أنين / بقلم: د ميسون حنا ( الأردن )

رضوض بسيطة ظهرت عليه إثر سقطته، عولج منها، واستُبدل المقعد بآخر أفضل من سابقه، المقعد يتجدد ويتبدل، لكن كيف يستبدل الإنسان القابع في أعماقه. مضى على الحادثة أسبوع كامل وهو عازف عن استقبال أي كان من الأقارب أو الأصدقاء، أو حتى أي أحد من أفراد العائلة. كانت زوجته تُدخل صينية الطعام وتضعها على المنضدة أمامه، وعندما تدلف الحجرة يشعر بانقباض لا يبرحه إلا بعد أن تغادر، كانت تدخل بصمت، فقط تلك الابتسامة التي تحيره، لا شك أن ابتسامتها بريئة، لكن الوجه الآخر للحقيقة يحرف أي معنى للنقاء، وهو إذ يشوه الحقائق ينتشي، ويتشفى لكن ممن …؟ لحظات انتشائه سرعان ما تزول ويبقى حقده على لا شيء ، أو على كل شيء. إنه ببساطة يتعذب، ولا يدرك أنه هو نفسه أداة التعذيب والمعذّب في آن … فجأة اقتحم عليه حسن خلوته.

بابا. : أريد أن أتحدث إليك.

أشاح بوجهه بامتعاض، لا فائدة، هو لا يريد أن يتكلم، نظر حسن، صينية الطعام أمامه لم تُمس.

لم تتناول غداءك بعد. هل أساعدك؟

نظر إليه بصمت، كانت نظراته فيها تعنيف ولوم وسخرية، انكمش حسن أمام نظراته ثم تمالك نفسه وصمم أن يبادر بأسلوب جديد، حيث غرف من الصحن وقرّب الملعقة من فم أبيه وهو يبتسم.

هو أيضا يبتسم نفس ابتسامة أمه التي تحمل في طياتها عطفا يمزقه، ويجعله حبيس دوامة عجزه، سحب الملعقة من يده وآطاح بها بعيدا، ارتبك حسن وبقي واجما للحظات ثم …

بابا …

قاطعه : إخرس واحضر لي ملعقة غيرها، سأتناول طعامي عندما يحلو لي ذلك. تبسم حسن، كانت تعابيره تعكس انشراحا وبهجة.

بابا مبروك … كسرت حاجز صمتك إذ نطقت ، أنا سعيد، سعيد لأجلك.

نظر إليه بغضب بينما هرول حسن مسرعا، وأحضر ملعقة وضعها أمامه، همّ أن يتحدث إلا أن نظرات أبيه الغاضبة جعلته يغادر فورا، كان مرتبكا وفرحا في آن، قال لأمه : شتمني. وعندما علمت أمه تفاصيل ما دار بينهما استبشرت خيرا، وارتأت أن يذهبوا إليه جميعهم ويحادثوه.

نظر إليهم وأشار بيده يحثهم على مغادرة الحجرة، تبادلوا نظرات حائرة، قال مصطفى : قل شيئا… أطردنا أو اشتمنا لو شئت… فقط تكلم. أشاح بوجهه عنهم بامتعاض ، نظروا إليه مستغربين بينما انسحب حسن ساحبا أخاه معه، ترددت الأم في الانسحاب إلا أن نظراته الرافضة، الحانقة، المتبرعة جعلتها تلتحق بولديها. شعروا بالخيبة.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!