معنى الحياة/بقلم جيمس فيزر/ترجمة : محمد عبد الكريم يوسف

 

أسئلة للتأمل

 

  • ما الأشياء التي ترخي بظلالها حول معنى الحياة ؟
  • هل يختلف معنى الحياة بالنسبة للإنسان عن معناه بالنسبة لقطة ؟
  • لنفترض أن الإله غير موجود وأن الإنسان ببساطة هو نتاج قوى تتطور بالصدفة . هل يجعل ذلك الحياة بلا معنى ؟
  • ما المعتقدات أو النزعات الدينية التي تجعل للحياة معنى ؟
  • ما المعتقدات أو النزعات غير الدينية التي تعطي الحياة معناها ؟
  • قارن بين سكان المدينة اليوم والصياد النموذجي منذ عشرين ألف عام خلت. من منهما يمتلك الوقت الكافي لاستكشاف معنى الحياة ؟

 

جون مفتون بحرب النجوم . كرس معظم حياته لحضور المؤتمرات الصحفية والرؤى المستقبلية  لحرب النجوم . وكان يرتدي ملابس جنود العاصفة ويشارك في جميع المواقع الالكترونية المهتمة بحرب النجوم . ويتابع يوميا ما ينشر في موسوعة ويكيبيديا حول مصطلح حرب النجوم  ، يتصيد الأخطاء والعبارات المخالفة  وينظفها مما يسمى ” الجانب الهزلي من أساس إيديولوجيا القوة ” . يفتخر جون أنه يمتلك مجموعة تقدر بحوالي 500 شخصية لها علاقة بحرب النجوم  بما في ذلك ثلاثة تصاميم لمفاهيم استخدمت في إنتاج الفيلم . يقول جون : ” إنها ليست فقط مسألة تجميع ألعاب  لكنها طريقة لاكتشاف معنى الحياة . ” ثم يتابع قائلا : ” تحتوي رواية حرب النجوم بواعث الحبكة الأساسية الموجودة في الأدب الكلاسيكي  وشخصيات العمل تمنحها شيئا من الواقعية . الطريقة التي  أضع شخصيات العمل مع بعضهم على الرف  تثير توترات فكرية  تعتمد أساسا على قصصهم السابقة فعندما أضع هانس سولو مع كريدو الجشع يظهر الفرق بين الجانب المشرق للحياة مع جانبها المظلم ويحدث نفس الشيء عندما أضع هانس سولو مع الجنرال غريفيوس الخطير .

 

 

يعتقد جون أن بعض الناس يجدون معنى الحياة في الدين وتكويم الثروة في حين أنه يجد أن شخصيات حرب النجوم هي التعبير الأكثر مرونة وفاعلية في التعبير عن الحياة التي تشكل في مجملها صراعا لا هوادة فيه ونحن نجعل  هذه الشخصياتتلتقي عندنا . زوجة جون ، التي التقى بها لأول مرة في مؤتمر حرب النجوم ، تتحمل وجود هذه الشخصيات في منزلها لكنها أقل حماسا للموضوع . تقول : ” اشعر أنني محاطة بخمسمائة محارب يستعدون لمعركة . أعتقد أننا يمكن أن نزين شقتنا بأشياء أكثر لطافة .”

 

إن هواية جون في جمع شخصيات حرب النجوم  طريقة لفهم فكرة معنى الحياة . وهذه الفكرة الأساسية في كل الأسئلة الفلسفية  تأتي إلينا بطرق شتى :

 

  • هل هناك معنى للحياة ؟
  • ما نوع الحياة التي تستحق أن نعاني من أجلها ؟
  • كيف يمكن أن نتغلب على اليأس؟
  • كيف يمكن أن نحقق السعادة ؟
  • لماذا نعيش؟
  • لماذا يجب أن نعيش؟
  • هل هناكقيمة مستدامة لنشاطات حياتي اليومية ؟

 

يركز كل سؤال من الأسئلة المذكور أعلاه على نقطة محددة وفريدة.  الأول على سبيل المثال يركز على تصميم الحياة الإجمالي والغاية من الوجود الإنساني الذي يوضح مكاننا في خطة الوجود الكلي للأشياء.  والثاني يسأل إن كان هناك مسار حياتي أفضل من الآخر. جميع الأسئلة المذكورة أعلاه تفترض وجود شيء غير صحيح في حياتنا نود بطريقة أو بأخرى تصحيحه وإيجاد الحل المناسب له.

 

 

لا يتعب الناس أنفسهم بالتساؤل عن معنى الحياة . وربما كان أفضل اختبار لمعرفه مدى اهتمامك بالحياة من اقتراح الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه  ( 1844-1900). فمنذ العصور الغابرة ، حاول الكثير من المفكرين والفلاسفة من مختلف الثقافات على ظهر البسيطة دراسة مفهوم  يسمى ” العودة الأبدية” . ومن هذا المنطلق ، العالم الذي نعيش فيه ليس إلا سلسلة لا متناهية من العوالم التي تحدث الواحد تلو الآخروكل واحد منها يشبه الآخر حتى في التفاصيل الدقيقة  وفي عالمنا الحالي الذي نعيش فيه  هناك قوانين ثابتة للطبيعة تحدد لنا طريقة فهمنا لها  بما في ذلك كل شيء يخص تجربتنا الشخصية في الوجود مثل : كم يبلغ طولي ؟ من تزوجت ؟ العمل الذي أقوم به ؟ وكل كلمة أنطقها .

