صابرحجازي يحاور الشاعرالمغربي الحَسَن الكَامَح

 

استكمالا لما قمت به من قبل (الجزء الاول 23 مقابلة ) مع نخبة من أدباءالوطن العربي، يسعدني أن يكون الحوارمع الشاعرالمغربي الحسَن الكامَح هو رقم -27 – من  الجزء الثاني من  اللقاءات مع أدباء ومفكري الوطن العربي في مختلف  المجالات الأدبية والفكرية التي حظيت باسهامات لهؤلاء المبدعين وبذلك يكون مجموع الجزء الاول (23) والجزءالثاني (27) باجمالي 50 حوار

 

وفي ما يلي نص الحوار.

س: – كيف تقدم نفسك للقارئ العربي؟

الشاعر الحسَن الكامَح من مواليد مدينة تاونات في بداية الستينيات، قرب مدينة فاس المغربية، هاجر صحبة أسرته إلى مدينة مكناس (عاصمة المولى إسماعيل في القرن الخامس عشر، وهي مدينة عتيقة، تمتاز بأسوارها القديمة وبواباتها المتعددة)

أقطن في مدينة أكادير منذ أواخر الثمانينات، شاعر ومسرحي وروائي، وإن كنت أميل إلى كتابة الشعر أكثر من أي صنف آخر من الكتابة. إذ الشعر هو العشق الذاتي الذي لا أبرح سريره أبدا، ولا أقدر الابتعاد عنه، فهو نافذتي التي منها أرى الكون، ومن خلاله أقرأ العالم كما يحلو لي عن التناقضات والهموم اليومية.

 

س: – إنتاجك الادبي: نبذة عنه؟

بدأت كتابة الشعر في نهاية السبعينياتِ، لي ثماني دواوين شعرية مطبوعة بداية من أول اهتزاز سنة 1992، (أسميها اهتزازات، قناعة راسخة، أن الشعر الذي لا يهزك ليس جدير به أن يسمى شعرا، والقصيدة في حالة مخاضها تهز الشاعر قبل أن تهز المتلقي)

 

1) الاهتزاز الأول: ” اعتناقُ ما لا يُعْتَنَقُ” 1992 عن دار قرطبة البيضاء

2)   الاهتزاز الثاني: “هذا حالُ الدُّنْيا بُنَيَّ 2013 عن مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال مراكش

3) الاهتزاز الثالث قَبْلَ الانصراف2014   عن مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال مراكش

4) الاهتزاز الرابع «صَرْخَةُ أُمٍّ” 2014 عن مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال مراكش

5) الاهتزاز الخامس: “أراهُ فَأراني” 2014 عن مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال مراكش

6) الاهتزاز السادس: “بدوي الطِّينَةِ ” الجزء الأول سيرة مكان 2015 عن مؤسسة آفاق مراكش.

7) الاهتزاز السابع: “أنتِ القصيدةُ” 2015 سيرة ذاتية للقصيدة عن مؤسسة آفاق للنشر مراكش

8) الاهتزاز الثامن: ” للطِّينَةِ… أنْ تُزْهر مرتينِ” 2016 سيرة من كانوا هنا، وهو الجزء الثاني للاهتزاز السادس:بدوي الطِّينَةِالجزء الأول سيرة مكان، عن مؤسسة آفاق مراكش.

تحت الطبع:

9) الاهتزاز التاسع: “وصايا الجسد” 2017، سيرة ذاتية للجسد، عن مؤسسة آفاق مراكش.

10)         تقاطعات بين الصورة والقصيدة: صرخة يد”   عمل مشترك مع الفنان الفوتوغرافي يونس العلوي الترجمة بالفرنسية الشاعر حسن أو مولود الترجمة بالإنجليزية الشاعر الحبيب الواعي 2017

ولي نصوص مسرحية وروائية، أتمنى أن ترى النور في أقرب الأوقات، بداية من هذه السنة إن شاء الله، بدء بالنص المسرحي: ” تصبحون على وطن” والنص الروائي:” الغرفة 214″.

