مَا بَيْنَنا بَحْرانِ
مِن خُطُواتِ
فَمَتى سَأقْطَعُها
لأبلُغَ ذاتي؟
ومَتى سَأُدركُني
وطِفلُ غِوايَتي
لَمّا يَزَلْ يَحْبو
على العَتَباتِ
مَنْ ذا يَرُدُّ إليّ
طَعْمَ قصيدتي
وفَمي تَنازلَ
عن دمِ الكَلِماتِ
أوَكُلّما نَبَتَتْ بِصَدْريَ
غَيْمَةٌ
غابَ الشِّتاءُ
وأمْحَلَتْ سَنَواتي
وبِأيِّ مِزْمارٍ
أغَنّي لِلهَوى
وأنا فَقَدْتُ مِنَ الصِّبا
ناياتي
وفَقَدْتُ ذاكِرَةَ السَّريرِ
كَأنّني
سَأظَلُّ مَرْمِيّاً
على الشُّرُفاتِ
أنا صِنْوُ شِعْرِ الطَّيبينَ
بَذَرْتُهُ
دَمْعاً
لِيَنْبُتَ كامِلَ الضَّحِكاتِ
وزّعْتُ بينَ العاشِقينَ
أصابِعي
شَمْعاً
ودَرْبِيَ حالِكَ الظّلماتِ
لَمْ يُبْقِ لي
زَمَنُ الفراغِ
شواطِئاً
أُلْقي عَليْها مُتْعَباً
مَرْساتي
يا شِعْرُ أنْصِفْني
لِأخْرُجَ سالِماً
مُتَعافِياً
مِنْ آخِرِ الغَزَواتِ
ما بَيْنَنا يا شِعْرُ
وَهْمُ سَحابَةٍ
ما أمْطَرَتْ يوماً
سِوى حَسَراتي
مِنْ هَوْلِ ما سَحَقَ الغِيابُ
مَلامِحي
ما عادَ يَعْرِفُني
سِوى مِرْآتي
يا شِعْرُ
يا لَيْلَ العَذابِ
وصُبْحَهُ
السِّرُّ فيكَ
ولَيسَ في الحَاناتِ
ما بَيْنَنا يا شِعْرُ
رُغمَ تَوَجُّعي
شَيْبٌ
يُزَيِّنُ أسْوَدَ الصَّفَحاتِ
قَلْبٌ تَعَثّرَ بالجَمَالِ
ورِحْلَةٌ
مِنْ غَير راحِلةٍ
ولا مِيقَاتِ
وعَمائِمٌ
تُفْتي بِزَنْدَقَةِ
المَجَازِ
وأُمَّةٌ عَرْجا ..
وبَعْضُ نُحَاةِ
ما بَيْنَنا
وَقْتٌ يُمَزّقُ وقْتَنا
كَيْ لا نَمُرَّ
إلى الزَّمانِ الآتي
غَدُنا تَراتيلٌ
تُبَعْثِرُ صَوْتَنا
وتَرُشُّنا مِلْحاً على الطُّرقاتِ
ولِكَيْ نَظَلَّ النّابِتينَ
بِأمْرِها
لَم تُبْقِ للأشجارِ
أيَّ حَصَاةِ
بِأَقَلِّ أزْرَقِها الكثيرِ
تُعيدُنا
هذي السَّماءُ
لِأوّلِ النَّظَراتِ
لِعُيونِنا
والّليلُ يَسْرِقُ نِصْفَها
صَمْتاً
لِنَحْيا في عَمِيقِ سُباتِ
لِكَلامِنا المَهْدورِ
مِثلَ دِمائِنا
لِرَحيلِنا
المَنْذورِ لِلفَلَواتِ
مُتَناثِرونَ على البِلادِ
كَرَمْلِها
ومُهَيَّؤونَ
لآخِر الصَّلَواتِ
ما بَيْنَنا
مَا لا نُريدُ
ورُبَّما
ما قَدْ نُريدُ
يَتوهُ ذَاتَ مَمَاتِ
يا شِعْرُ
يا سَيْفَ الكَلامِ
وشَيْخَهُ
ما زِلْتَ
رُغمَ مَرارَةِ المَأساةِ
ما زِلْتَ
رُغمَ فِراقِنا
ونِفاقِنا
ما زِلْتَ فَوقَ الظَّنِ
والشّبهاتِ