 

 

 

في يوم من الأيام  سيُدمّر  هذا العالم من قبل قوى كونية . ومن هذا الرماد سينشأ عالم جديد. وسوف يتشكل تماما وفق نفس قوى الطبيعة  وسوف تجري نفس الأحداث كما تجري اليوم  بما في ذلك حياتنا الخاصة . وسوف تستمر دورة العوالم  وتتكرر مرات ومرات للأبد . ليس مهما أن تؤمن بنظرية العودة الأبدية ، المهم كما يقول نيتشه ، هو كيف تشعر إذا كانت هذه النظرية صحيحة وما هو موقفك من الأبدية  إذا كنت ستعيش نفس الحياة والإيقاعات مرات ومرات في كل حياة تالية . وفي حال كنت على ما يرام  فمن المحتمل جدا أنك لا تهتم كثيرا بمشكلة معنى الحياة لأنك سعيد وليس لديك مشكلة إن عشت حياة أخرى تتشابه بتفاصيلها وتتكرر مرات ومرات . ولكن إذا كانت فكرة الحياة الأبدية لديك مثل الكابوس ، يفترض ذلك أنه لديك قضايا خطرة في فهم معنى الحياة كما تفعل الآن .

 

ليس الفلاسفة من يهتم فقط بالأسئلة عن معنى الحياة فالدراسات النفسية تخبرنا أن  منسوب السعادة ينخفض في العشرين  ثم يعود إلينا في الخمسين . وهذه الفترة من الصراع الشخصي طويلة  بالنسبة لنا ، ولذلك فإن صناعة مساعدة الذات انطلقت نحو تحديد مشكلاتنا والتعرف عليها . ويتخصص كثير الدراسات في الاهتمام بقضايا محددة مثل قضايا العلاقات  أو الإدمان على الكحول  في حين يختص الأخر بموضوعات أكثر عمومية في الطبيعة . عندما نتعرض لأزمات منتصف العمر أو الأزمات ” الروحية ” على سبيل المثال نسأل أنفسنا أسئلة كبيرة تتعلق بغاية الوجود وما أنجزتاه من أعمال. والأسئلة والمناقشات الفلسفية لا تتناقض مع العلاج الذي يقدمه الدعم الذاتي . فالجزء الرئيسي من الإسهامات الفلسفية يرتكز على لغز الحياة المحير نفسه . وهذه بحد ذاتها مشكلة عابرة للزمن تلامس جوهر الوجود الإنساني . ما الذي سبب المشكلة وما هي الحلول المعيارية  المعقولة لها ؟

 

في هذا الفصل  سوف نبحث في أكثر المشكلات شهرة  وسوف ندرس الحلول المقترحة لها فيما يخص معنى الحياة  الذي جذب الفلاسفة على مدى ألف عام . تأتي الحلول من التقاليد القديمة المتدينة وغير المتدينة . وحتى نصل إلى الصورة الكلية لمقاربات معنى الحياة ، نحتاج أن ننغمس بتفاصيل بعض التقاليد وأساليب الحياة الدقيقة التي عشت بها . لكن أفضل ما يمكن فعله  هو دراسة الأفكار السائدة لهذه التقاليد مع دراسة بعض النقد الموجه لها . ولن يتطرق النقد الذي سندرسه لمراجعة هذه التقاليد أو الدفاع عنها  لكنه سيركز على المساعدة في تعريف الحدود والأفاق أكثر من إنكارها ورفضها .

 

علل الحياة المزمنة :

 

وحيث أننا مشغولون بمشاكلنا الخاصة ، ليس من السهل بالنسبة لنا أن ننسى أنه على مدى مئة ألف عام خلت ، عاش على هذا الكوكب أناس مثلنا تماما ومن دون أدنى شك كانوا يتصارعون مع أفكار وقضايا حول السعادة  والرضا . وليس أمرا غريبا أن الإنسان ، فور اختراعه الكتابة ، بدأ  بتدوين معاركه لاكتشاف معنى الحياة . وحكاياتهم لا تذكر حرفيا  عبارات مثل : ” اليوم كان سيئا جدا ” لكن الكتاب جسدوا رؤاهم من خلال الروايات الأسطورية التي كانت أهم جنس للكتابة في ذلك الزمان . هناك أربعة مناقشات قديمة  لها مكانة خاصة بسبب رؤيتها وتأثيرها  ، يصف كل منها  عقبة تقف في طريق الحصول على المعنى الكامل للحياة :

 

جلجامش والموت

 

أقدم قصص العالم التي ماتزال على قيد الحياة هي ملحمة جلجامش، والتي كتبت قبل أربعة آلاف عام  خلت في وادي الرافدين . كان جلجامش ملكا شجاعا معروفا ببطولته  شهد وفاة صديقه المقرب  فشعر بالضيق من ذلك لأنه هو نفسه سيموت في يوم من الأيام . وفكر في إيجاد دواء للموت فانطلق في رحلة لاكتشاف هذا الدواء. حاول كل شخص صادفه في رحلته من بشر أو حيوانات أن يثنيه عن متابعة خطته لكنه أصر على الاستمرار بها دائما . ثم صادف رجلا شهيرا اسمه  اوتنابشتيم الذي كان قد حقق الخلود لنفسه . كان اوتنابشتيمهو نوح وادي الرافدين الذي عاش الطوفان العظيم وقد حذره الله من الطوفان القادم  ، فبنى اوتنابشتيم سفينة  لينقذ نفسه  وعائلته ومنحه الله الخلود مكافأة على جهوده . صُدم جلجامش عندما وقعت عيناه  على اوتنابشتيم الخالد وهو يتابع حياته. كان الرجل عاجزا لدرجة أنه لايقوى على الحركة .

