سكرة الموت المبكر / شعر : فتحي عبد السميع

كَمْ وردةٍ رَفْرَفتْ في عُنَّابِها

كَمْ مِن بناتِ الجنِّ نمْنَ على ذراعي

مثلَ زوجاتٍ

وكَمْ سورٍ خرقتُ بإصبعي.

في سَكْرَةِ الموتِ المُبَكِّرِ

لا أفكِّرُ في الهزائمِ

             والخسائرِ

             والمراراتِ

التي ستنامُ في نعْشٍ مَعي.

منذُ البدايةِ

كلُّ شيءٍ كان يُنبِئُ بالمصيرْ

ما زلتُ أذكُرُ

عندما استنشقتُ أولَ وردةٍ

ووضعتُها بيْنَ الكراريسِ,

استشَاطَ مُدرِّسٌ

وهَوَى بمسطرةٍ

ليرسمَ فوْقَ كفيَّ وردةً,

ما زلتُ أذكُرُ

عندما جَدَّفْتُ أولَ مرةٍ في النهرِ

شَدَّتْنِي عجوزٌ مِن نساءِ الجنِّ

             وحدي

صِرتُ أقفِزُ

                     ثم أهبِطُ

           صارخا

حتى أتَي صيَّادُ أسماكٍ وخَلَّصَني

لأَغرَقَ في كوابيس ٍ

ويَبقى مِن مَلَاكِ الموتِ

رِيشٌ سابِحٌ في مَنبعي.

مازلتُ أذكُرُ

عندما قادَتْ خُطَايَ

ـ روائحُ البستانِ ـ

نحْوَ تَسَلُّقِ السورِ المُرَصَّعِ بالزجاجِ

هويت ُ مَجروحا

قعدتُ لكي أحاصِرَ ما يَسيلُ مِن الدماءِ

فَحَط َّ فوقيَ حارسُ البستانِ

أوْثَقَني نَهَارا كامِلا في طرْفِ ساقيةٍ

إلى أنْ جاءَ شيخُ البلدةِ ـ المبرورُـ

مِن أقصَى ارتفاعِ ذِراعِه يَهوي عليَّ

بفرْع سنطٍ ـ لم يُقلَّم جَيّدا ـ , أوَ لمْ أقُلْ

منذ البدايةِ

كلُّ شيءٍ كان يَقصِفُ أفرعي ؟

لكنني لم أستفِدْ مِن أيِّ رمزٍ

كنتُ أزهو بالرضوضِ

وأنتشي بفواجعي .

ما إنْ أجِدْ ورْدَا تَعرَّى باذِخَا

حتى أَمُدَّ يدي لأقطفَ

تارِكا لمساطرِ الدنيا

كتابةَ مَصرعِي.

ما إنْ أجِدْ نَهْرَا

يُطرِّزُ خُضْرَةَ الكُثْبَانِ

أوْ يَمضي إلى أبَديَةٍ

حتى أُبعْثِرَ ما عليَّ مِن الملابسِ

ثم أقفِزُ

كي أزُفَّ الروحَ للأسرارِ

أهمِسُ:

ـ لو فَتَاةٌ مِن بناتِ الجنِّ تَجذِبُني ـ

وأبَقَى سابِحا

حتى أعبِّئ بالمَسَرَّةِ كلَّ جَيْبٍ في الجسد ْ .

ما إنْ أجِدْ  سُورِا

يُداهِمُني اختناق ُ الصدْرِ

يَثقبُني الجنونُ

فأشْتَهي تحْطيم َ هذا السورِ

كي ما يَستلينَ لي الشهيقُ

ولا أُبالي بالجنازيرِ

التي تَنهالُ مثلَ صواعقٍ في أضلُعِي.

في سَكْرَةِ الموتِ المُبَكِّرِ

لا أفكَِرُ في المصيرِ

فكيفَ أحصرُ كَمْ مِن المرَّاتِ مِتُّ

وكَمْ مِن المرَّاتِ أوْقَفَني الجنون ُ

                   على اللهيبِ

ولم أفارِقْ مَوْضِعي .

في سَكْرَةِ الموتِ المُبَكِّرِ

مِثلمَا في نشوةِ الصَّحْوِ المُبَكِّرِ

سوْفَ أزهوُ بالجروحِ وأنتشِي بفواجعي.

{ من مجموعة فراشة في الدخان}

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!