الضّيف/ بقلم: دينا بوخمسين ( البحرين )

 أشعر بعمق الزّمن، بتيار الهواء كطواحينالرّياح، لو اقتربت منها لأحدثت زوبعة، نقلتك، فرأيت عالمك الماضي، طفولتك، صباك، وشبابك، أين مضت رحلتك؟ وماذا صنعت؟

انحسر بصرك؛ لترى أناسًا غابت دهورًا، لم ترهم، لكنّهم آمنين مطمئنّين.

الأمطار الغزيرة، السّحب الملبّدة، سحر الطّبيعة وعذوبتها، كلّها تثير في نفسك مشاعر جيّاشة.

رأيتها …تقطع طريقها ذهابًا وإيابًا … هي كالتي دكّتْ أرضها دكًّا؛ بحثًا عمّا يروي ظمأها.

استعدّوا.. هيّا ..إنّه قادم … الضّيف قادم.. لكنّالمسافة موحشة والطّريق وعرة.

تولي شطرك يمنةً ..عالم فتّان، كفتاة في صباها، محمرّة الوجنتين ، ذات عيناوين نجلاوين، تبهرك ، لكنّك تلتفتُ يسرةً،الأجساد تتأوّه ، تصرخ : المغفرة ، الرحمة ،فترى اللّهيب يذيب الجلود.

تتعثّر خطواتك وأنت تسمع همهمات المشيّعين، أردتَ القيام من المحمل لم تستطع! هالكَ المشهد! رأيتَ من يمقتونك، وينافقونك.

خلتَ نفسك تسير بينهم،فتسمع نوايا قلوبهم.

ما بين يقظتي وغفوتي أراها.

مضطرًّا إليها، أحبس بداخلي شحنة غليظة من الفوبيا، تنتابني دومًا تلك الهواجس التي أصبحت ملازمةً لي كظلّي.

في رحلة بحريّة أنا ورفاقي، الموج يتراقص بنا، والشّمس تبعث بأشعّتها السّاخرة على صفحة الماء الصّافية، واللّيل.. اللّيل على أهبة الاستعداد؛ ليفرد جناحيه، والظّلمة … الظّلمة عواء ذئاب.

والثّلاثة ها هم في قاربهم يتوسّطون عرض البحر، يتأرجح ذات اليمين وذات الشّمال. عندما صاح يوسف وياسر: هيّا جمال ..تحرّك .. ما لك تتباطأ! .

جمال: لا .. لا أستطيع،  يا رفاقي، لقد نفذ الوقود.

يوسف:  لا.. لا. أرجوك قل غير هذا.

إنّه فعلاً ما أقول، سأحاول الاتصال بطوارئ السّواحل؛ لإغاثتنا.

قام بتكوين الرّقم على جواله، ولكن للأسف الشّبكة خارج التغطية:يا رفاقي، ما العمل؟

ياسر: يا إلهي،سنكون طعمًا لتلك الأسماك.

يوسف: لا تتطيّروا: رحمة الله فوق كلّ شيء.

جمال:لنلوّح بأيدينا ، فلربّما مروحيّة تحلق من بعيد.

مضى نصف السّاعة ، ولا بارقة أمل.

ما العمل، يا شباب؟ نحن نذوب تحت أشعّة الشّمس، والمياه بدأت تتسرب داخل القارب.

هنالك سقطتَ مغشيًّا عليك، وغصتَ في أعماقك، حتى نالتْ منك تلك الهواجس نيلًا، وشعرتَ بدنوّ أجلك واقتراب ساعتك.

تمكّنت منك، حتّى وكأنك في عالم آخر.

أفقتَ من عالمك الآخرعلى صوت قهقهة قريبة تدنو من أذنيك، فتحتَ جفنيك مثقلًاجازعًا، حتّى هالتك الصّدمة، فوجدتَ صاحبك غارقًا في ضحكاته، يشاهد شاشة التلفازأمامه، قطّبتَ في وجهه، أجّلت النّظر حولك، أنتَ في الطائرة!!

أطلُّ من نافذتي. تارة صحراء ذهبيّة الرّمال، وتارة بحر لازوردي نقيّ !.

يا ترى، أين ستكون النّهاية؟ على أرض تلك الرّمال الذّهبيّة أم على صفحة ذلك اللازوردي النّاعمة، وفي أفواه أسماكها؟

كلاهما مؤلم موجع..

أغمض عيني، فأراها تتلقّاني بالأحضان.

ابني حبيبي، لقد طال الانتظار.

لا أعلم، أهو نذير لاقتراب أجلي ؟؟

تباغتني المضيّفة.. اربطْحزامك.

تذكرتُ صلاتي، لم ألتزم بها!

أهي لحظات الخوف التي تقرّبنا من المولى !!

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!