 

طلب جلجامش النصيحة وقدم له اوتنابشتيم اقتراحه قائلا : يستطيع جلجامش أن يقهر الموت بالبقاء ساهرا  لا ينام سبعة أيام متواصلة . قبل جلجامش التحدي لكنه لسوء الحظ نام حالما جلس. وعندما استيقظ حضّر نفسه للعودة إلى بلاده خائبا . في هذه الأثناء شجعت زوجة اوتنابشتيم  الرجل العجوز أن يخبره بالدواء السري للموت . فقال له هناك في قعر المحيط نبات شوكي يمنح من يأكله الشباب الدائم .

 

هرع جلجامش إلى المحيط ثم ربط قدميه بالصخور وقفز إلى أعماق المحيط . ثم أمسك بالنبات الشوكي وفك الصخور من قدميه وطاف إلى السطح. ثم انطلق في رحلة العودة فرحا والنبات بين يديه وعندما اقترب من موطنه توقف ليستحم في جدول ماء فوضع النبات على ضفة النهر وأثناء الاستحمام تسللت أفعى عجوز إلى النبات والتهمته وصارت شابة على الفور ثم هربت . وتلاشت فرصة جلجامش الوحيدة في الحصول على الخلود . وصل إلى موطنه في حالة إحباط شديدة ورغم محاولات أصدقائه الكثيرة في إسعاده بقي حزينا.

 

نتعلم من القصة درسين أخلاقيين . الدرس الأول الواضح هو أننا مهما حاولنا أننعيش بقوة للأبد ،  هناك حقيقة لا يمكن تجاوزها أبدا وهي أننا سنموت . وعندما تتاح لنا الفرصة في الاختيار ، يختار جميع الناس بشكل افتراضي عفوي القفز إلى عالم الخلود ، والحقيقة أننا يجب ألا نصنع سحابة سوداء تخيم فوق معنى الحياة . أما الدرس الثاني الأكثر أهمية فهو أننا لا نتقبل الموت بسهولة ، ونحاول أن نقوم بأشياء مجنونة لتفاديه .

 

ورغم أن ملحمة جلجامش أسطورة  ، يلعب الناس الدرس الثاني آلاف المرات في العالم الحقيقي. في الصين القديمة ، حاول الكثير من المؤمنين المتدينين  تكريس حياتهم لقهر الموت  من خلال تقنيات غريبة ، كانت إحداها شرب محلول كيماوي يُعتقد أنه يوازن القوى داخل الجسد الإنساني ، وبالتالي يعيق عملية الموت . ومن السخرية أن هؤلاء المؤمنين سمموا أنفسهم  وماتوا في هذه التجارب. وهناك تقنية ثانية  تضمنت حبس النفس لأطول فترة ممكنة . وفي نهاية المطاف لا يحتاج المؤمن أن يتنفس مطلقا وبالتالي يدخل عالم الخلود . اليوم ، هناك الكثير من المؤسسات التي كرست نفسها لتحقيق الخلود الفيزيائي. بعضها يوصي بتناول 250 متمم غذائي في اليوم والبعض الآخر يأمل أن يحقق تقدما بيولوجيا خارقا في تأخير الموت الطبيعي للخلايا الإنسانية . وهناك آخرون يأملون أن تصبح عقولنا رقمية وبالتالي يمكن أخذ نسخ حاسوبية ونقلها إلى عمليات العقول الحالية .

كيف يمكن أن ننظر إلى هذه الجهود لتجنب الموت ؟ نجد لدى مارتن هيدجر(1889-1976)  أحدى النقاشات الفلسفية المهمة حول الموت . وفقا لهيدجر ، الموت ليس حادثة تحدث لي  لأنه يتضمن توقف جميع التجارب الممكنة التي قمت بها . ومن المستحيل أن أجرب موتي . لذلك وبدل أن نفكر في الموت كحلقة  تحدث في نهاية حياتنا ، علينا أن ننظر إليه كجزء أساسي مما نحن عليه اليوم وخلال أية لحظة من حياتنا المستقبلية . ننتظر الموت باستمرار وحتى عندما نشعر بالصحة  لأنه جزء أساسي من حياتنا وقد نكون مرضى على حافة الموت .  يكتب هيدجر : ” الموت شيء يقف أمامنا . شيء وشيك الحدوث .” ثم يتابع قائلا : ” نحن سائرون نحو الموت ” إنه يشبه لعبة  مثل كرة القدم  ، محتمل في أية لحظة . وهناك دائما فكرة أن الوقت ينفد بسرعة  .

يقول هيدجر ولذلك عندما أتجاهل  حركتي المستمرة تجاه الموت  أو أقاوم كما فعل جلجامش  أكون فقط  أخدع نفسي وأعيش في عالم غير العالم الحقيقي أعتقد بوجوده وهو غير موجود. وعلى النقيض من ذلك ، إن الفهم الدقيق والمناسب للموت يحدد القواعد الأساسية للعبة الحياة  ويعطي الحياة شكلها ومعناها . ويقترح هيدجر قائلا : يمكنني باستمرار أن أفكر في طريق الموت الذي يساعدني في قبول فنائي . لكن جسدي مصمم ليموت بينما عقلي يفكر في الخلود يكون أمامي هامش بسيط لمقاومة هذا الشعور.

