في الحمّام.د. ريمان عاشور

خاص : صحيفة آفاق حرة
____________________

ظننتُ بداية الأمر أنني الوحيدة والاستثنائية التي تقيم علاقة مع الحمَّام تخرج عن طبيعة العلاقة الأساسية التي نمارس فيها فعلنا في الحمَّام- على الأغلب أثناء الاستحمام-
إلى أنني وقعتُ على اعتراف صريحٍ من ذاك الأديب المبدع والناقد الحصيف: محمد فتحي المقداد في كتابه: أقوال غير مأثورة/ ليبيا/ اجدابيا/ ٢٠٠٢
يقول فيه: “كلما أردتُ أن أفكِّر أعتكف في الحمَّام”..

فوقفتُ مبتسمة عند قوله ابتسامة من وجد ضالته الخجولة التي كان يعدُّها سرًّا من أسراره يخجله البوح بها إلا أمام المقربين منه..

وحين أسررتُ إلى صديقتي المقرَّبة بأنَّ معظم الشرارات الأولى التي تشعل لهيب نصوصي الأدبية أو النقدية مأواها الأول كان الحمَّام ..
أخبرتني مسرعةً : أنا كذلك مثلك.. أفكِّر مليًّا وأيامًا طوالًا لإيجاد حلٍّ لمعضلةٍ ما .. ولا أفيق لنفسي إلا وقد قُدِّم لي الحل على طبقٍ من ذهب أثناء وجودي في الحمّام..
وسألتُ جدران الحمَّام: أيُعقلُ أنَّك تضمُّ بين حناياك مخلوقات من عوالم أخرى تهمس في أذن بعضنا أثناء وجودنا في الحمَّام!!
لم تجبني!!
ساد الصمت..

ثمَّ وقفتُ طويلًا أمام هذه الظاهرة أتأمَّل سرًّا إلهيًّا خجولًا يختبىء بين الجفن والبؤبؤ .. يمرِّرُ صورًا مدهشةً أمامنا حين نُسدل جفنينا وننعم بلحظات من العزلة بعيدًا عن ضجيج من يغتالون أفكارنا التي تهرع هربًا منهم كلما اقتربوا كثيرًا منَّا..

سرعان ما تترجم تلك المشاهد إلى كلمات تستجرُّ جُملًا وفواصل وعلامات تعجب ثمَّ نقطة في نهاية السطر معلنةً عن ولادة نصٍّ جديد..
______________________
اسطنبول/١٨- ٥ من عام الجائحة..

عن هشام شمسان

هشام سعيد شمسان أديب وكاتب يمني مهتم بالنقد الثقافي والأدبي ، ويكتب القصة القصيرة والشعر . له عددمن المؤلفات النقدية والسردية والشعرية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!