الرّاقصة/ شعر الشاعر الاردني زياد العناني

الرّاقصة

(1)

ترقُصُ
وكأنَّها تستحمُّ في قلبي.

(2)

تطيرُ
وتتمايلُ
مُمَوسِقَةً
موضعَ الحياءِ لكي تخرجَ
من قبضةِ المنعِ
إلى الفضاء.
تطيرُ
مثل فراشةٍ
ثم تتدفّقُ صوراً
تُحيط ببشريّةٍ كاملةٍ
كانت ولم تزل تتألّم في مخابئ الفتنة
وتصيخ السَّمع
لعقائدَ من دمٍ
لا همّ لها سوى أن تدسَّ الذنبَ مثل سنجابٍ
في جيوبنا.

(3)

ما هذي الأرضُ
التي لا تحتملُ لمعةَ البطنِ
وهلهلةَ الأوراك.
ما هذي الأرضُ
التي لا تبتهجُ بعناق خيالين
عندما يتّكئُ الغروب على دمه.
ما هذي الأرضُ
التي تحرِّمُ الكلمة
وتحرّمُ اللمسة
وتحرّمُ القُبلة
وتؤكّد أن الجسمَ خيانةٌ كبرى.
ما هذي الأرضُ
التي تصرُّ بأنّها مجرّدُ يابسةٍ
ولا ترقُّ ولا تفتحُ رداءَها
لنداوة البحار.

(4)

تتجرَّدُ
في العينِ عاريةً
من بعد ما رأت أنَّ الظِّباء
تخلقُ عاريةً.
وأنَّ عروسَ البحرِ عاريةٌ.
وأنَّ الأفقَ واضحٌ ولم تعبثْ به يدُ القمّاش
وأنَّ القطنَ إضافةٌ
وأن وُريقة التّوت
مجرّدُ كذبةٍ
تغطِّي عورةَ المخلوق
لئلَّا
تقعَ
في يدِ المجهولِ أو الشَّيطان
وتستحقُّ العقابَ أو المحرقة.

(5)

تائهًا كان الجسدُ
وها هو يعود إلى سيرته الأولى
قبل أن يُدجَّنَ ويصبحَ ملءَ اليدِ
لا أكثر
تائهاً كان وهو يرقص
بدلاله الشَّهويّ.
كأنَّ نحّاتاً حاوره
شهراً
دهراً
حتى تجلّى
في انسيابِه
وتجلَّى في شفةٍ من دلع
وصدرٍ ناهدٍ
وخصرٍ
له انحدارُهُ كإشارةٍ
أو دعوةٍ تشيرُ إلى المخفيِّ من النّار
أو العار
إذا شاء الغلاةُ.. هُواة الظَّنِّ..
وعبيدُ العنّة المخبأة.

(6)

.. أيّتها اللاعبة
في فسحةِ المخيالِ بخفَّةِ روحِها
بنا جوعٌ
وحرمانٌ كسته فجيعة السّوءاتِ إلى الأبد.
بنا توقٌ
لحياتِنا
وليس للحيوات المجاورة.
بنا رغبةٌ لأن نمسح الموت
من رؤوسِنا
ونمسحَ الشّيطان عن اللوح
ونمسح اللغط القديم
بنزغِه
وجهلِه وغرابِه الأسود.
.. أيّتها الرّاقصة
دعيه يتلوى
ببطءٍ
دعيه يرتعش
في الشّرق وفي الغرب
فأنتِ من يترجم الليل
إلى مرآةٍ وينابيع ماء ومتعةٍ
وعشبةِ أفراح
تجعلُ الرأس ضريراً
لا يرى سوى الحبورِ
سوى المبلولِ بفضّة الخلقِ
أو المكروه من قساوسة الطّعام
أو الدامع بعد كلِّ زيارةٍ أو الجائع
مثل فمٍ في العالم الثالث
أو الضائع بعد كل نميمةٍ
أو المغشيِّ عليه
من كثرة ما خُنق
في حصّالة الشرف.