أحد الأسباب  وهو الغريزة الطبيعية للحياة التي تجبرني على مقاومة الموت مهما كلف الأمر وهذا الشيء أشاطره مع كل المخلوقات في عالم الحيوان . وهناك سبب آخر هو لا أتخيل من الناحية النفسية وجود مستقبل من دون أن أكون جزءا منه . وحتى عندما أصور العالم منذ آلاف السنين  أتخيل وجود نفسي كمراقب لكل الأحداث التي أتصورها وأتخيلها . ومقاومة الموت إن رغبت أم لم ترغب فكرة موروثة معنا منذ فجر التاريخ . إن موقفي الطبيعي الإنساني من الموت  يفترض أنني خالد وفي ذات الوقت يمتلكني الرعب الشديد عندما أنظر إلى جسدي في المرآة  وأراه يتفكك أمام ناظري . لذلك نقول إن الرغبة في الخلود واليأس المرافق لها  ، وفق تجربة جلجامش ، هي ببساطة جزء من الحياة .

 

 

 

سيزيف وعبثية الحياة

 

في الأوديسة لهوميروس يتوقف البطل أوديسيوس في هيدز ، المكان الذي يستوطنه الموتى ،  ليتحدث مع أصدقائه المتوفين . وأثناء وجوده هناك،  يرى أناسا أسطوريين  عُوقبوا لشرور ارتكبوها وهم أحياء  . هناك صديق له شٌدّ جسده على مساحة تسعةهكتارات من الأرض يستلقي عاجزا بينما يأكل كبده نسران ، وهو يصيح فيهما أن يبتعدا لكنهما يعودان إليه. وهناك صديق آخر يكاد يجف من العطش لكنه لا ينجح في الوصول للماء، يغوص في بحيرة من الماء حتى مستوى ذقنه وفي كل مرة ينحني فيها ليشرب يجف الماء تاركا الطين والوحل. يرى فوقه أشجار الفاكهة النضرة ، وحالما يحاول الوصل إليها  تهب الريح مبعدة الأغصان إلى الغيوم.

 

ثم يأتي سيزيف الملك المخادع الذي يغش إله الموت ويبقى على قيد الحياة مدة أطول مما يجب. ثم يموت في النهاية ويذهب إلى هيدز . لكن العقوبة التي يتلقاها بسبب خداعه لم تكن سارة. ويوما بعد يوم ، يدفع صخرة كبيرة إلى أعلى التل،  لكنه يبدأ بفقدان طاقته كلما اقترب من الأعلى فيتركها تتدحرج عليه . يصف هوميروس المشهد قائلا :

 

رأيت سيزيف يبذل جهودا مضنية يرفع الصخرة العملاقة بكلتا يديه .  حاول بيديه وقدميه دحرجة الصخرة لأعلى التل لكن وقبل أن يدحرجها من جانب إلى آخر وحيث أن وزنها أكبر مما يحتمل ومن دون أدنى رأفة تدحرجت الصخرة هادرة كالرعد مرة ثانية  ليعود ليرفعها إلى أعلى والعرق يتصبب منه والبخار يتصاعد من رأسه . ( الأوديسة ، الكتاب 11)

 

تصف هذه المشاهد الثلاثة من هيدز الناس مجبرين على تنفيذ واجبات عبثية وأشغال شاقة : النسور التي تنقر ، والانحناء نحو الماء ليشرب ورفع الصخرة . إنها صورة سيزيف رغم أنه استخدم رمز الفراغ  والعبثية في حياة الإنسان .

 

يشبه قدر سيزيف المحتوم ببرود وظائف خطوط التجميع التي يواجهها العمال في كل أنحاء العالم . تعمل (جل) في مجمع تصنيع آلات جز العشب في الحدائق؛ ينصب عملها على تركيب الشفرات على المحركات .

 

لديها حوالي ستين ثانية لترتيب القطع ووصلها مع بعضها . وحالما تركب إحداها تكر السبحة . وحتى يتم تقليل الرتابة إلى أدنى حد يقوم المعمل بنقل مكان (جل) والعاملين الآخرين من محطة إلى أخرى ولكن في كل مرة يعود الروتين إلى العمل . تحب جل زملاء العمل ولا تشتكي من رئيسها . ورغم ذلك وفي نهاية اليوم تشعر وكأنها تدفع صخرة كبيرة إلى أعلى التل. ولا يأتي الإحساس بالعبثية المملة فقط  لعمال خطوط التجميع ؛ لكنه يأتي للمحاسبين والمعلمين والأطباء والعمال المهرة الذين يواجهون الحياة باكرا . تشير الدراسات أن 70 % من العمال لا يحبون أعمالهم ويكرهونها ويعود سبب ذلك إلى الروتين الممل القاتل. والأشياء التي نقوم بها في أوقات الفراغ هي تعويض عن الملل الذي نجده في أعمالنا. يُصرف جزء كبير من أعمالنا اليومية على إيقاع الأعمال المنزلية الرتيبة  والتنظيف والقيادة من البيت وإليه والتسوق والصحة الشخصية ،  وعاماً  بعد عام ،  يصبح هذا النشاط  عبثيا مثل تجميع شفرات آلة جز العشب في الحدائق.