 

س: – متي بدأت في كتابة الشعر؟ وهل تذكر شيء من محاولاتك الاولي؟ وهل وقف أحد مشجعا لك على الاستمرار؟

في أول الأمر كانت مجرد إرهاصات ومحاولات للخروج من طفولة البيت والمدرسة والشارع، (الثلاثي الذي حدد مسار حياتنا بصفة عامة) إلى رحاب اكتشاف الذات وميولتها في خضم عدة إكراهات، والبحث عن التميز بين الأصدقاء، بالتقرب من الكتاب والقراءة، ومحاولة تلخيص ما قرأت، أو كتابة رسائل عاطفية لبعض الأصدقاء في الحي، ومن بعد اكتشفت أني أميل إلى الشعر أكثر من أي صنف آخر، فبدأت بقراءة الشعر العربي بداية من الشعر الجاهلي، متنقلا بين مجموعات من الدواوين الشعرية، ولأن توجهي كان علميا، فكنت أجد متنفسا في قراءة كل ما يكتب بالعربية، بدل الفرنسية التي كانت تطغى على المقررات العلمية، وهكذا اكتشفتني يوما شاعرا أجمع أشعاري في ديوان شعري لن يصدر إلا في سنة 2014، وهو الاهتزاز الرابع: “صرخة أم” وقصائده كتبت أواخر السبعينيات والثمانينات، وكنت أرسل قصائدي للجرائد التي تشجع الشباب على الكتابة والنشر أو في الإذاعات الوطنية، وعرضها في بعض الأحيان على أساتذة اللغة العربية، مما أتاح لي المشاركة في أمسيات شعرية بالثانوية ثم في المؤسسات التربوية والجمعوية. ولأستاذين الفضل الكبير في تطوير أدواتي الشعرية، الأول (رحمة الله عليه) كان يسمح لي بقراءة أشعاري في الأقسام  الأدبية، والثاني بالاحتكاك مع شعراء آخرين في مدينة مكناس في بيته وهو شاعر وصديق حميم، الشاعر عبدالله الطني.

 

س : – هل لنا من شئ من جميل كتاباتك ؟

 

للطِّينَةِ أنْ تُزْهرَ مرَّتيْن

…………….

 

 

ü مرَّ علي َّهذا الصباح

وأنا في الشُّرفةِ

اقْرأ ما تيَسَّر من حكْمة الفَلاحْ

لا أحَدا معي

غير أغنيات الإصباحْ:

كانَ جَدِّي يقرأ  آيةَ الكُرْسي

بصَوْتٍ مَسْموع

ويرْتدي سلْهامَه الأبيض  الوَّضاحْ

كانَ الأبْيَضُ  يؤثث المكانَ

كلُّ شيء ابيضٌ

وجْهُهُ النحيفُ

لحيتُهُ القصيرةُ

يداهُ

و سُبْحتُهُ القديمةُ

وصمْتٌ المدى يُغَطِّي البطاحْ

حاولتُ انْ افرَّ منهُ

وأنا الملْهوفُ لرُؤيته

مذ موتهِ  مذْ بداية الانزياحِ

منْ أمدٍ بعيدٍ

لمْ تعُدْ لي القدرةُ

أنْ أرى وجْههُ منْ جديدٍ

واحاكيهِ أوْ يُحاكيني كَكلِّ صباحِ

كانَ جدِّي وفيًّا للقرْية

عَطوفًا على أهْلِها

قلْبهُ تعلَّقَ بالأرض وبالنَّبْتة الفوَّاحِ

كان الشَّيْخَ

الذي يَهابُ الفراقَ  عن ْ شمْسِ القريةِ

والبعْدَ عنِ الحُضْن الدافي

حينَ يطوِّقه الزمانُ القاسي

لكنَّهُ لا يَهابُ حُرْقةَ المَوت في الرَّواحِ

كانَ  …

فكيْفَ لي أنْ أكَلِّمَهُ الآن

وهو يمْتطي الأبْيَض في انْشراحْ

ماذا عَساني أنْ أقولَ لهُ

وأنا منْ كان يُضيِّعُ الكلامَ

في بحْرهِ لمَّا يجْرفني  الانزياحْ

ثلاثُ عُقود مضتْ

وهُو يَحْكي لي ويَحْكي

وحكْيه حِكمةٌ لا تنْتهي

حتَّى وإن هبَّتْ عليْهِ أجنَّةُ الرياحْ

كانَ جدِّي..

