هذا النصُّ أتعبني / بقلم : هيثم الامين

أنا جائعْ

بل أنا جائعٌ جدا

كقطيع فيلة أفريقيّة حاصرتها الصّحراء ذات جدب فترنّح بين الموت و الموتْ

بين الموت جوعا

و بين الموت على يد تجّار العاجْ

أنا أحترقْ

بل أنا أتجمّد كقطعة لحم في ثلاجة تعمل بأقصى جهدها

أنا أصّعّدُ منّي نحوي

بل أنا أتساقطُ منّي عليَّ

أنا لا أفهمُني… أنا لا أعرفُني

فقدتُ أصابعي في حادث كتابةٍ

كان نصّا طويلا بما يكفي لتنبُت على جلده فواصل كثيرة حادّةَ الشّهقةِ

أوثقوني خلف خيول الكلمات

و أمروها بجرّي… و كنت عاريا من كلّ معنى

و يلي.. ويلي

أنا لستُ منّي

أنا لستُ مجنونا و لستُ أهذي

أنا منتصبٌ، أقفُ متراكما بعضي على بعضي

كمدينة رقصت في شوارعها حرب عاهرةٌ

بل أنا منكسرٌ رغم ظلّي الممتدّ الى أقصى نقطة منّي

أنا مزدحمٌ بي

بل أنا فارغٌ منّي

أتمدّدُ في كلّي

و منحسر في زاوية منّي

ويلي.. ويلي

هويّتي مزوّرةٌ

و تاريخي مزوّرٌ

و لا جواز سفر عندي

ألتقط المقابر المنسيّة و أدسّها في جيبي

فربّما يأتي السّفر بغتة

و سأكون محتاجا لهويّة أصليّة و لجواز سفرِ

و حراس الحدود لن يكذّبوا أبدا المقابرْ

ويلي.. ويلي

أنا لا أشعر بشيءْ

بل أنا أشعر بكلّ شيءْ

و كلّ شيء صار يوجعُني

رأسي الذي قامرت به و خسرته.. يوجعني

قدماي العالقتان في حفرة رصيف

ذاك الرّصيف الذي كان سيأخذني إلى حلمي

بحجم حلمي تؤلمني قدمايْ

و قلبي المصلوب على صدر أنثى لا تنتظرني.. يوجعُني

بولي الأحمر كالدّم.. يوجعني

دمي الأصفر كالقحط.. يوجعني

و ذراعي التي مازالتْ تسقطُ منّي كلّما حاولتُ ضمّ طفلة تبكي.. توجعُني

ويلي.. ويلي

لو أنّي كنت شاعرا

لما بقيَ في صرختي شيء يؤلمُني

لو أنّي كنت رسّاما

لكنتُ أعدتُ وجهي لوجهي

قبّح الله ذاكرتي

فأنا ما عدتُ أذكُرني

أقدّيسٌ أنا.. أُصيب، ذات كفرٍ، بنوبة شبقِ

أم أنّي شيطانٌ، لأجل غايةٍ، تسربل بالطّهرِ

فهل منكم من، بي، يُذكّرني؟!!

أنا أذكُر جيدّا

أنّي أحبّكم و أكرهُني

أكثر بكثير ممّا أحبّكم.. أكرهُني

ويلي.. ويلي

هذا النّصُ أتعبني

و ربّما أتعبكم كما أتعبني

أنا أضحكْ

بل أنا أبكي

و لكنّني، حتما، لستُ مجنونا و لا أهذي

أنا الذي اختلطت عليّ الأدوارْ

أحيانا

أكون عاشقا كنزارْ

و أحيانا بذاءة مظفّر تغلبُني

و حينا أكون حالما كدرويش كلّما رأى وجهه في عيون ريتّا

فهل منكم من شاهد ريتّا؟

.و يلي.. هذا النصُّ كم يؤلُمني

يتدحرجُ كدبّ بنيّ على صدري

و كعناكب عملاقة يتدلّى من أهذابي

و لكنّه مازال إلى أقصى الكتابة يأخُذُني

و هذه سيجارتي تأمُرني: توقّفْ

الجدار الذي يسندُني يأمرني: توقّفْ

سرّتي التي رفضت أن تقطع حبلها قبل الولادة تأمرني: توقّفْ

و أنا أيضا

أشتهي أن أتوقّفْ

وحدها الحروف تمنعني

و لكنّي، الآن

سأتوقّفْ.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!