في أم الدنيا ( الجيزة و الأهرامات )/ محمد صوالحة

 

نصعد إلى السيارة متجهين إلى الجيزة … اطلب من أبي سليمان التوقف لتناول شيئاً من المشروبات …يتوقف عند احد المقاهي ، يهبط أبو سليمان برفقتي بعد أن سألنا كل واحد عما يرغب … كلهم يرغبون بالعصير باستثنائي وأنا الذي دوماً أتمتع وأنا احتسي القهوة …عدنا إلى السيارة التي بدأت تحتسي الطريق بنهم … تسألني الشقية عبير عما اشرب فقلت إنها القهوة … قالت هل لي أن أتذوقها .. فناولتها كأس القهوة … ارتشفت رشفة او اثنتان وأعادتها وهي تقول ” ياه دي مرة قوي ” نهض الملعون بداخلي وراح يقود عيني لتطوف حول الكأس لعلي أجد اثر شفاهها عليه … وأخيرا عثر الملعون على الحل اشرب من كل الجهات فبالتأكيد ستتذوق طعم شفاهها الطرية .

 العن شيطاني والعن نفسي على هذه الأفكار والوساوس ، تناديني الرائعة سحر التفت إليها فتقول ابيه مرة أردني نزل مصر معرفش يطلع ” قلت بداخلي آه ما أسعده وهل بغير مصر يجد المتعة والغرق الشهي .

انظر إليها .. أتأمل تلك العيون الضاحكة وتلك الشفاه الباسمة … آه لو كنت كلمة او حرف فلن اخرج من بين شفاهها ، أتوجه إلى أم سليمان بالكلام اليوم لم اسمع صوتك … فقالت أنت لم تسمعني .. بالعكس تعبت كثيراً من الحديث … يا الهي هل غردت بكلماتها .. كيف لم اسمعها ؟

ويرد شيطاني وأصوات الموسيقى وتغريد العنادل يغزو مسمعك .

 وفجأة إعصار من القلق يخترقني اللسان يتوقف عن الحركة وكأنه تحول إلى قطعة من الخشب   ، صوت فاطمة يجتاحني … صورتها ترتسم أمامي … اسمعها تناديني .. تعاتبني … تعاتب الأخ الذي ما أن عثرت عليه حتى فقدته من جديد … الأخ الذي وعدها على أن يبقى على اتصال دائم معها ها هو ينساها ولم يعد يكترث بالاطمئنان عليها وكيف له ذلك وقد وجد الدنيا الأحلى الدنيا الأجمل … أين وعدك بأن تتابع إخبارها أينما كنت ومع من كنت ؟. اسمع الآهات الصادرة من قلبها آه ما أقسى الناس … آه يا فاطمة كم أنا قلق عليك .. وكم أنا مشتاق إليك … مشتاق لتلك اليد الرقيقة الدافئة لأن اقبلها … اشتاق لتلك النظرات الحزينة لكي تلم شتات الروح … مشتاق لتلك الدموع التي تعبر عن وجعي … آه يا فاطمة مذ عرفتك وأنا اشعر بأنك تبكين عني وعلي … أين أنت يا فاطمة ؟.

 يا قصيدة الحياة وأغنية القلوب … يا صدق المشاعر … كيف الوصول إلى حماك … اسمع ندائك ولكني اعجز عن الوصول إليك .

 أحاول الخروج من عالم فاطمة والعودة من جديد إلى عالم الملائكة … إلى فتنة الورد التي بصحبتي … وعملاق الجود الذي يرافقني .. أتأمل تلك الحورية … لا بل تلك الجنة التي أنبتت هذه الزهور … أحاول الهروب من تلك الساعات التي قضيناها من عمان إلى السويس … أحاول الفرار من حديث شجي وابتسامات ارتسمت على شفاهنا وأهديناها للبحر… ولكن كيف وصوتها يعلو بداخلي حتى غيب عني كل الأصوات المحيطة ؟. أضع رأسي بين كفي وأغيب في الصراخ الذي بات يجتاحني على فترات … كلما زادت متعتي أشعلني من جديد .. كلما استيقظ الملعون بداخلي زارني صوتها .. جاءني ندائها ليزرع الألم والتساؤلات بداخلي .

أبو صخر .. الحمد لله على السلامة ها قد وصلنا … لم اشعر بالوقت طال أم قصر اضحك بجنون من فرط سعادتي .. ويخترقني صوت فاطمة من جديد ليبعدني عن الدنيا وأبو سليمان دوما هو المنقذ .