 

يعتقد المفكر الفرنسي ألبير كامو ( 1913-1960 ) أن حكاية سيزيف تحمل في طياتها رسالة رمزية . صحيح أن الكثير من واجبات الإنسان الحياتية المحددة تبدو عبثية  إلا أن الشيء الأكثر إحباطا في حياتنا هو حجم الجهود التي نبذلها وتذهب هباء .  يسمي كامو هذه الحالة ” عبثية الحياة ” . ثم يتابع قائلا : لا يمكن فصل الحياة الإنسانية  وفهمها من قبل العقل الإنساني بنفس الطريقة التي قد ينجح فيها العلماء في تحليل وفهم التفاعلات الكيميائية . نحن نكافح من أجل السعادة  ، ولكن بدل ذلك نقع في فخ الحياةالمليءبالجهود العبثية . وكلما  حاولنا أن نجعل لها قيمة ومعنى ونحل مشكلاتها نقف عاجزين . حقيقة الأشياء المنطقية لا توازي تفاؤل طموحاتنا . وهذه المشكلة سيئة جدا لدرجة أنها قد تدفع الإنسان للانتحار . يمثل سيزيف الصراع الغامر الذي يحاول كل فرد منا الفوز فيه ليجد أن الحياة عبثية . لكن كامو لا يرضى بالاستسلام لليأس . ويوصي أن نثور ضد عبثية الحياة  الواضحة وأن نقبل الشروط مهما كانت محدودة وسنجد السعادة بذلك . كان على سيزيف أن يحب دفع الصخرة نحو الجبل لأن قيمة الأشياء في الجهد الذي نقدمه لا بما ننجزه . يقول كامو :         ” يكفي الصراع للوصول للقمة  لملء  قلب الإنسان بالرضا . علينا أن نتخيل سيزيف سعيد ا.” لذلك وحيث أنني لا أستطيع أن أفسر بعقلانية السر الكامن خلف حياتي .، عليّ أن  أرحب بالحياة المملة التي أعيشها وعلي أن أخلق معنى لحياتي من خلال نظرتي الايجابية للحياة .

 

ولكن هل هذه مقترحات سهلة التحقيق مثل كلامه ؟ تلك هي المسألة . ورغم قوة إرادتنا الشديدة ، أيمكننا أن نجعل أنفسنا سعداء رغم عبثية الحياة ؟ هذه المشكلة قد تكون عصية على الحل تماما كما حدث لحافظ حديقة الحيوانات عندما اكتشف من الخبرة أن الغوريلا  تعاني من خلل عقلي . لأنها ولعدة عقود حُبست في أماكن مغلقة ضمن روتين يومي محدد وبرنامج غذائي محدد ورغم تأمين حاجاتها اليومية شعرت الغوريلا بالملل والإحباط .  اكتشف علماء حدائق الحيوان  أن الغوريلا تحتاج لأعمال معقدة فيها شيء من التحدي للمحافظة على حالتها العقلية سليمة معافاة . ثم بدأ المهتمون بتغيير روتين الغوريلا بشكل منتظم  عن طريق تأمين معدات تسلق مختلفة  وبعثرة طعامها في حجراتها المغلقة لتبحث عنها .

 

وعندما تم تغيير  بيئة الغوريلا بالطريقة الصحيحة صارت أكثر سعادة . وإذا طبقنا  نفس الدرس للحصول على السعادة الإنسانية ، علينا أن نبحث عن أنواع من التحديات التي تشعل اهتماماتنا طوال النهار. قد نحتاج لأيام عمل أقصر وأكثر تنوعا، وقد نحتاج الاشتراك المباشر في زراعة وتحضير الطعام  ، وقد نحتاج لفرصة سانحة لاستكشاف المحيط من خلال السفر،  وقد نحتاج كسر قوقعة الواجبات المدنية المزدحمة . وفي النهاية قد نكتشف أن الإنسان  صمم ليرضى بالعيش ضمن مجموعات قبلية صغيرة تضم جامعي وصيادي الأشياء البرية – وهو النشاط الذي مارسه الجنس البشري منذ فجر التكوين . قد تكون الحياة الصناعية الحديثة كافأتنا بالإحساس بالعبثية  ، وبالنسبة لنا يبدو أن هذا الظرف العبثي موروث وليس له حل جذري حقيقي ؛ تماما مثل سيزيف ، كلنا نرفع الصخرة إلى أعلى التل بلا هدف.

 

بوثيوس والتهميش الكوني

 

في الفيلم الكوميدي ( معنى الحياة  في فكر مونتي بيثون ) ، يخرج رجل من الثلاجة ويحاول أن يطيب خاطر امرأة يائسة  من قيمتها في الحياة . ثم يبدأ بأغنية تحكي عن المجرة الواسعة التي تحتوي مليار نجم على مسافة مئة ألف سنة ضوئية  تسبح بجانب بعضها. ثم يشرح بأن درب التبانة نفسه  هو فقط مئات المليارات من المجرات في هذا الكون الممتد . ثم يختم قائلا :

 

لذلك تذكري عندما تشعرين كم أنت صغيرة  جدا وغير آمنة

كم كان مولدك المذهل غير مرغوب فيه

واشكري الله أن هناك حياة ذكية هناك عاليا في هذا الكون

لأن التافهون احتلوا الأرض

 

