في حنجرتي يجلس فيلٌ وديك وعصفور جريح./ بقلم الشاعرة التونسية وهيبة قوية

في حنجرتي يجلس فيلٌ وديك وعصفور جريح.
فأمّا الفيل، فيحبس عنّي النفس ويخنق الهواء الصاعد إلى حنجرتي ومن حين لآخر يمتصّ كلّ هواء رئتيّ بخرطومه الكبير فينحبس كلّ النفس في صدري ولا يجد منفذا للعبور وأبدأ خطوتي الأولى في دهاليز الموت…
وأمّا الدّيك، فقد سرق صوتي. فإذا ما سعلت وفارت الحمّى في رأسي حاول أن يؤذّن لعبور الملائكة وصلاة جنازتي. وحين أطرد صوته من صوتي يلحّ فتتأجّج نار في صدري يزيد لهيبها العاصفة التي حبسها الفيلُ في صدري. ويجفّ صوتي.
وصار اجتماع الديك في قاع حنجرتي مع الفيل وتآزرهما ضدّي يفتح طرقات العتمة أمامي وليس لي من حيلة أحتال بها عليهما معا، إلاّ رشفة ماء ينزلق معها النّفس فلا أسقط في الفراغ الأخير. حتّى قال ابني: “ما دامت أمّي لا تتنفّس إلا برشفة ماء فلا بدّ أنّها صارت سمكة ولها خياشيم.”
وتصوّرت الفيل بضخامته والدّيك ببحّة صوته في خياشيم السّمكة، وفزعت. “السّمك المشويّ لذيذ”، ولكن لن تخرجني شبكة الصيادين من قاع البحر الذي سأسقط فيه لو فكّر أبنائي في إنقاذ أمّهم السّمكة برميها في البحر لتتنفّس…
وفكّرت: “أيّ أنواع السّمك أكون؟!” طبعا هذا لا يتطلّب بحثا. أدركت أنّ الفيل لا يمكن أن يقبع في حنجرة سمكة صغيرة. سأكون حوتا، حوت “بالان”، ولا فرق عندي بين البالان الحوت والبالون، فالانتفاخ حاصل في كلّ الحالات وأنا أشبه البالون الآن…
وأمّا العصفور الجريح، فيرقص ألما في حنجرتي… وقد تبعثرت ريشاته لتجفّف كلّ الخلايا في قصبة الهواء وحنجرتي ولساني وتُيبّس ريقي… يؤلمني صوت العصفور في صوتي، فقد انكسر صوته وكلّما أراد الزقزقة تسرّب نشيجٌ مخنوق يوهن روحي…
الفيل والدّيك والعصفور الجريح لم يكفهم الاستيطان منذ أيّام في حنجرتي، بل أغراهم التوسّع فأرسلوا جنودهم إلى أنفي وأذنيّ وأغلقوا بوّابات العبور أمام هواء رئتيّ وتحكّموا في أنفاسي فلا تعبر إلاّ بتأشيرة منهم بعد خوض غمار السقوط في هوّة العتمة والسير خطوات في أزقّة الموت…

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!