هل وصل الرفاق/ بقلم الشاعر الاعلامي احمد مزيد ابو ردن

إلى أين أيهّا القادم … ؟
” كلما اتسعت الرؤيا ، ضاقت العبارة “
لم تصل بَعْدُ أيهُّا المريد !
حاولت أن تكون غيرك وأن تتأمل ما مَرّ من ثقب في الجدار ومن نافذة مطفأة في الليّل، ومن شرفة تُطلُّ على شارع قديم وقد نامت وهي ترقبُ النهار ، أو لم تقل ذلك في ” رحلة في مدائن الغبار ” ؟ 
ما قلته كان لحظة من حنين الى زمن تفلـّت من بين الأصابع مثل قبضة من ماء وحفنة من رمل تناثر مثل الأمنياتْ .
لا تدع اليأس يتسلل إلى أجفانك المغمضة ! ولا تركن الى مساءات المدينة . أو لم تعش زماناً طويلاً في المدينة ؟ وأنت تكتب أوراقك وتشرب الشـَّاي والتمباك وتنتظر الرفاق؟.
– قل لي هل وصل الرفاق ؟ ام أنهم ما يزالون في منتصف الطريق ؟ ولكن أين هي الطريق التي تفضي الى القلب ؟ 
قال شيخي وقد برقت أسنانه البيضاء المصقولة :
– يكفيك أنكّ لم تزلْ حيّاً 
ولست من الأحبّة معدما 
قلت لشيخي والحزن يعتصر القلب : 
– ولكنهم تركوني على قارعة الطريق ، أسلموني للتعب فهَربَتْ من أقدامنا الطرق! 
لم يفهموا ذلك السِرَّ الإلهَّي الذي وضعهُ الله في ذلك الفتى ، فتناثروا في فجاج الحياة، ولم يعط الفرصة ليقول لهم ما قرأ وما كتب . 
وقلت حينها : ” فلا تيأس ويدخل قلبك الضَجَرُ 
فسوف أجيءُ محمولاً 
على أكتافِ سارية 
ينامُ بصوفها المطرُ .
لقد ذهبوا أيدي سبأ ، وأخنى عليهم الذي أخنى على لبد . 
أنت مجنون بالتراث ، تمتلئ بحياوات كثيرة حين تدخلُ السراديب المضيئة لشيوخك الذين علَّموك فَنَّ القول وبكاء الأطلال والنؤي والدمَّن العوافي . 
لقد تشربت أرواحهم إمتديت من أرواحهم التي بكت سعدى وليلى وبين الدخول فحومل . 
تلمست الدروب الترابيَّة حافي القدمين لأصل الى آثار أقدامهم التي سبقتني وما زالت موجودة هناك لم تطمس آثارهم الريحُ العقيم . 
– ولكن أين في أي اتجاه هي صورة الأقدام ؟ 
– إنها هنالك خذ معك قنديلاً مضاءاً من شبابيك أميرة المطفأة ، حتما ستراهم ليس وهماً إنما في الحقيقة المطلقة ، أحمل مثل صاحبك الحكيم ديوجين مصباحاً مشتعلاً في النهار وفتش في سراديب الذاكرة عن بقاياهم عن هذا الحنين الذي لا ينقطع وأنت تجوس بين القرى ومدائن الأرض . 
هل أنا غيرُ أنا ضدّان لا يلتقيان ؟ والمعرفة هي كتاب الروح لأستطيع ان أواصل المسير ، ألقي عصاك تلقف ما يأفكون . 
– ذاك موسى الكليم أمام فرعون اللئَّيم ، وأنت عبد من عبيد الله في الكون العظيم.
– وأنا لم أفعل شيئا ، لم أرتكب إثماً لأطرد من ملكوت الرّحمة ، كُلُّ ما قمتُ به أنني تمردت على وثنية زمني المجنون ، وحاولت أن أكون حكيماً في قرية الحمقى، فظنوّا بي الخبل والجهل والغباء ، وهكذا كان وليس في اليد حيلة . 
لقد تعبت يا حضرة الشيخ المبجّل !
– لا تيأس يا بني فأنت الآن على أبواب مدينة التجربة ، هنيئاً لك لقد وصلت . 
ولكنني يا شيخي دفعت ثمناً غالياً ، ولا أقصد من الدّراهم والدّنانير ، دفعت دموعاً ساخنة أحرقت أجفاني وأنا تلفـُّني الوحدة ويسحقني الخوف من المجهول ، لقد عبرت قنطرة التجربة ولكنّ جرثومة الماضي تناسلت في خلاياي مثل كراتي الحمراء والبيضاء . 
– أنت لا خوف عليك بعد اليوم ، أنت ورّاق أكتب أنفاس تجربتك المغمَّسَة بحبر العتمة وماء العين ودماء القلب . 
قلت لشيخي الحكيم الهادئ القسمات المتأمّل : 
– سيدي الشيخ الجليل لو لم أنثرْ ما جاء عفواً على البال لما استطعت ان أكمل الطريق ، ربما سقطت هناك منذ زمن قديم !
– عُدت إلى التعمية أفصح أين هناك ؟
– هناك في البيت القديم حيث ملاعب الصَّبا اللاّهية ، وأقران الطفَّولة الصغار الذين تفرقوا شذر مذر ولم يبق لهم أثر . 
قال شيخي وهو يربت على كتفيّ بحنان ظاهر : 
– أنت هم !
– كيف أنا يا شيخي وَهُمْ هُمْ ؟
قال :
– هم ذهبوا وأنت بقيت ، لقد تركوا إرثهم وضجيجهم وحديثهم وملامحهم لك أنت وحدك لكي تعبَّرَ عنهم ، هم لن يعودوا وأنت حارس إرثهم الطفولي فأنت كما قلت لك أنت هُمْ . 
– لقد حَبَّرْتُ عنهم ذكرتهم بالاسم ولكنني أزدادُ حزناً وشجواً وألماً كُلمَّا أكتبُ عن موتهم واختفائهم ، لقد ذهبوا ولم يتركوا علامةً وراءهم تَدلُّ عليهم ، وأنا لي همومي وأحزاني الخاصة ولا استطيع أن أحيط بذاكرتهم وتجاربهم ومشاعرهم وما يكرهون وما يحُّبون ، أنا لا احتمل هذا الإرث الثقيل . 
– هم لا يعرفون الكتابة ولا يتلمَّسونَ القراءة ، وأنت حارس الكلمات الذي يكتب ويحرس الأحياء مثلما حارس المقبرة الذي يحرس رفات الأموات .
دعهم مداداً لا ينضب لكلماتك ، فهم البئر القديمة التي تمتح منها هذا الاشتعال ، وهذا السِرُّ المنوط بك لتكمل رحلة التعب والمنفى واغتراب الروح .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!