ثم يتسلق الرجل الثلاجة ويدخل فيها ثم يغلق الباب خلفه  . المضحك أن نصيحة رجل الثلاجة تزيد من يأس المرأة أكثر مما تخففه . لذلك إذا كنت تريد أن تشعر بأهميتك في الحياة ، فإن أفضل ما تعمله هو تجنب التفكير بنفسك كنقطة وحيدة في هذا الكون الفسيح . ورغم ذلك ، هناك الآلاف من الناس الذين يتألمون بسبب إحساسهم بعدم أهميتهم  في هذا الكون الواسع . وقد استطاع الناس في الأزمنة الغابرة رؤية النجوم بدون مساعدة التلسكوبات الفلكية الحديثة التي ترى المجرات البعيدة  وأدركوا صغرهم في هذا العالم الكبير . هناك تسجيل لهذه الحالة في كتاب المزامير في العهد القديم :” إذا أرى سماواتك عمل أصابعك، القمر والنجوم التي كونتها  . فمن هو الإنسان حتى تذكره ؟ وابن آدم حتى تفتقده ؟ “( المزمور 8 الفقرة 3-4)

 

ويجدر بنا أن نذكر إحدى القصص القديمة  المحزنة التي تتكلم عن التهميش الكوني وهي قصة الفيلسوف الروماني بوثيوس ( 480-525)  قبل الميلاد . حكايته الشخصية محزنة . فقد صار دبلوماسيا هاما في الإمبراطورية الرومانية كونه ينتمي لعائلة ثرية وقاد سوء الفهم السياسي لانقلاب الإمبراطور عليه عندما كان في الخامسة والثلاثين من العمر  وحكم عليه بالإعدام بتهمة الخيانة .وأثناء انتظار تنفيذ الحكم وهو في السجن تأمل الأشياء التي سيفقدها في الحياة بسبب هذا الظلم . ووسط هذه الحالة المؤلمة ألـّف عمله الهام ” عزاء الفلسفة ” . يتألف الكتاب من حوار  بينه وبين شخصية خيالية يسميها  “السيدة  فلسفة ” التي تريحه وتخفف عنه بكلماتها المليئة بالحكمة خلال أيامه الأخيرة . يخبرها بوثيوس أن مشكلته هو أنه يربط نفسه بأشياء أرضية وخاصة الشهرة الأدبية التي ستساعده في تأمل مكانه المرتجى في الكون .

ثم يشرح لها أن الكرة الأرضية ما هي إلا ذرة صغيرة مقارنه بالسماء وأن قسما كبيرا من هذه الأرض غير قابل للسكن ، وأن المجتمعات الإنسانية موزعة في أماكن بعيدة ونائية . ثم يتابع ليس الكون الفسيح فقط هو ما يقزّم الانجازات الإنسانية بل الزمن الكوني أيضا . وحتى بوثيوس الذي اكتسب شهرة مؤقتة لابأس بها خلال حياته سيكون بكل تأكيد لا شيء عند مقارنته بأبدية الزمن والحياة .

 

الدرس الذي نتعلمه من السيدة فلسفة  هو أن كل إنسان منا معزول داخل فضاء لا حدود له وزمن في هذا الكون  ، مثل بوثيوس تماما ، لكنه يأمل أن يصنع تأثيرا مستمرا له معناه في الوجود. وبالنسبة لبوثيوس الذي يقترب من الموت ، قد يكون ذلك عزاء ضئيلا له . لذلك ماذا لو عرفت أنك على وشك الموت : في إطار الخطة الكبرى للأشياء التي لا تعتبرها حياتك ذات قيمة . لكن بالنسبة لمعظمنا الذي لا يواجه الموت فورا ولديه آمال وأحلام طبيعية  ستكون الحقيقة المتوحشة للتهميش الكوني محبطة . لماذا أتعب وأكد وأكدح لعمل شيء ما إذا كنت أنا شيئا تافها ليس له قيمة في هذه المنظومة الكونية غير المحدودة ؟

 

الفيلسوف الفرنسي المعاصر بول ريكوار ( 1913-2005) عرض حلا لمشكلة التهميش الكوني. يقول : ” وفق المعيار الكوني حياتنا هامشية ورغم ذلك وخلال الفترة القصيرة التي نعيشها في العالم تظهر أسئلة كثيرة لها معناها .”  نعم . عظمة الكون لا تجعل جهود حياتنا هامشية عندما نقارنها به لكننا نجد معان داخل التفاصيل الدقيقة لحياتنا من خلال صناعة التاريخ . وهذا يعني أنني لا أستطيع أن أدرك أهميتي الشخصية في إطار زمن كوني لا أدركه وإنما قد أجد بصمتي في التاريخ الأمريكي  على سبيل المثال وفي تاريخ عائلتي .  أعلم كيف تأسس هذا البلد وكيف أتى أجدادي إلى هنا وماذا فعل والدي و أجدادي خلال حياتهم وكيف ساهم كل ذلك في تكوين حياتي . لذلك نحن نخترع الرواية التاريخية للماضي الإنساني الذي هو أضخم بكثير  من ذواتنا الشخصية رغم أنه أصغر بكثير وأكثر قابلية  للإدارة والتحكم من الاتساع والزمن الكونيين . يقصد ريكوار أن يقول: ” الزمن التاريخي مثل الجسر فوق هوة كبيرة تفصل الزمن الكوني عن الزمن الذي نعيشه.”