ترجلنا من السيارة .. ساحة كبيرة مكتظة بالبشر .. جنسيات مختلفة وأشكال مختلفة من كل أصقاع الدنيا كلهم جاؤوا يمتعوا أنظارهم بالأثر الذي تركه أجداد المصريين

*هل تريد دليلاً سياحياً قالت رندا ؟.

وكيف يمكنني الوصول إليه  قلت ؟.

ردت أنا لها … نتقدم نحو الشموخ … نحو المجد الخالد …نتجه نحو تاريخ  خالد بأصحابه وما زال يقف يحاكي الحاضر ويسخر منه … إلى جدود يهزئون من أبنائهم  الذين ينتمون إلى أجداد سادوا الدنيا تمتعوا بالأمن والاستقرار … وهم أصبحوا إتباعا لمن ليس لهم من التاريخ أي نصيب … نسير باتجاه أناس ما استطاع الزمن ونوائبه أن يؤثر فيهم … او يبعدونهم عن الصدارة وواجهة التاريخ … ما زالت أرواحهم منذ ألاف السنين تحضر في المكان وتحرسه من صروف الدهر وتحميه من عاديات الأيام .

 ندخل الهرم الأول والذي كاد أن يعانق السماء … آه كم هي عظيمة مهابة المكان … آآه ما أروع الأيدي التي بنت ونقشت … يا لهم من فنانين عظام ..ومن علماء أفذاذ .

نتجول في ثنايا المكان … ورندا تروي التفاصيل لهذا المعبد … للمثوى الأخير لملوك العزة … فترة حكم خوفو و الإنجازات التي تحققت في  فترة حكمه … من خوفو إلى خفرع ومن ثم منقرع …. إلى تلك المقابر … المعابد … يا لها من حضارة حرام أن تزول … آه من ظلم القدر … كيف لنا أن نرث هذه الحضارة … كيف ونحن كأمة لا نستحق الانتساب إليهم او حتى  نكون حجراً في إحدى هذه المعجزات .

نخرج من تلك الساحة العظيمة بكل ما فيها … نسير قليلا .. هناك يربض أبو الهول حارسا … يتأمل القادمين والمغادرين … يقف شامخا … من يمر من أمامه لابد له أن يقف أمام عظمته  يحدثه ويخضع لما يريد أبو الهول .. يقف مكانه محاولاً أن يمنح أبنائه وأحفاده  الصمود … ويشحذ هممهم ويهبهم العزيمة والإصرار والقدرة على التحدي والعطاء … عطاء الأقوياء وليس عطاء الأتباع .

 لا بد للزائر هنا أن يدهش لا بل يذهل لما يرى من عظمة وإعجاز خالد لا يزول و لا تمحوه الأيام .   

سلام عليكم دار قوم خالدين سلام عليكم بناة الحضارة ورموزاً رغم انف الأيام باقيين … سلام عليكم من جيل ما ذاق إلا مرار الهزيمة … السلام عليكم فاربضوا بأرضكم أن شاء الله أمنيين  السلام عليكم معجزة التاريخ وسيف الزمن ومعنى الحضارة فناموا هانئين ولا تقلقكم أحوالنا فقد اعتدنا أن نكون أتباعا فإذا ما تسيدنا سنفنى .

أين نحن من عصر انقضى بكل ما فيه وبقي أهله شهود زمن … كان التحدي شعارهم والبحث عن المعرفة عنوانهم … كانوا يحلمون باختراق الفضاء والوصول إلى السماء … تركوا لنا ارثهم ومضوا للخلود على أمل أن نكمل المشوار فخذلناهم والسؤال الذي يتردد هل يحق لنا الانتساب لهم ؟.

 أثناء سيرك في المكان  لا يمكن إلا أن يستفزك لتسال وتستفسر ..هنا سارت كليوبترا … هنا أصدرت أوامرها للجيش بالاستعداد للدفاع عن الأرض والعرض ، هنا مرت بالعمال وتفقدتهم ؟ ومن هنا خرجت نفرتيتي لتستعرض جمالها وتفتن الألباب ويحول الناظرين لعبيد لهذا الجمال الطاغي ولروعة الأنوثة … من هنا نهضت حتشبسوت لتنقذ موسى من الغرق … لتأخذه وتتبناه … وفي هذا المكان صرخت أسيا ” ربي ابن لي قصراً في الجنة ونجني من القوم الكافرين … هنا ولد أول الموحدين من الفراعنة وهنا قتل .    

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!