وهو الآن أمامي

ملاكاً يرْتَدي البياضَ

 صامِتًا حَكيمًا لا يُبالي بالزمانِ

ولهُ خفْض الجناحْ

وجهُهُ الأبيضُ

المزيَّنُ بلحْيةٍ قَصيرةٍ بيْضاءَ

بدرٌ سَما في العلا

كأنهُ ما شاء اللهُ  الإصْباحْ

عيْناهُ تَقولُ كُلَّ شيء

تُعاتِبُني عن غيابي

في وقْتِ الَّرحيل  يوْمَ الرواحْ

ماذا عساني

أنْ أقولَ لسيد

سكنَ الذات عمرا ولا زالَ 

وأنا وحيدٌ في الوغى تحاصرني الرماحْ

ماذا اقولُ لقَصيدَةٍ

تكْتُبني كلَّ يوم

وتُضاجِعُني بعُنْفٍ مرارا

كلَّ ليْلَةٍ حتَّى الصباحْ..؟؟

قَصيدتُكَ سيِّدي

عاصِيَّةٌ علي َّ وضاربةٌ فيَّ

فارحْمني لعلِّي أولدُ منْ جَديدٍ

فآتيك حفيدا

اوْ آتيك قصيدا

يُعيدُ ترْبيتي بينَ حروف الألواحْ

إنِّي تعبْتُ من الهُروب منكَ

وتعبتْ أقدامي منِّي 

وأنْتَ تحاصِرني في  هذا الصَّباحْ

عفوا جَدِّي

لا كلامَ عنْدي يَليقُ في حَضْرتكِ

فاعْذُرني إنْ ضيَّعْت الكلامَ المباحْ

واعْذُرني جدِّي

إن سقطتْ حُروفي الآنَ  منِّي

بعْدَ رحيلكَ بعْدَ  الرَّواحْ

فقَصيدَتي ضاعتْ منِّي

بيْنَ الرُّبوع يوْما

أوْ بيْنَ الأسْفار التي أنْعشَتِ الجراحْ

وبيْنَ الرُّفوف

بحثْتُ عنْها واللَّه

لكنَّها أبتْ

أنْ تكونَ بيْن هذا الاهْتزاز البَراحْ

أبتْ أنْ تُعانقَ الذاتَ

ومنْ لمْ تُعانقهُ القصيدةُ

على  سريرِ البوحِ، كما قلتَ،

ماتَ شريداً معذَّباً وما اسْتراحْ

ماتَ كأنَّهُ لمْ يكنْ هُنا

يحْضُنُ الحروفَ على شطِّ البُحور

أوْ يمْشي سويّاً مع الاسْتعاراتِ والقوافي

عمْرا مضى على وقْع المَوْتِ، وذاتٌ لا تَرتاحْ

أبتْ يا جدِّي

 هذه القصيدةُ أنْ تَكْتُبَني 

كَما منْ قبلُ

حيْثُ كنْتَ تُأسِّسُ فيَّ مواطن العشْقِ

للحرف العاري منْ ذاتهِ

وبي التصقَ ذاتَ مَساءٍ أوْ ذاتَ رواحْ

هذه القَصيدةُ

تُظَلِّلُني منْ حُمى الموتِ

وتعيدُ لي ظلِّي الذي راحْ

هذه القَصيدةُ جدِّي أنا

فاقْبَلْني كما أنا

عاريّاً من النِّفاقِ والخداع

والخوض  فيما لا يطاقُ

وامْسَحْ دَمْعي

إذْ أبْكَتْني قَصيدَتُكَ  قَصيدتي هذا الصَّباحْ

 

ü مرَّ علي َّهذا الصباحْ

لمْ اُكَلِّمْهُ ولمْ يكلِّمْني

لكِنِّي اكْتَفَيْتُ

أنْ ألْقِيَ عَلَيْهِ قَصيدَةَ الصَّباحِ

ثُمَّ في هُدوءٍراحْ

وفي شرْفتي بقيتُ يَهزُّني مخاضُ القصيدةُ

ثمَّ ترْميني هُناكَ بين الجبالِ العالياتِ

والحُقولِ الفاتناتِ

وأسائلُ نفْسي في هذا الصباحِ:

في أي أفْقٍ سَتُزْهر الطِّينةُ مرَّتين

والقصيدةُ أنْ تولدَ مرَّتيْنِ

والجدُّ عني راضٍ

بيْد أني واقفٌ هُنا تُغَربلُني نسائمُ الرياحِ..؟؟

  س: – من هم الادباء والشعراء الذين تأثرت بهم؟ وما زلت تنهل من ابداعاتهم حتى الان كقدوة ومثال لك؟

يصعب على أي شاعر معين تحديد من تأثر به كشاعر واحد، لأني مقتنع بأن أي شاعر كان، فهو يتغذى من تجارب كثيرة في الشعر، كما يغذيها هو كذلك، هي عملية أخذ وعطاء، ومن الأحرى التحدث عن التجارب التي تأثرنا بها، فلا يخفى على أحد أن للمعلقات دور مهم في الشعر العربي مرورا بأبي نواس والمتنبي والأصمعي وغيرهم كثير، ولا ننسى الشعر الحديث بداية بالشاعر الكبير أحمد شوقي وصلاح عبد الصبور ومحمود درويش ونزار قباني أدونيس أمل دنقل عبدالوهاب البياتي، والجواهري إيليا أبو ماضي نازك الملائكة وشعراء من المغرب العربي   وغيرهم كثير بطبيعة الحال، والقائمة طويلة، فعلى الشاعر أن يلتهم من الشعر الذي يهزه ويقيم فيه ذاتا كاتبة ومتلقية في آن واحد، فلا يمكن لشاعر ما أن ينطلق من الصفر دون الاعتماد على تجارب أخرى، ولن أنسى كذلك الشعر المترجم لشعراء من فرنسا وإسبانيا واليابان.

 

س: – أنت عضو في العديد من المنتديات الثقافية والادبية ولك موقع خاص باسمك – فهل استطاعت الشبكة العنكبوتية تقديم الانتشار والتواصل بين الاديب والمتلقي؟

الشاعر الذي يكتب لذاته فهو ميت، فهو يحتاج إلى من يكتب الآخر/ المتلقي للشعور بأن ما يكتب يذهب سدى، الآخر المتلقي هو الذي يخلق فينا الإحساس بالاستمرار أو التوقف عن الكتابة، الآخر/المتلقي هو من يفتح لنا بابا على ذواتنا لنشق المدى شعرا، ونلامس أبعد نقطة فينا، الشعر أو الكتابة بدون الآخر/المتلقي كتابة على رمل شط قبل المد والجزر،

لكن من قبل كنا نعتمد على الجرائد والمجلات ونشر الدواوين الشعرية، أما الآن فالأمر لم يعد كما كان معقدا، ويحتاج إلى طرق شاقة لنشر قصيدة، الآن ما عليك إلا أن تضغط على أزرار الحاسوب أو الهاتف المحمول وقصيدتك منشورة في مواقع ومنتديات عديدة وفي شبكة الاتصال المتعددة، فالمهرجانات صارت كثيرة ومتعددة في كل المدن، والدعوات تأتيك من حيث لا تدري، لقد اختلف الأمر عما كان، وهذا في صالح الشعراء الجدد،

والشبكة العنكبوتية سهلت وساهمت في ربط أواصر التعارف بين الأدباء في العالم بكامله، لم يعد هناك حواجز أو حدود، قصيدتك يمكن لك أن تنشرها في أي موقع، يكفي أن تكون على دراية بالوسائل.

