بوسعك رسم الفراشة/ شعر الشاعر صابر العيسى العيسى

بوسعك رسم الفراشة
لكن عليك ألا أيّها الطّفلُ
ألاّ تفكّر فيمن تحبّ من الآدميّين
لكي لا تشوّهها
ولكي لا تُحمّلها ما يهشّم ضحكتها
ويخلّ بأجراس خفّتها
…………………………..
بوسعك رسْم الفراشة
لكن لسوف تَحارُ
تَحارُ
تحارُ، إلى مطْلع الفجْرِ
كيْف ومن أيْن تأتي
إليْها بأشْهى رحيق
وكلُّ الورود اختفتْ!؟

بوسْعك رسم الفراشة
ثانيةً،
ثمَّ ثالثةً،
ولكن لسوْفَ تحارُ
تَحارُ
تَحارُ
إلى أبدِ الدّهرِ
كيف ستغسلُ أطْرافَها
بالمياه
وكلُّ المياه العفيفة قدْ نَضُبت!؟

بوسعك رسْمُ الفراشة
رابعةً،
ثمَّ خامسةً،
ولكن لسوف تَحارُ
تَحارُ
تحارُ إلى آخر اللّيْل في أيّما جهةٍ
سوْف تُطلقُها،
والسّماءُ مدجّجة بالسّواطير
تومضُ ما صدئت.

بوسْعك رسم الفراشة
سادسةً،
ثمَّ سابعةً،
ولكن لسوْف تَحارُ
تحارُ
تَحارُ إلى آخر العُمْرِ
كيف تلوّنها
أيّ لونٍ يليق بها،
بمفاتنها
غير لون الدّماء!؟

ألا أيّها الطّفلُ تلك الفراشة
ليس مباحا لها الطّيران
هنا بيننا،
فما دمت تختضّ
لا تستطيع حمايتها
ما عليك إذن:
بعد خمْس دقائقَ
إلا التفنّنُ في محوها.
أيّها الطّفل، لا ينبغي رسمها هكذا
قبل أنْ تتحَّولَ صُبَّارةً
بين فكّيكَ قلبُك
كيما تجيدَ حراستها.
أيّها الطّفل، تلك الفراشةُ
صوتك،
أمّك،
أرْضُك،
رُوحُكَ،
هالكةٌ لا محالةَ
حتّى إذا ما تجاسَرْت في رسْمها عُنْوةً
مرّة إثْر أخرى
فلا لن تطير.
وإنْ هي طارت مُزغْرِدَةً
سوف تحتضن النّار مُحْرقَةً نفسها
في زجاجة مصباح بيتك
تلك الفراشة هالكة لا محالة
لا تبتئسْ!

أيها الطّفل كُفَّ عن الرّسم
كُفّ عن الحلم واخْرُجْ من البيْت
ما أجْمل المشْيَ
ما أجْمل التّيه في الطّرقات بلا هدفٍ
لا تكن قرويّا ملاكًا فتُذبح
كُفَّ عن الرّسم،
كُفَّ عن الورْدة المستحيلة
واخرج من الوقْت،
من قفص الوهم،
ضع فوق ظهرك
رائحة البرتقالة جُمْجُمَةً للحقيقة
ضعْ فوق ظهرك،
أو في الحقيبة دوْرتَك الدّمويّة
عضّ عليها بأسْنانك اللّبنيّة
إن حدّثتك عن الياسمين
عن الحبّ
والله والشّهداء!

لكي لا تدلّ عليك المشاة
وهم ينْبشون عظامك
عن عُشْبة الأبّديّة
كي لا تدلّ عليك كلاب الحراسة
ضع فوق ظهرك
رائحة البرتقالة بالونة للرّغائب

واركض وراء الفراشات في الحقْل
حتّى تعبَّ جيوبك
كفّيك،
صدرك منها
ومن دمها
بَيْدَ أنّك لن تلتقيها،
ولا لن تُصادفَها
كي تُعانقها وتقبّل مرْمرَ أقدامِها
لن تصادفَها،
ولو جُثَثًا هامده!

أيّها الطّفل أشهى الفراشات
داخل شوكة رأسك لا خارجَهْ…
لا تثقْ بحواسّك
افقأْ مجرّة عينيك حتّى ترى
لا تثق بحواسّك
افقأ مجرّةعينيك كي لا ترى

إنّ أشهى الفراشات
داخل كرمة رأسك لا تَحْنِهِ
ودع الرّيح من شُرفة
في أعالي البناية
مثل الزّجاجة
فوق رصيف تُهشّمه

الآن أمسى
بوسعك رسم الفراشة!

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!