أبي اعتني بنفسك/ بقلم : أنور الخالد

أبو صالح رجل هرم قد أخذ الزمان من جسده كما أخذ من بصره، مستلقي على سريره كبله السقم ، و أدركه الهرم ، حتى وهن العظم.
زوجته سقته صافي شراب الوفاء و صانت ميثاق عهده تتألم مما مسه و لاتخون انسه وفي صدرها دام و ده وحسه.
خرجت لزيارة صديقتها في الجوار ، و تركت أبو صالح وحيداً بالدار .
دخل منزلهم لص في وضح النهار .
أحس ابو صالح فحسب للوهلة الأولى أن زوجته قد عادت أدراجها فسأل بصوت خافت ضعيف : أين أنت يا أم صالح؟
إقترب اللص منه بحذر ورأى حالته و تأكد أن العجوز أعمى و لا يستطيع النهوض من سريره و أن لا أحد بالمنزل سواه.
فأجاب اللص بلسان يجيد الإحتيال : لا أنا ابنك يا أبي.
بكى العجوز بحسرة و أنين فأسال دموعاً ساخنة هبت من مهجة خامدة. . فلقد كان صوت اللص مطابق موافق لصوت ابنه الوحيد صالح الذي وافاه الأجل قبل عامين فتذكر شبابه و إكتمال فضائله .
أحس اللص بعظيم الذنب و أثقل ظهره كبير الإثم. فصحا من سكرته و آفاق من غفلته ،يحاسبه ضميره ويخاصمه فؤاده. فأعتذر من الرجل العجوز بقلب يعتصره الألم و أخبره حقيقة الآمر ، وهم خارجاً طالباً الصفح والسماح .
أوقفه ابوصالح بصوته المرتج وطلب من اللص وتمنى عليه أن يقول جملة أخيرة قبل ذهابه يسمع بها صوته فقد اشتاق لسماع صوت ابنه .
فكر اللص للحظة ثم قال :أبي ، اعتني بنفسك.

أنور الخالد

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!