(7)

على إيقاعِ رسمِك
المتماوج بأحلامه
يمرُّ المُذكّرُ نحو خلاصِه
ويمرُّ المؤنَّثُ
ونرى كاهنة الرّجس المقدّسِ وهي تعبد نفسها.
ونرى غوايةَ الخلق بجذعٍ ملتوٍ وبسحرٍ غامرٍ
ودمٍ مشاغبٍ يستيقظُ الفجرُ فيه
ويملأ الجهات بالوَنَس.
على إيقاع رسِمِك
نمرُّ دائخين
فعلِّمينا
علِّمينا
كيف نمتحنُ كُلَّ هذا الثّلج بحرارة المعنى.
وعلِّمينا
كيف ندخل حديقة الرّقص خفافًا مثل اللصوص.
وعلِّمينا
كيف تكونُ الشّهوةُ متعةً لا حسرة.
وعلمينا كيف ندخل في
صورةً مُغامِرةً
قليلةَ الكلام
بلا دُمى
أو وردةٍ مقتولةٍ بين السّاقين
فكلُّ من ماتوا
ماتوا لأنّهم صاروا بلا جسدٍ
جرّهم خيطُ النّيام المتعبين إلى الهلاك
ولم ينظروا إلى أجدادِهم في الكهف
ولم يأخذوا
إرثَهم من الرَّقصِ
حول النّار أو حول لذاذة الأنوثة المُتفتِّحة.
كلُّ من ماتوا..
ماتوا لأنّهم لم يتذوَّقوا ولم يتعانقوا
ولم يحرّكوا أكتافَهم بحبٍّ
ولم يفتحوا بلاهةَ الليل الممل
برقصةٍ حتى لو كانت نيئةٍ
أو دائخة
ولكنّها على الأقلّ
رقصةٌ مُراهقة
تعاون الكلامَ على كشفِ
ما ضلَّ منَّا قبل أن ننحرَ اللهو في أجسادنا
بحجة أنَّنا
مثل الجبال في رسوخِها.
آهٍ يا قلَّةَ الدّنيا
لسنا من الجبال
ولا صلة لنا بما يقال عن أوتادِها
لسنا هنا ويُظنُّ أنَّنا لسنا هناك
منذ فاتَنا الحيُّ
وخلفنا
نسدُّدُ الضرباتِ إلى جسدٍ
طوّقهُ المجازُ بتفَّاحِ الرغبة
وطوَّقناهُ بمكيدةِ الذنب
أو الشهوة.
بلهاءُ نحن
حين أطلقنا نجاسةَ الكلام
على الندى.
بلهاءُ نحن
منذ صرنا نغسل الخنزيرَ
ونُبعدُ الماءَ عن قلوبنا.
بلهاءُ نحن
من قبل ومن بعد
بلهاء
منذ هبطت بنا المظلّات على الأرض
لكي
نبرِّئَ لحمنا.
بلهاء
لأنّنا نستعيرُ من كان لنا
ثم نعيدُه
مغسولًا ومُعطلًا وفيه ذلّةٌ ومَسْكَنة
وفيه صفّارةُ إنذار
وفيه عُمَّالُ إطفاء
وفيه عشائرُ محشوّةٌ بالرصاص
وتتوعَّدُ الهواء
إذا مرَّ في صدورنا.

(8)

يا جسمنا
الرّاقص
يا عارنا
يا خمرنا
يا جسمنا الطفل
يا بيتنا
إذا أردت أن تخرجَ
فاخرج بنصفك الأسفل نحو الحياة.
فنصفك الأسفل
أفضل من رأسِك المعبأ بالظّلام
وأنظف من يدك التي تفكِّر
كيف تطلقُ النّارَ في المذابح
وكيف تقلّب الجثث.

أعجبني

أعجبني

أحببته

هاهاها

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!