البريق/ بقلم : دينا بوخمسين (البحرين)

 يترقبها كل ظهيرة، حيث تتجمهر عند النفايات، تستزيد منها ما يسد رمقها، تلائمها تلك الساعة فالجميع في قيلولته، لكنه اعتاد أن يتتبعها ليمارس سطوته وتجبره، كأنما هو في مناورة عسكرية.

لم تأمن يوماً من شره، مستمتعاً بأفعاله ليشبع غريزته الشقًية.

عند بوابة العمارة التي يسكنها، يبدأ جولته العسكرية، لم تنفعه في ذلك لومة لائم.

سلاحه الذي صنعه بنفسه، قنينة زجاجية مثقباً غطاؤها ، غارساً فيه مسماراً.

ويبدأ نشاطه بالعد واحد… اثنان …. ثلاثة ويصوب هدفه بكل ما أوتي من قوة، حتى تنفر الدماء وتتدفق من أجسادها ، فتشرع في موائها في ترنيمة متتالية، يغدو منتشياً بها.

يستوقفه في كل مرة نداء ذلك العجوز من نافذة الشقة السفلى التي يسكنها.

كف يا ولد.. كتف عن تلك الأفعال المجنونة، كف وإلا يمسسك مس من تلك القطط.

فيجيبه : اسكت يا عجوز، لا شأن لك بي.

لكن ذلك اليوم كان مختلفاً عما سبقه من أيام، قاسي كشتاء قارس، موجع كلهيب النار، مؤلمكسهام الغدر.

ومن عينيها تلألأ ذلك البريق فكأنما هي نجوم سقطت من مجراتها.. ونيران للغضب قد اشتعلت على أوجها ، وصفير للريح أودت به إلى غياهب الظلمات.

حتى لمع البرق وخطف البصر .

أي جهل هذا الذي ألم بي لكي أخطو تلك الخطوة الجهنمية ! حتى هويت إلى أسفل السافلين!.

أي حماقة تلك التي أحاطت بي حتى أغشت بصري وسمعي فلم أعي نصح الناصحين!.

وبين بسملة وحوقلة وإذا به في الدرك الأسفل، وفي مجلس مهيب محاطاً بثًلة من عليًة القوم.

ذووي رؤوس كبيرة وأجسام ضخمة وأيادي طويلة، عيونهم فلاذية تتلون بألوان مختلفة مع كل رمشة، حتى جثمت أرضاً مرتجفاً من رأسي حتى أخمصي، متفصداً في عرقي.

وبدأ كبيرهم بإستجوابي:

لقد بلغنا الكثير والفضيع من أفعالك، لكننا في كل حين وحين نقول هي مرة وتمضي، لكنك بالغت في الأمر مبلغاً حتى شكت إلينا أبنتنا القطة ( كهرمانة ).

نحن معشر القطط لنا مملكتنا الخاصة ، ولنا أعرافنا ، نلتزم  بها ولا نعتدي على مملكتكم

يا بن آدم .. ماذا تريد منا؟

تلك القطط ، كانت تجلب رزقها ، لم تؤذيها ؟! لم تعذبها ؟!.

أأأأأأأ..ها ها ها ، وهو يهلث كأنما يتسلق جبل ملأ بالصخور، لالالالا…أنا لم أقصد، كنت أجرب اختراعاً صنعته بيدي ، فصوبته خطاً.

أنا…أنا…إم م م . أأأأأسسسسف..أرحموني …أعيدوني إلى الأرض، أعيدوني إلى أعلى.

وهذه القطط التي تنزف ، من يضمد جراحها ،وكرامتها التي أهدرت !!ماذا نفعل بها؟ ماذا يفيد أسفك الآن؟

المغفرة..المغفرة والسماح سيدي، أنا…أنا لم أقصد إيذائها.

حسناً… هذا كتاب تعهدي يقضي بعدم تكرارك لتلك الأفعال وإلا أودعناك سجوننا لعقود طويلة.

سأفعل كل ما تريدونهم، هل أقبل أياديكم؟

لا…فقط وقًع على هذا التعهد وسنخلي سبيلك.

في إحدى الصباحات عندما همَ بالخروج من بوابة العمارة، حين رمقته إحداهن وهي تمسك بقنينة زجاجية وتحاول تصويبها عليه، حتى أنسل مسرعاً يصعد إلىسٌلًم السماء، وهي تقهقه ها ها ها ، لقد انتصرنا والنصر لنا.

 

 

 

 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!