الطائر المتجه غربا/بقلم عالية علي

كمسمار لامع ينبت كزهرة في خشب الصاج الثمين مسمرّة أمام الشاشة !
بفضول مركبة فضائية تقترب من زحل بدأت القراءة مستعينةً بفنجان من القهوة العربية الثقيلة كي ينبهني حين أغرق في غيبوبة الحرف فلطالما كان الحرف داري وضياعي وعصاً أهشّ بها على غنمي وعلى قطعان الهموم حين تأتي على حين غرّة !
رمقتني اليد البورسلينية للفنجان بعتب ظاهر , تلك المشغولة بترف والمتوارثة عن جدتي لأبي … كثيراً ما أستعين بجذري حين يصرُّ حاضري على العناد, فأتماسك ! عتب مرير من عين الفنجان , عين مبصرة تعرف أني حين أكون بمواجهة الكلمات أشبع القهوة .. هجراً ! ولا أعود أكترث الاّ لما يدخل كالرماح في خاصرتي من كلمات , لا أكترث الاّ لما تتركه الكلمات من مشاعر تترسب في ذهني كطمى نهر النيل حين يهدأ من فورته بألقاء تلك المحظوظة موتاً .. فيه ! بين السطر والأخر نبضة تائهة لا تُشبه نبضات القوم وشغف ممتد بين خط الطول صفر والأرقام الزوجية لمضاعفات الرقم أثنان !! وقطرة من الزيت تسيل من جانب المنشفة التي لففت بها غابة البيلسان , تنسل ببطءء ويتحسسها وجهي كتويجة ورد تعاتبني برقّة لا متناهية : الم يحن موعد الأستحمام ؟ حتى متى تماطلين الوقت وتنسين كل المواعيد حين يمر الحرف من أمامك بخطفة ماحقة حتى لو كان خربشةً على جدار , الى متى تبقى أقدارك معلّقة بذلك الخيار الصعب .. القراءة !! وكم غدرت بك الآف المرات , تلك الكتب الحمقاء ولم تعلني توبتك , وكلما صدر ذنبٌ جديد عن دار نشرٍ توغلين به حدّ .. سقر ! تستمتعين بالذنب بلا وازع أو فضيلة من الغلاف للغلاف ! وما بين المؤلف والقارئ الآف القتلى الذين كانوا مجرد فكرة بين السطور تم تنفيذها حرفياً .. بالسكين !
أستمر في غييّ مُلاحقةً تلك السطور المكتوبة بعناية فائقة وأكاد أسابق أنفاسي في ماراثون الرقّة اللا محدودة وأنا أرى فراشات زرقاء تطير عند النقطه والفارزة ! أيها المًتقن كيف أتقنتني بجرة قلم ؟ كيف عرفت أميتي وجهلي قبل كلماتك ؟ أيها الكوكب بمدارته التسعة , الأن فقط أنتبهت أنك كنت مؤرقا طيلة الوقت ولم تنم لسنين وحان الوقت كي تغفو على كتف .. قصيدة ! كل ما أعرفه أنك موجود في نقطة ما على هذا الكوكب أيها الرجل الكوكب ! تخاطبني بكل تاريخي وبما غفلت عن تذكّره حين فقدت ذاكرتي ذات ليل حين حلّ الخوف ضيفاً أفقدني صوابي ! موجك لم يترك لي الوقت لأرتداء سترة نجاة , والأوراق أمامي تحمل بلل البحر وزرقته حين وقفت يوماً على الأطلسي غارقة القدمين حتى الكاحل برمل الغروب الغريب , والشمس تختفي خلف الأفق وتتركني بمواجهة البحر والليل القادم لا محالة والذي يراودني عن نفسي للموت غرقاً أو عشقاً .. سيان ! وصوت يتردد في ذهني .. يجمع حقائبي ويحجز لي مكاناً على طائرة الأياب , صوت ينادي نادل كافيه المطار كي يعدّ لي شاي ما قبل الأقلاع , صوت ينادي بغداد بغداد ويضيع الصوت في ظل همهمة فارغة وأين هي ؟ صوت يناديني , عودي من أغتراب سفنك المكسورة الصاري , أقلامك الرصاص تحن لملمس أصابعك ومسودات القصائد غطاها غبار الوقت الذي قضيتيه مرتحلة بين الموانىء ولا قرار ! مقتولة انتِ في بعدك المتنائي عن ذلك النهر الذي توقد على ضفتيه الآف من شموع الأمنيات ماتحقق منها وما لم يتحقق .. أيتها السادرة في غيّك , المُمتحنّة أبداً متى تغادرين وذلك الوقت يكاد ينتهي ولم تسلمي ورقتك , الوقت الممتد بين حناجر أسكتها الآلم وقلوب تريد أن تصرخ برغبتها في مغادرة تلك التبانّة التي بلا حلّ , ويستطيل الصراخ مدبباً كخنجر بروتوس الذي يطعن بكل حنان العالم .. قيصر ! حنان يؤدي واجب السلطة التي تأمرني وتغتال صوتي فيستكين .. خَرساً ! عاجزة أمام ما أقرا وأنتهى قلمي بلا رصاص ومبراتي تجز حوافي الخشب وعنقي ! لست أعجز من ماري انطوانيت التي سلمت عنقها الجميل لحدّ الشفرة بلا اعتراض !
