السمكة بلا ساقين / بقلم: خضر الماغوط

خاص: صحيفة آفاق حرة
___________________

السمكة بلا ساقَين

بقلم – خضر الماغوط
كان اللقاء صدفة قرب باب المطعم الوطني الكبير، الذي لا يمكن لنا نحن الوطنيون الصغار ارتياده، تضامناً مع أخوتنا في شمال بلاد البرازيل، الذين يعيشون تحت خط الفقر.
هذه الصدفة جعلتها تدعوني لتناول الطعام في هذا المطعم الفاخر، دون أنْ تقبل اعتذاري بأني رجل شرقي ولا أقبل من امرأة أن تدفع الحساب أبداً، مشدداً على علامة تنوين الألف في كلمة أبداً.
لكنها أصرت على عزيمتي و(دفشتني) أمامها (دفشاً)، واستمرت في (دفشي) إلى أنْ وجدت نفسي جالساً على كرسي فاخر وإلى طاولة فاخرة.
أخذت أجول بنظري فيما حولي كان كل شيء جميلاً، إذاً هذا هو الوطن الذي نسمع عنه في الأناشيد المدرسية والأغاني الوطنية هذا هو الوطن الحقيقي المليء بالطعام، والناس بربطات العنق والملابس الأنيقة، يضعون مفاتيح سياراتهم ودفاتر شيكاتهم المصرفية أمامهم على طاولاتهم، كما وضعتُ أنا مسبحتي الرخيصة على طاولتي.
هذا هو الوطن، أما ذلك المكان الذي أسكن به أنا فإنه ليس هو الوطن كما كنت أعتقد، بل هو ركام من البيوت العشوائية والطرقات المحفرة، المزركشة بأكوام القمامة والتراب والحفريات والمياه المتجمعة في مستنقعات.
فهمتُ من مقدمة حديثها بأنها معجبة بي كشاعر وكاتب، وهي ترغب أنْ تكون ملهمتي لأكتب عن جمالها شيئاً…
لم أكد أفكر في جمالها حتى كان النادل قد وضع صحن السمك المشوي أمامي، وانتقل تفكيري من جمالها إلى جمال السمكة المشوية صاحبة الصدر المكتنز، والملمس الشهي، فشرحت لها بأن السمك وجميع حيوانات البحر ليس لها سيقان لتلبس الجينز أو التنورة القصيرة، كنتُ أتكلم بينما صديقتي كانت تتلمس صدرها وساقيها المكشوفتين بتنورة قصيرة إلى فوق الركبة.
وما كدت أتابع كلامي عن جمال السمكة المشوية، وعن الشهوة التي تستولي بها على مشاعر الجائع، حتى نهضت صديقتي بحركة عصبية ونترت حقيبة يدها وهاتفها ومفاتيح سيارتها نتراً، واستدعت المحاسب، فدفعت له الحساب.
ثم خرجتْ دون أن تودعني بل قالت: سأتركك مع السمكة….
لا أعلم لماذا خرجت بهذه الطريقة، كنت أريدها أنْ تنتظر لأقول لها بأنَّ كأس الشاي الساخن بعد وجبة دسمة، أشهى من شكل الفستان القصير المنحسر عن الساقين.
******
دمشق / سوريا

عن هشام شمسان

هشام سعيد شمسان أديب وكاتب يمني مهتم بالنقد الثقافي والأدبي ، ويكتب القصة القصيرة والشعر . له عددمن المؤلفات النقدية والسردية والشعرية .

تعليق واحد

  1. اسماعيل آل رجب

    كان السّارد بطل القصّة قاسيا مع انثى الانسان ، وبالغ في مدح ذكر السّمك ولذلك ربح السمك المشوي فقط.

اترك رداً على اسماعيل آل رجب إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!