شَجَرتِي الطَّمْيَائِيَّة تَسِيلُ دَماً/ بقلم:رعري عبد اللطيف /فرنسا

الغَابةُ تتَعرّى مِن ظِلِّهَا

لنُغْمِسَ أصَابعَنا المَرْعُودَة فِي بلَلِ الدُّجَى

وتُضِيء اللّامُمْكنِ

 الّذِي يُخْفِي عَنّا سُترَةَ الوَقتِ

 فتجْعلَ منَ الخَطوِ المُتعكِّز

 قُرْبَ مَا نَشتَهيه

فرْمة يتَسرَّبُ مِنْها الخَوفُ

والرّعبُ

 ودَم الغَدرِ

والشبيهِ والمتشابهِ بالخاناتِ الضّوئيةِ

التِّي تبْصمِ بالأصْبُعِ

 عَائِقَ الأمَل

فتنْهارُ الأقبِية فِي نَهرٍ غَرَّارٍ

 أوْحَشَ مِن ظَلام ِالَّليْلِ

 الغَابةُ تتَعرّى مِن ظِلِّهَا

لتجرِّدُ صَحْونَا منْ نزْوةِ الفرَحِ

 وتُحرِمُنَا سِلْسِلةِ الانتِشاءِ بدِفءٍ

 عَادةً مَا يَنفَلِتُ منْ شَرخِ الجَسدِ نَارًا

ويتَرَسَّبُ فِي الأرْضِ عَاراً

ونَحنُ نُجنُّ انتِظَارًا    

وتَجْعلهُ قرْبانًا فِي يَدِ كاهِنٍ مُرْتزِق

 يِعِيدُ صِناعَةَ الوَهْم ِ

بِمزْجِ رُضَابهِ بندَى قُرُنفلة

 لمْ

 تَرَ

 قَطُ

 سَمَاءَ الله

 الغابةُ تتَعرّى مِن ظِلِّهَا

 لتَلدَ الورْدَة فِي زمَنِ العَجائِبِ حَيَّةً 

وتَحْبلُ الشّجَرةُ اليتِيمَة بِعَاصِفةِ مِنَ القُبلِ البارِدةِ

ويبْرقُ المُحالُ فِي غَضبِ العُيونِ ..

فتتفحمُ النُّجيماتُ  فِي طَريقِها إلى فَجرٍ مُنتَظرٍ

 وتَنفثُ بِلاَدنا بِدخانِ المِدفعِياتِ

وبقَايَا المُعْصِياتِ

 وتنْتهِي نائِمةً علَى سَاعَاتِ الاحتِضَارِ

 لتمُوتَ إنْ أتاهَا قدَرُهَا فِي بُؤبؤِ السّماءِ

 مُحَاطَةً

بِربيعِ

  الأرْضِ

 أوْ تَنتهِي جَمرَة بَارِدَة فوْقَ السُّطُوحِ

 تتلوَّنُ كلَّما هَاجَ البَحرُ

 كَاشِفةً حقِيقةَ المِيناءِ

 الَّذِي يُفضِي لسِجنِ الغُربةِ…

تَستَهْدِفُ بِشُعاعِها الَباهِتِ قَلبَ المَغارَةِ

 وفِي مدْخلِ المَدينةِ تُلمّعُ مَرَايَا الشّارِعِ

فِي انْتِظارِ رَحِيلِ هسسُ الشُّيوخِ

 مَعَ صَفِيرِ أخِرِ القِطَارَات

 فِي اتجَاهِ المَقابِرِ التِّي تَحْمِي

 دَمَ

الجَنُوبِ ..

 الغَابةُ تتَعرّى مِن ظِلِّهَا

 لأظَلُّ كَمَا أَنَا وَاحِدًا مِن أهْلِ هَذا الَّليْل

 أرتِّقُ الغِيابَ بالحُضُورِ

وأسْتجْدِي منْ طفُولتِي قَليلاً مِن القُوةِ

لأحْلمَ نَبِيًا للفرَاشاتِ ..

أمِيرًا لِلحُورِياتِ…

شَاعِرًا لِكلِّ نَجْمةٍ تعْشَقُ القَمرَ

وهُو يَكنِسُ الكَوَاكِبَ مِنْ فُتَاتِ المَوتِ..

ليزفَ للنِسيانِ عُقْمَ البُذراتِ التِّي تلوِي عُنقَ المَوتِ.

 الغابةُ تتَعرّى مِن ظِلِّهَا

لأظَلّ كَمَا أنا واحِدًا من أهلِ هَذا القَهرِ

  أخَلِّدُ في سَقفِ النَّفَق الطَّوِيلِ

  ذِكْرَيات يَعشقُهَا تَارِيخ الأزَاهيرِ

 ثُلة مِنَ الأكَاليلِ

 وقَلِيلٌ مِنْ نَبيدِ الأمسِيِّاتِ الحَزِينةِ

وما تَترُكُهُ رَحَى الصّخر,

 حينَ تنفضُ الجدَّة حِناءَها مِن وزْرةِ

 العِشْقِ

 القديمِ..