وهذا رابط صفحتي للتواصل

  س: – هل ترى أن حركة النقد على الساحة الادبية العربية الأن – مواكبة للإبداع؟

شخصيا النقد وهذا منذ الثمانينات مرتبط بالزبونية والحزبية (نسبة إلى الأحزاب السياسية، الناقد الاشتراكي يكتب عن المبدع الاشتراكي، والأصولي عن الأصولي، والشيوعي عن الشيوعي، والحداثي عن الحداثي، ودواليك)، قليلا ما يرافق النقد الشعر أو الإبداع بدون هدف شخصي معين، فلست مع من يقولون إن النقد في واد والشعر في واد وبينهما سد عال، لا يلتقيان إلا في الندوات وتكريم شخص معين، والمجاملات التي صارت تطغى على سلوكنا الراهن، والنفاق الاجتماعي، ولكن أقول: لا يمكن للشعر أن يستقيم ويتطور بدون نقد ملتزم محايد. أولا علينا أن نفرق بين شاعر وناقد أو مبدع وناقد، فلا يمكن لك أن ترتدي قبعتين وإلا وأنت منافق، فيكفي أن النقاد الذين يكتبون الشعر، تجربتهم يغيب فيها روح الشعر، فالناقد الشاعر مثله مثل رجل متزوج بامرأتين لا يعطي لأية واحدة حقها ولا يمكن له أن يعدل بينهما، أو كأن تكون قاضيا ومتهما لا يستويان، فعلى النقاد أن يمارسوا النقد، والشعراء الشعر أما الخلط فهذا يضر أكثر بالأدب بصفة عامة.

  س: – ما هي مشاكل المبدع العربي؟ وماهي الاسباب التي قد تؤدي إلى عرقلة العملية الإبداعية والتأثير السلبي عليها؟

حين يرتدي المبدع رداء غير الإبداع فهو يضر بالإبداع أولا، وبالجهة التي ينتمي إليها أو التجربة التي يدافع عنها أكثر مما يستفيد، لأن المبدع الحقيقي لا يهتم بالمناصب والكراسي وبوق المهرجانات والدعوات الرسمية التي تنحصر في فئة معينة لا تشيخ ولا تتعب أبدا من الرضاعة من ثد البقرة الحلوب، والشعر لا يحتاج إلا واص عليه لا من مؤسسة معينة أو من نقاد او شعراء وضعوا أنفسهم فوق أسوار الشعر حراسا عليه ونسوا كتابة الشعر، القصيدة حين تهزك تنسيك كل هذا النفاق الاجتماعي فلا ترتاح إلا أن تنام جنبها في سرير واحد، ولو أخذت من عمرك حيزا كبيرا على حساب الأسرة والصحة والذات. كتابة الشعر عشق وتفان… كتابة الشعر انصهار كلي وغوص في أعماق الكلمات بعيدا عن البهرجة والأنانية المفرطة والرياء. كتابة الشعر أسمى من كل هذا.

 س : – هل لنا من شئ من جميل كتاباتك ؟

 

مقطع من النص السردي: “الغُرْفَة 214

……………………….

نعم أنا فأر التجربة 214 القاطن في الغرفة 214،

الرقم مكتوب على ملابسي،.. ومكتوب على باب الغرفة، وموشوم في ذاكرتي المتعبة

نعم أنا فأر التجربة 214. ولا شك في ذلك،

واحد في الوسط، أربعة على اليمين، واثنان على الشمال.

أو واحد  اثنان  وأربعة بدون ترتيب،

أو أربعة وواحد… ثم اثنان…

ثلاث أرقام اجتمعت لتكون الرقم الخاص بي  214

واحدٌ أنا أو السائل: هو يسأل وأنا أجيب، ونكون اثنان إذا اجتمعنا في غرفة واحدة، وواحد حين نفترق كل واحد في غرفته لا هم له بالآخر.

اثنان: الحارسان دائما لا يفترقان ظلان مستويان يتحركان معا لا يجوز لهما أن ينفصلا أبدا.

أربعة: نحن أنا والسائل والحارسان حين نجتمعُ في غرفة واحدة.

هكذا أفهم هذه الأرقام التي التحمت هنا لتجسدني في هذه الغرفة المظلمة.المهم أنا فأر التجربة 214، أحفظها ظهرا عن قلب، وبدون تردد، ولا خطا،

فهل ينسى أحد اسمه أو شكله…؟؟؟

أنا فأر التجربة 214، ولا شيء آخر غير هذا

هكذا أرددها دائما مع نفسي وأمام كثيف الشاربين، وأعدها بأصابعي كلما عدت إلى هذه الغرفة القاتمة بدون توقف، أعيدها مرات ومرات بلا تعب ولا ملل حتى يأتيني النوم لكني لا أنام. هكذا أحفظها عن ظهر قلب ولا أنسى منها حرفا أو رقما، أحرف  كثيرة وأرقم معدودة.

