صلاة في محراب الجمال قراءة في ديوان (نصف إمرأة) للشاعرة السورية ناهده شبيب

ناصر رمضان عبد الحميد

الشعر كما عرفه القدماء هو الكلام الموزون المقفى الذي كتب عن قصد، لكن الإنسان العربي كان يعرف ويستبطن أن مع الوزن والقافية لا بد من وجود الجمال الساري بين الحروف سريان الماء في العود الأخضر، وان الشعر لغة وبلاغة وتراكيب وتجربة مُعاشه وإحساس يفجر المشاعر فيولد الحرف رقراقا نديا، حالة من الحب والحرب والبعد والقرب، والمعاناة التي يحياها الشاعر مع الشعر الذي تعلمه وصار على الدرب ينمي موهبته.

هذا مدخل لا بد منه قبل الولوج إلى عالم  الشاعرة السورية ناهده شبيب وديوانها

نصف إمرأة

ولي أن أقول :

أن النقد الان صار عملية وصفية تبدأ بعد عملية الابداع

والقصيدة الماتعة

تكتب نقدها وعرضها وطيها ونشرها، وتجعل الناقد يدخل مباشرة إلى النص وتهديه إلى جوانب الجمال فيه.

فالناقد مجرد قارئ من وجهه نظري يقارب بين الحقيقة والمجاز ويعيد إنتاج النص واضاءته من جديد، ولم يعد النقد بمعناة اللغوي

إخراج الصحيح من الرديء

فصار النقد كالتفسير الذي هو البيان والكشف والايضاح

فبقدر جودة النص يصبح النقد جيدا ويصبح دور الناقد أعادة القراءة.

فإن كان النص مفتوحا كانت القراءة مفتوحة

وأن كان النص مغلقا كانت القراءة مغلقة

ومن هنا صارت القراءة على أوجه :

_قراءة مفتوحة ونص مفتوح

_قراءة مفتوحة ونص مغلق

_قراءة مغلقة ونص مفتوح

_قراءة مغلقة ونص مغلق

ومن خلال ديوان :نصف إمرأة

أجد أن النص مفتوحا شفافا رفرافا نديا يستهوي الجمال ويبحر فيه بموهبة راسخة وقلم رصين

إنها شاعرة الحلم، فهي تحلم بالجمال

وبعودة الوطن والرجاء والتضرع إلى الخالق عز وجل

إن قراءة هذا النص المفتوح يجعلنا نعود إلى المنهج الحديث في النقد

ألا وهو استصحاب المنهج النفسي

ويتضح ذلك من قصيدة

نصف إمرأة

فيصبح النص كالحلم مرتبطا ارتباطا لا شعوريا لدى صاحبه، ويصبح للشاعر أو الشاعرة بنية نفسية متجذرة في اللاوعي، تتجلى فيما تكتب وتبدع، ولو بشكل رمزي

فإذا كان الحلم يعبر عن حياة الشخص المعاشه من طموحات وأفراح وانكسارات وإبداع واخفاق، كذلك الشعر، شخصيات حقيقة أو خيالية جميعها مكنون في حياة الشعر، وما الشعر الا مرآة لصاحبه، فالحلم طريق لحل أو عرض لمشكلة، وكذلك الشعر، تنفيس وتطهير  وعرض يتكئ على الحلم لعله يغير الواقع أو يسمع له الزمان، فيصبح بالشعر كروان نفسه المغرد على آماله والآمه فهو من نفس الإنسان مقتبس

على هذا يأتي ديوان نصف إمرأة ليعبر عن شاعرة حقيقية وعن نفس مكلومة حالمة، وجدت في الشعر نصفها الثاني الضائع بعامل الزمن والوحدة وفقدان الزوج والوطن، فصار الشعر هو الضوء الذي يراقص طيفها فتجد فيه سلوتها

واملها الذي يزهر كل صباح رغم مرارة الواقع،. تحاول الكتمان لكن الشعر فضاح

فترتشف الكلام وتذوب شوقا

على بحر الآمال

على شوق أبادلها حديثا

لعاشقتي اللعوب ولا أبالي

هي العشق الجميل هي احتراقي

وما أحلاه في العشق أعتلالي

تجد الشاعرة نصفها في حب الوطن الذي جعلت له التغريدة الأولى :

/الصبح فيك تعبدي وصلاتي

والحب أنت سكنت في آهاتي../

/انا لست أرضى غير وجهك قِبلة

وبغير حضنك لست أعرف ذاتي../

والمعجم الروحي هنا واضح والتناص صريح

الصلاة قرب وحب وارتقاء وصعود والصبح امل وعمل ورجاء، وانبعاث لفجر جديد ونور يملء الكون بالأمل.

والقبلة في الصلاة الكعبة وقبلتها وطنها ../..وكأنها تردد مع أمير الشعراء أحمد شوقي :

/ويا وطني لقيتك بعد يأس كأني قد لقيت بك الشبابا

أدير إليك بعد البيت وجهي

إذا فهت الشهادة والمتابا/

الشاعرة ناهده شبيب

في ديوانها نصف إمرأة

تتسلى بالشعر، وترسم ألوان ضفائرها، وهي تمر بأقسى تجربة تصورها على الورق شعرا يفيض عذوبة ورقة والما واملا، وكأنها تقول : مهما تعثرت الحياة فثم ّ نور من بعيد.

تتعثر بها الحياة وتلسعها الوحدة، وتحرمها من الدفء

ومن الحنان والحب

لكنها لا تقهر ولا تستسلم، ولا تشكو لأحد إلا للشعر، تجعل منه محرابها وروضتها وتتطلع به وهي ترضع طفلها الذي يأبى أن يكبر

محاولة التخلص من أنوثتها دون جدوى

محبوسة في جدران منزل هو حدود خريطتها بأوانيه المبعثرة، كأنها في معسكر تؤدي فترة حبس دون ذنب

بل ذنبها الوحيد انها أرملة

تصور الشاعرة في ديوانها

نصف إمرأة

حال الأرملة في الوكر العربي المتخلف بإرادته وكيف يتعامل مع المرأة الأرملة

محظور عليها

الحلم، الشعر، الشعور، الحب، الضحك، السهر، الفرح، الرقص، السفر، وأد وهي على قيد الحياة

حتى وصل بها الحال أن تتمنى أن تصبح رجلا وتعيش حياة الرجال، انها حياة مفعمة بالألم والحرمان والصراخ في وجه البشر، لكنها بالشعر تتنفس الصعداء، وتصعد بانوثتها إلى ما تحب وما يسعدها

ويصبح الشعر سلم الرجاء والأمل الباقي لها

هللت باسمك في إغفاءة السحر

رباه أي جناح في لم يطر….

من ظن ينسى إله الكون منكسرا…..؟

أقسمت ما غيره عزّ لمنكسر

أنها قصيدة مفعمة بالحب للخالق والاعتماد عليه، فمنه وحده العون

ولأنها معلمة لا تنسى المعلم في شعرها كنوع من الوفاء والعرفان،..

من صنع كفك هذا الببدر النضر

ومن اياديك ما خطوا وما سطروا….

يا فارس الحرف والاسياف مغمدة

والقوم لو أنكروا اليوم ما انتصروا

 

في النهاية أن ديوان نصف إمرأة يجعلنا أمام شاعرة حقيقة تمتلك الأدوات وتشق طريقها وسط الشعراء بأنثى كاملة وامرأة مكتملة

تحية لها ولابداعها.

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!