 الغَابةُ تتَعرّى مِن ظِلِّهَا

لأظلَّ كَمَا أنَا واحِدًا مِن أهْلِ هَذا السَّيل

أرْسُمُ بالحَنينِ أعْطابَ القبُورِ

قَبلَ أنْ يَجفَ النَّهر تحْتَ وحْشةِ الجَنائزِ ..

 ويتسَرَّبُ ضَجِيجُ النَّملِ إلى حَمِيمِيتِي

فَينْهارُ مِحْرَابِي

وَتنْطَفئُ شَمْعتِي

 فَمُثقلًا أسِيرُ وَمُثقلًا أطيرُ

 فانْ رَفّلتْ الزَّوبعَة ثَوبَهَا علَى الأغْصَانِ

 فلَنْ يُخِيطَهَا أعْمَى

 وأنْ هِي مَشَتْ عَلَى حِبَالٍ شَائِكَةٍ

 فلَنْ يُهدِيهَا أعْرجٌ يَحرُسُ الهَذيَانَ

 تَسْطِيرًاً لبَوَابةِ تتفرَّدُ فِيهَا عَابرَاتُ الصحْرَاءِ

 بعِشْقِ الطُوفَانِ  

سأجَرِّبُ صُنُوفَ الدَّمَارِ والانْهِيارِ  ..

وأستردُّ مِن المَجهُولِ حَقيقةَ الجَماجِم التِّي ظَلت وَاقِفة..

وأتَمتِم ألغَازًاً يَفهَمها الطّيرُ

 لِقصْفِ قَبيلةِ الشَّيْطانِ

 وأتَسللُ مِن شُقُوقِ  النّوافذِ  المَرْمرِيةِ

إلى خَزائِنِ سُليمَان

 فخَاتمَهُ يليقُ بحجَّتي

 لأطوفَ العالمَ قَبلَ اسْتفاقَةِ الجِن الأحْمرِ

فقدْ أصِيرُ لَقمةً فِي حَلقِ صَقْرٍ مِن الصُقُورٍ

 أَصِيرُ لا شَيء تدُوسُهُ عنِيدَة

 بأحْذِية

 هُولَاكُوتيَّة

 لتَصْرِيفِ المَعنَى فِي عَيْنِ المَثبورِ

فتنْمُوا من وَرَائِها غَابَات مُلغَمة

 بالحِكايَاتِ

 بالأغْنِياتِ الصَّارِخةِ

 وَقدْ أصِيرُ أَنا كَمَا أنَا دَائِمًا ِفي الأسْطُورَةِ

شَبَحُ الدّيارِ المنْسِيَّةِ

خُفاشٌ يُمزِّقُ شَهْوةَ التَّحَولِ والتجْوالِ

عَنْكَبُوتِيٌّ يَتلَحَّفُ سَمَاءَ العُمْيَانِ

وَ لِي عَهدِ المَملكَة التِّي نَخرَتْها المِحَنُ 

طَيْفٌ يقطعُ المَسَافَاتَ …

زَائِرٌ أبيَضٌ يَنْطوِي علَى الحِيَّلِ….

 غُرَابٌ يرقصُ فوقَ حبالِ الموتِ,

بُومَةٌ تَخدعٌ المصَابِيحَ بِعيُونِ طَائِشة  

كُل هَذا

 لكَيْ لا أصْنَع مِن عَرَاءِ الشَّجرَةِ الطمْيائيَّةِ

فُسْتانًا للغَدرِ

          الغابةُ تتَعرّى مِن ظِلِّهَا

لأظل كَما أنَا وَاحِدًا مِنْ أهلِ هَذا الكَوْنِ

أبْنِي لِوَجَعِ الحَياةِ مَرْقدًا فِي العَدمِ

 أغَازِلُ المَوتَ بالعُرْيّ اللامُباحِ

 وأشنقُ حَولِي كُلَّ الحُورِياتِ التِّي تَستَحِمُ بِبيَاضِ المَوجَة وأضَعُ كلَّ الصُّور فِي  حَقِيبةِ السفَرِ

وأرْمِي الشَّهَواتِ عَلَى صَدْرِ أخِرِ المُغتَصِباتِ

 في أخِر ِحَربٍ لا تَنتَهِي

 فَلاَ بَأسَ أنْ أظلَّ عَبُوسًا بَينَ أطْفالِي

 فَغلِّي كُلهُ بسَاطًا لِلْهِدَايَةِ

 فأنَا مَن يُرَاوِضُ نفْسَهُ علَى نَجْمةٍ

 جَرِيحةٍ

لينَامَ ألفَ عَام ٍ

أنا منْ سَيَطلقُ أخِرَ طَلقَاتهِ في الهَواءِ …

ويَفرحُ لتلاشِي المنْظوماتِ المبنية على الدعَاءِ..