 

هل يستطيع بول ريكوار أن يحل مشكلة التهميش الكوني بنجاح ؟  من دون شك،  إن معرفة التاريخ لا تساعدني  في توضيح من أكون وكيف أتفاعل مع العالم المحيط بي.

عندما أفكر في مكانتي في تاريخ الإنسانية ، لا أشعر أنني معزول كباخرة جنحت في هذا المحيط الكوني الذي لا يمكن قياسه. وهذا يصرف انتباهي مؤقتا عن الإحساس بالتهميش الكوني رغم أنه لا يغير حقيقة في اتساع الكون . عندما أفكر في التاريخ الإنساني ، أشعر وكأنني في بيتي لكن عندما أحدق في النجوم أشعر أن كل التاريخ الإنساني ما هو إلا ذرة صغيرة مقارنة بها لأن التراث الإنساني كله محصور في بقعة صغيرة وخلال فترة زمنية لا متناهيتين في الصغر. حاول أن تركز معي على التاريخ الإنساني  ، فالنجوم تعود للظهور كل ليلة لتذكرنا  بمكاننا الصغير في هذا الكون الواسع ليعود إلينا الإحساس بالتهميش الكوني .

 

أيوب والألم

 

تكشف قصة أيوب التي وردت في العهد القديم تحد آخر لمعنى الحياة . لم يكن أيوب مسكونا بالموت مثل جلجامش ولم تحبطه عبثية الحياة مثل سيزيف ولم تجتاحه فكرة التهميش مثل بوثيوس. في الحقيقة ، تروي القصة أنه كان سعيدا . كان أيوب رجلا ثريا أخلاقيا وعصريا وكان له عائلة محبة . كان يمتلك قطعانا كبيرة من الماشية والفدادين والجمال والحمير. ثم بدأ كل شيء يتغير نحو الأسوأ . سُرقت حيواناته  واحترق خدمه بنار أتت من السماء والأسوأ من ذلك كله هو أن أطفاله قتلوا في إعصار. وأصيب أيوب نفسه بالجدري وكان يحكه بقطعة من آنية الفخار.وفي معرض الحزن الشديد مزق ثيابه وحلق رأسه. زاره ثلاثة من أصدقائه فلم يتعرفوا عليه لأنه تغير كثيرا بسبب المرض. جلس الأصدقاء بجانبه لمدة أسبوع من دون كلام . وليكسر الصمت البغيض قال أيوب : ” أتمنى لو ولدت ميتا .” لم يكن بمقدوره أن يفهم لماذا فعل الإله به هكذا. ثم اتهم الله بأنه يعذبه. وحاول الأصدقاء تفسير دور الإله في مصائبه. قال أحدهم إن الناس يتألمون عندما ينسون الله ولابد أن أيوب ترك عبادة الله في مرحلة من حياته. وقال آخر إن الناس يتألمون عندما يرتكبون إساءات أخلاقية ولا أحد يعرف الأشياء التي يراها الله شريرة ، ورغم احتجاجات أيوب بأنه أخلاقيا ليس مذنبا ، لابد أنه ارتكب إساءة ما ليست واضحة حاليا. ورغم ذلك أصر أيوب أنه لم يرتكب معصية .

 

وفي النهاية يظهر الله في عاصفة يتلو الأمر مباشرة : الله عظيم بقوته  ، وأيوب مهمش نظريا ولا يحق له الاحتجاج. المشكلة هنا التي نراها في قصة أيوب هي كيف يمكن أن نفسر الألم الإنساني.  جميع أنواع الألم سيئة بشكل متأصل وهو نوع من البؤس الموصوف الذي يلقي بظلاله الخطيرة على معنى الحياة . تخيل أنك تلتقط مطرقة وتهوي بها عمدا على قدميك . إن تفسير ألمي واضح للعيان وليس فيه لغز أخلاقي يجب أن أفسره وليس هناك من يقع عليه اللوم إلا ذاتي . وهذه قاعدة من قواعد الحياة التي أفهمها وأتقبلها بغض النظر عن الحالة البائسة التي أضع بها نفسي. وهذا النوع من الألم لا يفرض تهديدا حقيقيا لمعنى الحياة . وربما قد لا يكون سيئا إذا رميت المطرقة قصدا على قدمي طالما أنك ستحبس وتعاقب  بسبب اعتدائك . وحتى لو تألمت يمكنني أن أعزي نفسي  بأن العدالة قد أخذت مجراها وأنت تلقيت العقاب بسبب مسؤوليتك عن ألمي .

 

لذلك ، وحتى الألم غير المبرر الذي يشبه هذا الألم لن يجعل حياتي بلا معنى والمشكلة الحقيقية هي أن الألم يحدث من دون استفزاز مسبق وغير قابل للحل وهذا تماما ما واجهه  أيوب . وقد كان أيوب مقتنعا  أنه لم يفعل ما يستحق العقاب رغم اتهامات أصدقائه ، ومن وجهة نظره كان كل شيء من دون استفزاز مسبق وفي نفس الوقت غير قابل للحل خاصة عندما سُرق قطيع الماشية من قبل الأشرار وهربوا بعيدا .