  س: – لك عدد من المطبوعات، حدثنا عن تقاطعات بين الصورة والقصيدة: “صرخة يد”   عمل مشترك مع الفنان الفوتوغرافي يونس العلوي؟

يندرج مشروع “صرخة يد” ضمن المشروع الكبير لتقاطعات بين الصورة والقصيدة، الذي أسسنا له من خلال هذه التجربة الأولى التي أطلقنا عليها “صرخة يد ” وهي مجموعة من الصور: التقطت من طرف الفنان الفوتوغرافي يونس العلوي (شاعر الصورة كما يحلو لي تسميته، لأنه صديق الشعراء)، وعدد الصور خمس وعشرون، صور فنية تحمل الهم الإنساني والمعاناة النفسية والاجتماعية.

             وكل صورة لها بعدها الاجتماعي والفني من حيث زاوية الالتقاط والأبعاد، فكل صورة هي قراءة فنية للواقع المعاش عبر تداخل التجارب الحياتية انطلاقا من الذاتي والفني، وهكذا جاءت القصائد لتؤسس للصورة فضاء آخرا عبر الحروف والكلمات بدل الزوايا والأبعاد والوجوه، ومن خلال كل صورة تولدت قصيدة شعرية، وهي قراءة ثانية للصورة بالاستعارات والإيحاءات والكلمات والصور الشعرية بدل الصورة الفنية وقام بترجمتها للفرنسية الشاعر حسن أومولود الذي أضفى عليها لغة ثانية للقراءة. كما قام الشاعر الحبيب الواعي بترجمة النصوص الشعرية إلى اللغة الإنجليزية، مضيفا عليها نكهة اللغة والتجربة.

هذا المشروع الذي سيرى النور خلال هذه السنة إن شاء الله تعالى. فهو فاتحة لمشاريع أخرى في طور الإنجاز ضمن المحور الأساسي: “تقاطعات بين الصورة والقصيدة” وأخص بالذكر:

  1. “قبس من نور”: قراءة لمغارة وين تمدوين عبر الصورة والقصيدة، (ومغارة وين تمدوين هي أكبر مغارة في شمال إفريقيا يبلغ طولها تحت الأرض تسعة كيلومترات، ويوجد بها أربع بحيرات)
  2. “أكادير فتنة الدنى”: قراءة لمدينة أكادير عبر الصورة والقصيدة
  3. “لمراكش هذا البوح”: قراءة لمدينة مراكش عبر الصورة والقصيدة
  4. “مكناسة الزيتون”: قراءة لمدينة مكناس عبر الصورة والقصيدة

وأعمال أخرى في الطريق نحن في اشتغال متواصل مع صور يونس العلوي ونصوص شعرية أخرى.

 س: – مشروعك المستقبلي – كيف تحلم به – وما هو الحلم الادبي الذي يصبو إلى تحقيقه الاديب الحسن الكامح؟

الشاعر رسالة أولا، وأحب من خلال قصائدي أو اهتزازاتي أن أضيف شيئا جديدا للساحة الأدبية في طريقة الكتابة السلسة بعيدا عن الغموض وتعقيد الصور، وتنفيس الذات المتلقية، وأن تجد في قصائدي روحا ورسالة إنسانية عالية، بعيدا عن التناقضات الاجتماعية والسياسية، فأنا أكتب لأمي وعن أمي، لحبيبتي وعن حبيبتي عن الفقراء عن القصيدة عن الهم الإنساني، وعن سير أشخاص رحلوا عنا، وعن ذاتي /ذات المتلقي.

ولي حلم بسيط، هو نشر كل ما كتبت منذ أواخر السبعينيات إلى الآن من اهتزازات شعرية، ونصوص مسرحية وروائية، وأن أساهم في رفع المستوى الثقافي بمدينة أكادير مع مجموعة من المبدعين الغيورين على المدينة والوطن بصفة عامة،

  س: – كيف ترى المشهد الثقافي المغربي؟ وماذا تريد منه؟؟ وما هي وأفكارك التي تطرحها لتطوير هذا المشهد؟

المشهد الثقافي المغربي غني بمبدعيه وبمثقفيه في كل المجالات: الشعر الرواية، الدراسات النقدية، الدراسات العلمية، الترجمة المسرح والفن بكل أنواعه، لكن ما يحز في النفس هو أن الوصي على الثقافة في المغرب يدعم أعمال كتاب ومبدعين كبار ليسوا بحاجة إلى دعم لنشر كتبهم ودواوينهم شقوا طريقهم منذ سنوات وهم في غنى عن المؤسسات الرسمية لدعم مشارعهم، لكن للأسف هناك مبدعين محتاجين إلى الدعم ماديا ومعنويا وإبداعاتهم تبقى محصورة في قلوبهم وبين جدران بيوتهم وبين أوراق موزعة هنا وهناك.