أنا مَن سَيعزفُ لحنَ الُخلودِ

 فَوقَ صَفحةٍ نارِيةٍ بإيقاعِ الجُحودِ

 باكيًا

مُترنِّحاً

 أنا مَنْ سيتَعرَّى في وجهِ الرِّيحِ

ويَمْشِي يداً فِي يدٍ مَعَ زَهرَةِ السَلاطِينِ

 وأحْكِيهَا كيْفَ هَجرَ المَاءُ خزينة الألْوانِ ..

فشَكَّلَ خُيوطَ السَّماءِ حتَّى سَمتْ..

 وَطوَّعَ في البِساطِ مَمْشَى السَّرَابِ

وأعْدَمَ سُبُلَ العُبُورِ إليهِ ولَو عَلَى ظَهْرِ قَطرَةِ مَاءٍ

  فأحْرَقَ ورَاءَه شَجرَةَ الألغَازِ ..

وَأحَال زَرقاءَ اليَمامَةِ إلى قَضاءِ اللِه

 وأخْرسَ الصخْرَ

 وأشَارَ للحُسبانِ أنّ النِّهايَات

فصْلٌ

 مِن فُصُولِ

 البِداياتِ…

وانَّ بابَ الّتأوِيلِ لجَّة فقَط بيْنَ الأغْبِياءِ

 وأتَوسُّدُ غَيبِي تَحتَ شَجرَة اللَّوْزِ…

 لِهَذا

لا تَدُق مِسْمارًا في عُنقِ الشّجرَة التِّي تنْعمُ بعُلوِها

فَدَمُها يَتعَرّق تحْتَ الوَحلِ

فتُصابُ فقَط الورْدةُ الحَمْرَاء

 بالذُبُولِ

 بالذُهُولِ …

ولا تجُرُّ بيُمنَاكَ مَيِّتاً بأرْضٍ تَحُزُّ الماء كدرًا

  فقد تزيدُه ألمًاً 

ولا تتركُ مزهريتكَ تحتَ حَائطٍ

تتَعاقَبُ علَى أثْقابهِ غِربانٌ صَامِتةً

فقَد يسْقطُ من فَمِهَا رِيقًا حَارِقا

 وَتنْكسِرُ

ولا تضَعْ سَاقَكَ عَلَى صَخْرةٍ محْمُوَمةٍ

نَصَبتْها العُقْبان لقَوافِلِ الطّيرِ

 ملَّت لأول مَرّة عِشقَها في التَّحلِيقِ

فقد يخالكً اللَّيل حيزًا من غفوته فيشْهدُ  لكَ بالانْتقامِ

فانْ عَمّرت طَويلًا

صَارَ قبرُكَ  لُغزًا تؤُمُهُ العَوانسُ رَغْبةً فِي تعْجيلِ الرُؤى

فانشِطارٌ مُرْبكٌ لِجُغرافِيةِ المَوت ِ

وَرَقة هُنا

حَبَّةُ رَملٍ هُنَاك…

لِبنَاءِ أبْوَاب المَقابرِ المُترَعَةِ علَى المُحِيطِ

فالمَوتى ستمرُّ جائعةً لتبايعَ شقائق النُعمانِ

 قَبلَ سُقوطِ حِبالِ العِشْقِ فِي كَفِ كَاهِنٍ

 يَكتبُ تاريخَهُ بمَاءِ النّهرِ

موْجَةٌ ..مَوجتانِ..

 فِي حَلْقِ البَحرِ تُقلصَانِ شَاسِعةَ الأفُقِ

صَعقةٌ ..صَعقتانِ..

بَارِدتانِ فِي قلبِ العَاصِفةِ

 تنْقلَانِ الوَاحَة إلى خزَائنِ الكِنْمانِ…

زَلّة …زَلتانِ..

تُعيدُ أصْلَ الكَونِ إلى شَهقَتهِ الأولَى

 ليتَمخضَ

 عنْهَا فَرَاغ لا يشْبهُ إلا الفرَاغَ

فتَضِيعُ

 مِنَّا

 صَلاَحِيةَ

 الوُجُودِ

الغَابةُ مِنّا… لكِن..

 كُلٌّ مِنَّا مُنفرِدٌ فِي تَدْميرِها

 أهَكذَا هِي إذنْ

 الغَابةُ

 حَرِيقٌ

 بيْننَا..؟

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!