قراءة جمالية لبعض نصوص الهايكو للاديبة والشاعرة الدكتورة فاتن انور من أمسيتها المميزة في ملتقى أفاق – عمان – الأردن

  كتب : سمير  منصور
سأقدم هنا قراءة جمالية غير نقدية لبعض نصوص شاعرتنا المدهشة فاتن أنور دون رصدها بعمق كبير لأترك للقاريء فرصة التمتع بجماليات اللحظه الخاطفة في كل مشهد من المشاهد التي ستنثرها شاعرتنا هنا ، فهي نصوص عفوية غاية في البساطة والدلالة المتعمقة المفتوحة على فضاءات التأويل في معظمها ودون تكلف أو إصطناع ، وسأتحمل وزر هذا الإغفال بدل المعاينه المركزة ، وأفضل الأنعزال والنأي كي يتمكن القارئ من التأمل في هذه اللوحات ذات الأربع أبعاد ، الثلاثية بمكانها والآحادية بزمانها الذي يمر بالفصول بإنزياحات جمالية صاخبة .
.
سأبدأ مع عطر النسيم الصاعد إلى الجبال ، هناك لا داعي للانتظار وفي الوادي أريج الكروم عابقٌ بشذاً أثيرعلى النفوس .
.
قارورة العطر ،
أريج الكروم
يعبق في الجبال .
.
مشهد لا يحتاج إلا إلى التماهي والأنصياع في مفارقته الشذية .
وفي الجوار تتمايل سنابل القمح الخضراء أمام النساء اليانعات اللواتي ينتظرن قمر الحصاد في واحدة من المفارقات المدهشة الخضراء .
.
سنابل لينة ،
لا تنثني إمرأة
قبل الحصاد .
.
حتى يتسع الأفق وتبدو في البعيد إمرأة ترفرف بمنديلها الأحمر لأحد الأحبة المسافرين ، وهنا يتألق الأحمر في دلالة على شيء ما أو علامة ما تعمل بجد في إنزياحات النص إلى تأويلات مفتوحة أمام القاريء ،
.
حقيبة سفر ،
من بعيد يرفرف
منديلها الأحمر .
.
ولا يتوقف التقاط الجمال هنا ، فبالقرب دائما تولد الحياة ومعها يولد الجمال ، ومن أصغر التفاصيل الصغيره الأكثر أهمية لأستمرار الحياه ، قطرة ندى تتبلور على وردة تكاد أن تموت ولكن …..
.
حياة جديدة ،
على وردة ذابلة
قطرة ندى .
.
وعلى منعرجات الألق هناك صفصافة على ضفة الحياة ، وهناك ريح تعوي بالجوار وهناك أيضا الحب في طبيعة الأشياء
.
صفصافة ،
تمسح وجه النهر
مع هبات الريح .
.
وبين هنا وهناك يتسلل النسيم بكامل رقته ورهافته ليثير الشجون في النفس ،ربما شجون الوطن الساكن في ذاكرة الخوخ … وربما شيء آخر
.
نسيم ،
يعبث بأزهار الخوخ
ويسقط دمعتي .
.
الوطن ، نعم الوطن الذي يعيش فينا قبل أن نعيش فيه ، بكل تفاصيله وذكرياته وأحلامه وآلامه ، بدء من هذا الفراغ القابع خلف الأبواب الموصدة ، فكيف حين تكون صدئة
.
رهاب الفراغ ،
أتردد أمام
الباب الصدئ .
.
أنه التشبث بآخر أحلام البقاء والعيون مغمضة ، قبل أن يصدمنا الصحو بكابوس الواقع
.
صورتك الأخيرة ،
أغمض عيني وأحلم
أن لا أفيق .
.
أنها مفارقات التاريخ الظالمة ، ورياحه التي تمحي التماثيل السامقة وحتى الأسماء المنقوشة عليها ، أنه الموت الذي يمارس هوايته الوحيده الهادمة
.
كتاب التاريخ ،
ممزقة
صفحة المؤلفين .
.
ولكن هل التماثيل الزائلة لا تخلف ورائها سوى رائحة الموت والعلامات السوداء الفارقة ربما وربما تلتقط شاعرتنا هنا علامة مفارقة تشي بحياة الجمال المنبثقة من ضربات إزميل خافتة ، إنه التناقض والجمال بعينه في بوتقة واحدة ، الصخرة الجامدة أخيراً تنطق بالحياة وربما تتكلم أو على الأقل تعلن تحررها من العدم الذي كانت به قابعة منذ الازل
.
ضربات إزميل ،
من ثنايا صخرة
يميز الجمال .
.
هل يتوقف الجمال هنا ، لا ، فهو يبدأ بالتدفق عند نهاية القصيدة ، ففي الهايكو على الأخص الشاعر يلقي بنصه ثم يختفي من المكان ويترك القصيدة للقارئ ليستمر في بنائها وقد يبني جمالاً أكثر مما بنى الشاعر نفسه وتلك لعمري عبقرية الهايكو وميزته الفريدة الخالدة على باقي أنواع الشعر الاخرى .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!