 

ولو كانوا قد اعتقلوا وأجبروا على التعويض لأيوب عن خسائره ، ربما تقبل أيوب  الوضع وتابع حياته. لم يكن أيوب محظوظا . فعندما قـُتل أطفاله لم يكن بإمكانه استبدال عائلته القديمة بعائلة جديدة . ولم يتلق أي تعويض  يوازي المصائب والأمراض التي حلت به . ثم يُترك أيوب لوحده يتساءل عن سبب حدوث هذه المصائب غير المبررة والتي لاحل لها . هناك خاصية في الطبيعة الإنسانية وهي البحث عن الأسباب المجهولة للأشياء وحل لغزها . فعندما تصيبنا مصيبة   من دون ارتكابنا لخطيئة ما  نميل للبحث عن  الأسباب ، وأكثر أهمية من ذلك هو أننا نلقي اللوم على الأسباب عندما نكتشفها . وهذا هو سبب انتشار الدعاوي القضائية . فإذا اصطدمت بجدار الطريق المعدني ، سيكون السبب هو البلدية التي وضعته في المكان غير المناسب، فأقاضيها . وإذا سقطت من أعلى السلم سيكون السبب الشركة التي صنعت السلم  لأنها لم تلفت نظري إلى الأخطار المحتملة  فأقاضيها  أيضا .

 

وإذا سنحت الفرصة لأيوب ، ربما كان سيقاضي الشرطة لأنها لم تمسك اللصوص أو المحطة الوطنية  للأرصاد الجوية لأنها لم تحذره بالإعصار . ولكن اتهاماتنا هي الأكثر جنونا ومهما وجدنا الراحة في إيجاد الأجوبة لها  ستدرك رؤوسنا الحقائق بجلاء  لكننا نبقى نتساءل لماذا حدثت لنا تلك المآسي.  وعندما نفشل في محاولاتنا في إلقاء اللوم على الأسباب البشرية والإنسانية لبؤسنا ، يلجأ الكثير من الناس كما فعل أيوب لإلقاء اللوم على الأسباب السماوية الإلهية . لأن الله العلي العظيم هو من يحميني من كل ألم غير مبرر وعندما لا يفعل ذلك  ألومه. وحسب كلمات أيوب الله هو من عذبه . تنتهي قصة أيوب بحل فريد . فهو يشهد اتساع وعمق رحمة الله ويستوعب الفجوة بين الاثنين؛ التجربة التي مر بها أمام عينيه للقوة الإلهية والتي ساهمت في خضوعه وقبوله للوضع الذي هو فيه. لكن هذه النهاية نجدها في كتب الأطفال لأن معظم المؤمنين لن يمروا بالتجربة المباشرة لمعرفة عظمة الإله التي تجبرهم على القبول بها . تخيل أنك فقدت قريبا لك في إعصار ولمت الله على ذلك . وأنا أقول لك  وأنا وأبذل جهدا لأواسيك : ” أعرف أن المصاب أليم  لكن لا تيأس . الله واسع برحمته  وأنت لست مهمشا. هذا هو الدرس الذي نتعلمه من أيوب. “وهذا التفسير يضايقك أكثر مما يواسيك . يحاول في جوهره  أن يحل مشكلة ألم أيوب عن طريق جذب الانتباه إلى مشكلة التهميش الكوني وهذا ليس حلا فعالا. نمر في مجريات حياتنا بالكثير من مآسي غير مبررة وغير قابلة للحل مثل فقدان ملكية  أو موت الأحبة  أو الأمراض الخطيرة . ونحن نقدر يأس أيوب وقنوطه عندما لا يجد تفسيرا مرضيا لما يحدث .

 

المصدر:

The meaning of Life

From Great Issues in Philosophy, by James Fieser

Home: www.utm.edu/staff/jfieser/120

Copyright 2008, updated 5/1/2016

الحواشي :

 

جيمس فيزر : أستاذ الفلسفة في جامعة تينسي في مدينة مارتن . درس في جامعة بيرا وحصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة بيرديو . مؤسس موسوعة الفلسفة على الانترنت . له الكثير من المؤلفات الفلسفية  والكتب الجامعية  نذكر منها:

 

محمد عبد الكريم يوسف (1965-) مواليد قرفيص/ سورية . مدرب ومترجم وأكاديمي و محاضر في الجامعات السورية   / رئيس قسم الترجمة سابقا في الشركة السورية لنقل النفط / رئيس دائرة العقود والمشتريات الخارجية سابقا في الشركة السورية لنقل النفط / حاليا رئيس دائرة التنمية الإدارية في الشركة السورية لنقل النفط.  كاتب في العديد من الصحف العربية والأمريكية . مؤلف ” معجم مصطلحات وقوانين الشحن البري البحري الجوي” وكتاب ” الصياغة القانونية للعقود التجارية في القطاع العام والخاص والمشترك باللغتين العربية والانكليزية  ” .

 

 

المراجع

 

Gilgamesh. A recent translation is by Stephen Mitchell, Gilgamesh: A New English Version (New York: Free Press, 2004)

Heidegger, Martin, Being and Time (1927). A standard translation is by John MacQuarrie and Edward Robinson, Being and Time (New York, Harper and Row, 1962). Part II, Chapter 1 discusses his views on death.

Homer, The Odyssey. A standard translation is by Robert Fagles, The Odyssey (London: Penguin, 2001). The discussion of Sisyphus is in Book 11.

Camus, Albert, The Myth of Sisyphus and Other Essays, New York: Alfred A. Knopf, 1955.

Boethius, The Consolation of Philosophy. A recent translation is by Victor Watts (London: Penguin, 1999).

Ricoeur, Paul, “Narrated Time,” Philosophy Today, Vol. 29, 1985.

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!