للنهوض بالمشهد الثقافي وتطويره أولا يجب أن يكون هناك تواصل بين المبدعين وبين المؤسسات التربوية، لزرع محبة الكتابة والكتاب في عقول التلاميذ منذ الصغر أولا قبل كل شيء، ومن بعد نفكر في استراتيجيات أخرى.

  س: – ارجو الا اكون قد ارهقتك بالأسئلة؟ ولكني اظن انه كان حوارا أكثر من رائع مع شاعر واديب مثقف واعي – واخيرا ما الكلمة التي تحب ان تقولها في ختام هذه المقابلة؟

شكرا لك أخي الاديب المصري صابر حجازي على هذا النبش في الذات الشاعرة التي تحتاج إلى من يهزها حتى تفوح لنا بأسرارها العميقة، فالكتابة هي قراءة للذات عبر الحروف والاستعارات والصور الشعرية والمحاسن البلاغية،

ختاما أقدم مقطعا من القصيدة الوحيدة المكونة الاهتزاز السابع: “أنت القصيدة” سيرة ذاتية للقصيدة، فهي سيرة للشاعر الحسن الكامح ولقصيدته وللمرأة التي تسكن كيانه، والحوار الوجودي مع الموت.

 

(أنْتِ القصيدةُ…

التي تكْتُبُني كُلَّ حين عمْرا لا يَنْتَهي

أنْت القَصيدَةُ…

التي تراودُني عنْ ذاتِها

في كل اهْتزاز شعريٍّ أشْتهي

أنْتِ …فسلامٌ لكِ

وسلامٌ لكل من عشِقَ الحرْفَ

وفي اهْتِزازهِ اسْتَمْتَعْ

وسلامٌ لكُلِّ من نامَ على جَمْر الحَرْف

وعلى نَشيدهِ أقْنعْ

وسلامٌ لكلِّ منْ غاص َفي يمِّ الشِّعْر 

ولإيقاعاتهِ   يُنْصتْ، وفي ولعٍ يَسْتَمِعْ

سَلاما …

سلامٌ أيتها القَصيدةُ التي لا تبْرحني إلا لِماما

تنامُ على قلبي سَنواتٍ أعُدُّها اهْتزازاتٍ أعْواما

سلامًا سلامًا

طالما الحرفُ الساكن الذاتَ

يسافرُ عبر الاهْتزازات اهْتزازا

طالما العمْرُ يمضي بينَ أيدينا 

رويْدًا روْيدًا ويتركُ التجاعيد

تحْتلُّ البياضَ امتيازا

طالما الحَرْفُ يَضمُّنا على سريره 

ليالٍ نعدُّها قصائدا

قدْ تجلَّتْ على ترانيم الذاتِ مجازا

يُفاجِئنا في كل مخاض

كالرِّيحِ في أقْصى حالاتهِ

يُعرِّينا منْ رُكوضِنا وقدْ ضَمَّ الذَّاتَ اجْتيازا

كالغيثِ يأتي من حيْثُ لا ندري

يسقي الروحَ

وقدْ تباعدتْ أرواحنا بين ربوات الأنا

نرْفُضُ الآخر الآتي منْ بعيد انْحيازا)

————

*

الكاتب والشاعر والقاص المصري صابر حجازي

– ينشر إنتاجه منذ عام 1983 في العديد من الجرائد والمجلاّت والمواقع العربيّة

– اذيعت قصائدة ولقاءتة في شبكة الاذاعة المصرية

– نشرت اعماله في معظم الدوريات الادبية في العالم العربي

– ترجمت بعض قصائده الي الانجليزية والفرنسية

– حصل علي العديد من الجوائز والاوسمه في الشعر والكتابة الادبية

–عمل العديد من اللقاءات وألاحاديث الصحفية ونشرت في الصحف والمواقع والمنتديات المتخصصة

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!