أمام دهشة الكلمات وتفجر ينابيع الزئبق لا أملك الا أن شفاه تُصفر بحبور , مسرورة حدّ الغبطة وها أنا سعيدةٌ نزولاً عند رغبتك المحمومة بسعادتي ! فاغرة فاه كهوفي السرّية المليئة بكنوز سليمان , لا أريد ان أستفيق من مطر الأبجدية الذي يبللني حتى النخاع ,, ما عاد يجدي معطف المطر حين تمطر السموات لسنين , دمعاً أو وحدةً أو فراغاً نحاول ملئه فلا يستجيب ! أستعين بقطعة من العلكة الخالية من الطعم كي أحاول فطم ذاتي عن .. السكر! سكر الكلمات كان بديلا جيداً وتعويضاً عادلاًعن مرارة الأيام , وذلك القرط الطويل المتغنج على رقبتي أزيحه بكتفي اللامبالي الذي أصبح مبالياً .. أخيراً ! حين أشرقت ألف سوسنة دفعة واحدة وكأنها تنتظر عصا الساحر والتي أخرجت من قبعة ضجري عشرات الأرانب البيضاء .. يالذلك السياب الذي لم ينقذني شِعره في أيجاد مفردة واحدة تخبرني كم هذا الطفح الوردي الجميل الذي وشم قلبي قد .. يقتلني ! وأنا أكتشفت على السطر موجة طولية جديدة للون الأستبرق الحقيقي الذي ماكنت أعرفه , وسنين غفلتي تبدو مرتبة أمامي كمصفوفة ماتريكس تأمرني بمغادرة خطوطي الى كوكب أخر يأخذني اليه الحلم بمفتاح الأمل الذي كنت أعلقه بسلسلة في عنفي تتدلى على صدري طيلة الوقت ولم .. أنتبه ! واعود أردد بعصف ذهني مفاجىء مثلكِ لا يُختبر بأقصوصة جميلة ,أنت يا من توزعين شخوص الروايات , فيموت منهم من يموت ! أُسقطَ في يدي والحيرة معبر عنها بأهتزاز رمشي وتقطيب جبيني ..لن تسلم جرّتك هذه المرّة , جرّتك الملأى بعسل الحنطة الداكن .. وفنجان القهوة الساكن ينادي بصمت ألتفتي اليّ أيتها الحالمة الكبيرة فالقهوة باردة وتكاد تتجمد في درجة العشرة تحت الصفر , حتى متى تخوض عصافيرك معركة الأفراح المبتسرة على دالية العنب الذي لم تذوقي حباتّه مرة ؟
أيتها الباردة التي تُخفي بركاناً , لقد بردت قهوتك ولم تشعري , دافئة بقصائد ناغت وهماً , والأن دافئة بالكلمات , دافئة بالكلمات .. تُرى هل أعيش حقيقة أم حلماً كالمعتاد أرددها بطريقي لأعداد فنجان أخر !

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!