستبكي ثانية عندما رأت اليدين اللطيفتين الناعمتين يطويهما الموتوالوجه الذي لم ينظر إليها إلا بالحب  حياديا شاحبا ميتا .

ورأت خلف لحظة مُرة  سلسلة طويلة من السنين القادمة والتي ستكون ملكها وحدها. ثم فتحت  ذراعيها ونشرتهما ترحيبا بالقادم الجديد .

ليس هناك من تعيش من أجله في السنوات القادمة لذلك ستعيش لنفسها فقط . لن يكون هناك قوة تكبحها بإصرار أعمى يعتقد الرجال والنساء أنهما يمتلكان الحق في فرضه على مخلوق هو شريك العمر. جعلت النوايا الطيبة أو الخبيثة هذه الفكرة تبدو ليست أقل من جريمة وهي تفكر بها في لحظة تجلٍّ قصيرة .

ورغم أنها أحبته أحيانا ، كانت لا تطيقه في غالب الأحيان . ما الفرق؟  ما الذي يمكن أن يفعله الحب  ، ذلك السر الغامض ، في وجه هذا القدر من تأكيد الذات الذي تعرفت عليه  كأقوى نبض في كينونتها .

استمرت تهمس : ” حرة….حر أيها الجسد …حرة أيتها الروح .”

كانت جوزفين راكعة أمام الباب المغلق وشفتيها على ثقب المفتاح تتوسل لأختها أن تسمح لها بالدخول قائلة : ” افتحي الباب يا لويز ! أتوسل إليك .افتحي الباب . سوف تمرضين . ما الذي تفعلينه يا لويز ؟ كُرمى لله افتحي الباب !”

أجابتها قائلة : ” اذهبي بعيدا ! أنا لا أٌمرض نفسي !” كلا.  كانت تشرب إكسير الحياة من النافذة المفتوحة .

كان خيالها يشاغب راكضا مراجعا الأيام في رأسها . أيام الربيع ، أيام الصيف ، وكل الأيام القادمة التي ستكون ملكا لها. ثم صلـّت أن تكون حياتها طويلة .  بالأمس فقط فكرت بخوف أن الحياة قد تكون طويلة .

نهضت من مقعدها وفتحت الباب  تحت ضغط إلحاح أختها . كان هناك انتصار محموم في عينيها  ، وحملت نفسها بتثاقل و كأنها آلهة النصر . أمسكت بمعصم أختها ونزلت الدرج . كان ريتشاردز ينتظرهما أسفلا .

كان هناك شخص يفتح الباب الرئيسي بالمفتاح . وكان بنتلي مالارد هو من دخل ، متعبا من عناء السفر ، يحمل بيده كيسا ومظلة ، لم يكن يعلم بما حدث ، ولم يسمع بالحادث . وقف مذهولا أمام صرخة جوزفين الثاقبة وحركة ريتشاردز السريعة التي حجبته عن مرأى زوجته .

أتى الأطباء وقالوا إنها قضت نحبها بسبب مرض في القلب  – إن الفرح يقتل أحيانا.

الحواشي:

كيت شوبن :اسمها الحقيقي / كاترين أوفلاهيرتي / ولدت في 8 شباط 1850 وتوفيت في 22 آب 1904 . كاتبة أمريكية  وروائية . اشتهرت كثيرا بكتابة القصص القصيرة . رائدة من رواد الحركة النسائية الأمريكية في الأدب والفكر والفلسفة تحدثت في قصصها ورواياتها عن المرأة وهمومها وعلاقة المرأة بالرجل من أشهر أقوالها :

The voice of the sea speaks to the soul. The touch of the sea is sensuous, enfolding the body in its soft, close embrace.

 

There are some people who leave impressions not so lasting as the imprint of an oar upon the water.

 

When the doctors came they said she had died of heart disease – of joy that kills

 

محمد عبد الكريم يوسف (1965-) مواليد قرفيص/ سورية . مدرب ومترجم وأكاديمي و محاضر في الجامعات السورية   / رئيس قسم الترجمة سابقا في الشركة السورية لنقل النفط / رئيس دائرة العقود والمشتريات الخارجية سابقا في الشركة السورية لنقل النفط / حاليا رئيس دائرة التنمية الإدارية في الشركة السورية لنقل النفط.  كاتب في العديد من الصحف العربية والأمريكية . مؤلف ” معجم مصطلحات وقوانين الشحن البري البحري الجوي” وكتاب ” الصياغة القانونية للعقود التجارية في القطاع العام والخاص والمشترك باللغتين العربية والانكليزية  ” .

 

المصدر:

“The Story of an Hour,” by Kate Chopin,  Publisher: Vogue, 1894.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!