الطريق إلى هنا / شعر : عاطف عبد العزيز

الكتبُ الملقاةُ على الأرصفةِ،

ليست غيرَ الدَّليلِ الدَّامغِ على متانةِ القلوبِ

في مدينتنا.

 

خمسونَ قرشًا،هي كلُّ ما طلبَهُ

البائعُ المُسِنُّ،

وهو ينظرُ إلى الجهةِ الأخرى،

كأنكَ لا شيء.

 

خمسونَ قرشًا فقط،

كانت ثمنَا لإهداءِ الذي كتبتَه ذات يومٍ،

بقلمٍ رديءٍ

سِنُّهُ مقصوفةٌ،

وقلتَ فيه شيئًا لا تذكرُه الآنَ،

عن الرفقةِ الخالدة.

 

كيف هانتْ على صاحبِكَ الكلماتُ

الهشَّةُ،

ليهدرَها هكذا على قارعةِ الطَّريق؟!

أهِيَ الرَّداءةُ؟!

ومتى كانتِ الرَّداءةُ مبررًا كافيًا

لقتلِ الأصدقاء؟!

الرَّداءةُ كما عرفناها ، كانت تعني دائمًا

المزيدَ من الشَّفقة.

 

كيف هانتْ على صاحبِكَ كلماتٌك تلك

ليسلمَها إلى مجهولين

عابري سبيل؟!

أخافَ الرَّجلُ على وحيدتِه المراهقةِ من

كلماتِكَ المكشوفةِ،

أخافَ أن يتهدَّدَ السَّلامُ في بيتِ العائلة،

حين تحطُّ طيورُك الجارحةُ

على النَّوافذِ،

ثم تطير؟!

 

أم تُراها المحبَّةُ المقلوبةُ؟!

أجل ..المقلوبةُ،

المرضُ السريُّ الذي لا يصيبُ عادةً،

إلا الرِّفاقَ الـ (خالدين).

 

لا أحدَهنا يعرفُ الحقيقةَ.

غير أنكَ لستَ مضطرًّا إلى التَّفكيرِ

في الأمرِ

على هذا النَّحوِ الوحيد.

 

لماذا لا تفكِّرُ بطريقةٍ أخرى؟

 

فكِّرْ مثلاً بأن الرَّجُلَ مات،

وأن صاحبَ البيتِ ملَّ انتظارَ الورثةِ،

قبل أن يُضطرَّ  إلى التخلُّصِ من ماضٍ

لا يخصُّهُ.

أو فكِّرْ بأن الأرملةَ المكلومةَ لم تقوَ

على حصارِ التذكارات،

فحَمَلَتْ الأشياءَ في كيسِها الأسود،

ومشتْ بها

حتى آخرِ الطَّريق،

حيثُ الأرصفةُ هناك مقابرُ جماعيةٌ،

تنتظرُ الدَّواوين.

 

ثم فكِّرْ،

كيف أنكَ محظوظٌ بمن يعيدونَ إليكَ أجزاءكَ

عن غيرِ قصد،

تلك التي ستكونُ قد سقطتْ منكَ سهوًا،

وأنتَفي الطَّريقِ الطَّويلِ

إلى هنا.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!