مواسم القهوة/بقلم: بسَّام الحروري

لصحيفة آفاق حرة 


مرَّ عام ٌ
منذ أعلنتِ الحداد
على فنجاني
واستباح البحر
أغنية الحصار
وفقدني كل شيء
وبقيتِ كل شيء
لم يكن بيننا شيئاً
منفي في تلابيبي
وأنتِ
ما تبقى مما حجب
الضوء
وغطاه الستار
خبئيني بين أرصفة
الموج
و أضرحة عظامي

صادري ذاكرتي
واستلبي عاطفتي
منذُ عامِ
أسقط السياف رأساً
ومضى

وجراحاتي تزيد
الوقت في العمق
اتساعاً
منذُ عام ِوأنا أستطلع
وجهها
في قاع فنجاني
فعُدتُ..
قوس قزح في المدى

يحتسي أوجاعه ظل
الصدى

منذُ عام ِوأنا أحسدُ
نفسي
دارتْ الأرضُ قليلا
ً واستدارتُ
أرتدي نفسي وأجلس
فوق كرسي ككل
ِ الخائفين
والمجاذيب وكل
ِ الهاربين
من زمان مختف
مابين أروقة السماء
وبين أجنحة الأصيل

واحتوت نافذتي
أفق و غيمات وبيد

يارفيقة ليلي الأبدي
خذيني من حرائقك
القديمة

سقطَ الوطنُ وراح
المحتلون
يفاوضون دمي
على طاولة المقهى
الرمادي القديم
إرثنا أخذوه وتبقّى
السديم

والبرتقال..
مازال في شحوبه
ِ أغنية المساء
والقمح في سنابله
دم يوسف من دون
قميص!

والذئب جاع فهل
يعود إلى
غيابة الجب ليبدأ
الصراع
من بعد ما تبين أنه
بدون أنياب
أظافرأو حصون أو
قلاع

يا أيَّها الراحلُ والمقيم
يا أيَّها الطالعُ من عيوننا
تيمنا سنعبر فيك
وجع النهر
فهل تفيق؟

ما زلت مصلوباً على
سجادةِ أمي
تعيد صلاتك الأخيرة
ما زلت في مشاعات
الكروم الزاهية
كنجمةٍ شريدة

كم مرة مرت عليك
َ صنعاء
على نعشٍ من الضوء
فشيعها الرخام
وسكتَ أنتَ؟

وكم مرة جاءتك في
لازوردها عدن
منكسرة الأقلام..
فمضيت ولم تكتبها
أنت؟

هل أنت من دفاتر
الغياب تأتينا؟
أم أنت في قاع من
الفنجان بوح ماضينا؟

يا من تجيء من
منافي الشرق
منكسراً
كتراتيل صلاة
وأسير هدّهُ شوق
اللقاء

صمت الضوء وفي
الريح لقاء
ولقاء مرَّ في نعش
ِ المساء

منذُ عامِ
عادت الشرفات منذ
رحيلها الأول
نحو القادم البعيد
في جوازات السفر
وبطاقات البريد

وبقيتِ أنتِ وجها
وبقيتِ أنتِ
فنجانا وعيد
عندما عدتِ ولكن
لم تعودي
كنتُ في المقهى
الرمادي
وما كان الزحام

كنتُ ضدين
وكان الضد واحد
كنتُ مقتولاً وشاهد
كنتُ مكتوباً على
أسفارِ تشرين
صلاة وصليباً يحترق
كنت مصلوباً
على الفنجان وحدي
بعد آب

والتقينا بعد كانون
وكانون جريمة

وكلانا خان صاحبه
على فنجانه حتى
الثمالة

وبقيت الليل وحدي
أجمعُ العمرَ وأكتبه
رسالة
ومضى العمر رسالة
لك يا عمري رسالة
وعليها بعض نور
وعليها بعض هالة
وبها نور سماوي
جميل
وبها سُكر الثمالة
عطرها فاض :

أحبك
وأموت
على الرموش
القاتلات

إن هذا الكون يا عمري
الجميل وشواطئه
رماله
بل وهذا القمر
ما قال الشاعر عنه قال

-كيف يبدو ؟

-من يكون ؟

حين تبدين استمالة !

وارتحلنا في الرحيل
والتقينا بعد عام
كالهدب
آخر الثوار في
الفنجان زائر
خنجرا كان وفي
الريح لهب
مثل سيف مغمد بين
صلاة وغضب

مرهق كان وفي
عينيه وطن من تعب
بل وشعب يأكل الخبز
اليابس
يفترش الجمر
يلتحف اللهب

قال حاكمنا :
سنبني لَكُمُ
وطن اللازورد وقباب
الذهب
و..ذهب

كان في الفوهةِ
طفلان وعين
تشتهي زهرهما من
سوءة القمرة
سرتين صغيرتين
وعورة غطت بسترة
ونواحات الصبايا
الثاكلات تسفر الوجع
الأليم فينتشي
جمرة

حاكمنا حين تأتي
كنبيِّ حين يرسل
نحن شعبك إننا جدا
ً بخير
عندنا شيء من
البيض وقرباناً من
السمن ومرجل
عندنا بعض الذخيرة
وبواريد القبيلة
ودعاء للعجائز عندنا

وحصير
عن جدي قد ورثناه
ومنجل

مرَّ عام ٌ
مرَّ بعد العامِ عام
وحبيبي ساهم
في الغيم مسهد
وأصيل يتدلى كغزال
ٍ شارد في الريح ولى

منذ عام ..
يشتهيك هذا الأفق
النهائي الأزل

وأنا
لملمني الجرح مليا
وارتحل
هذا البحر المشرع
في المقل
خمسُ نوافذِ أخرى
مشرعات
خمسُ دقائقِ أخرى
تهمة الساعات
موسم القهوة عاد
ياحبيبي فلتعد
يا رفيقي لم يدع فينا
الحداد صهيل قول

صامتٌ كالكلمات
دافئٌ كالكلمات
هادئٌ كالكلمات
وابتعد

واحترقنا في الصهيل
كلمتين
كلمتين
ثم ضعنا
وردتين
وردتين
كالأمد

المقهى ذاكرة
داخلة بين الموج
والفنجان
قاب قوسين وأدنى
شبق الجرحين أدمى
صار بين الجرح
والحد معان شائعة
وللسكين أن تختار
موسم القهوة عاد
أوقفي عام الحداد
وانثريني لغة
بين المرايا الشاسعة

رقصة الشفتين
والفنجان صارا
توأمين
ونشيد ونهايات زمان
وكروم رائعة
مذ جئتٍ
صمتت كل الدقائق
عقرب الساعة مال :

الربع بعد التاسعة

الربع

بعد

التاسعة.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!