المفتاح. قصة قصيرة. بقلم الطفلة رنيم علي الزعبي

لصحيفة آفاق حرة:

 

المفتاح

القاصة الطفلة: رنيم علي الزعبي. سوريا. مقيمة في تركيا.

 

حنين أبو مفتاح … قالت المعلمة وانهالت ضحكات الطلاب مدوية فاللقب ( أبو مفتاح) كان مدعاة لضحكهم بينما نظرت إليهم حنين نظرة لوم وعتب وضعت يدي على كتفها وقلت لها لاعليك يا صديقتي دعيهم وشأنهم .

هل أنت فلسطينية سألت المعلمة : نعم من جينين أجابت حنين أهلاً وسهلاً بك في مدرستنا يا حنين … قالت المعلمة مرحبتاً بها . رحبت بها انا أيضاً وعرفتها عن نفسي فنحن نتشارك المدرسة وقاعة الصف ومقعد الدراسة أيضاً . رن الجرس وخرجنا إلى الباحة فرافقتها لأعرفها على مرافق المدرسة لكن شيئاً ما في عينيها كان يثير فضولي  أجلت تساءلاتي إلى وقت آخر ومضى اليوم سريعاً ورن جرس العودة إلى المنزل .

كنت سعيدة بها ورافقتها في طريق العودة حتى وصلت إلى منزلها جدها التسعيني كان جالساً أمام الباب وبيده سبحة تصدر حباتها طقطقة كالحصى التي تدهسها عجلة دراجتي .

ودعتها على أمل اللقاء بها غداً وقبل أن تدور عجلة دراجتي لمحت مفتاحاً مربوطاً بطرف كوفية جدها وداهمني التساءل هل يا ترى لهذا المفتاح علاقة بكنية حنين وتابعت المسير بدراجتي وكلما دارت عجلتها دورة داهمني تساؤل آخر لماذا تركوا فلسطين لماذا أتوا إلى هنا هل سيعودون الى جينين أم سيبقون هنا أم سيرحلون إلى مكان آخر متى يأتي غداً كي أسألها عن كل ذلك .

الصباح يحمل لي حقائب التساءلات الكثيرة وأنا في طريقي مسرعة إلى المدرسة كي ألتقي بحنين لم أرها في الاجتماع الصباحي إنتظرتها داخل الصف لقد تأخرت كثيراً ولم أعد قادرة على الصبر أكثر مضت الحصة الأولى ولم تأتي حنين ومضت كل الحصص ولم تأتي حنين رن جرس العودة إلى المنزل وانطلقت أسابق الريح متوجهة إلى منزل حنين وعند الباب كان يجلس جدها كأنه لم يتحرك من مكانه منذ الأمس كان رغم أعوامه التسعين صامداً كصخرة صماء .

مرحباً يا جدي , ألقيت التحية أهلاً وسهلاً يا إبنتي أجاب بصوت مرتجف أين حنين سألت وناد بصوته المرتجف تعالي يا حنين صديقتك تريد رؤيتك وأطلت حنين بظفيرتين شقراوين ووجهه مستدير وعينين واسعتين ما يزال المجهول غارقاً فيهما أهلاً بك تفضلي قالت وإبتسامتها أبلغ من كلماتها لنجلس هنا سيكون أفضل وأفسح جدها لنا مكاناً لنجلس والمفتاح المعلق في كوفيتهي يتأرجح على صدره لكنه مربوط بقوة متى ستعودين إلى جينين ولماذا تغيبت عن المدرسة ولماذا تركتم ضيعتكم نظرت إلي بحيرة واخترق صوت جدها سكون اللحظة لم نتركها بإرادتنا يا إبنتي ولا نعلم متى سنعود لكننا حملناها معنا ولم تغادرنا لحظة واحدة كانت إجابته غير واضحة بالنسبة لي فسألته هل الصهاينة هم السبب وبدمعة تعرجت مع تجاعيد وجهه أجابني بل الصهاينة والعرب وكل العالم هم السبب ودون أن أشعر وضعت يدي على يده وقلت لا تبكي يا جدي ستعودون إن شاء الله رفع طرف كوفيته مشيراً إلى المفتاح القديم هذا مفتاح منزلنا فهل يا ترى سأجد القفل والباب والبيارة لم يبقى في العمر أكثر مما مضى وستحمل حنين هذا المفتاح من بعدي فبدونه لن يفتح الباب هذه الكلمات تذكرتها وأنا أغادر منزلي رغماً عني تحت وطأة البراميل والقذائف أقفلت الباب وربطت المفتاح بطرف شالي ومضيت مرت تسع سنوات والمفتاح مازال مربوطاً بشالي فهل يا ترى ستصبح كنيتي الجديدة ( أم مفتاح ) السورية ؟؟! .


عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!