العقد/بقلم غي دي موباسان/ ترجمة /ترجمة : محمد عبد الكريم يوسف

 

كانت امرأة جميلة من عائلة فقيرة . لم تحصل على مهرها  ، لم يكن لديها آمال أو فرصة للزواج من رجل ثري مشهور. فقد تزوجت موظفا عاديا  يعمل في وزارة التربية .

لم تكن قادرة على شراء المجوهرات أو الثياب الثمينة  لهذا السبب كانت تلبس ببساطة .

كانت تتألم طوال الوقت . شعرت أنها كان يجب أن تستمتع بالأشياء الجميلة في الحياة . كان الأثاث البالي والغرف البائسة في منزلها يسببان لها الكثير من الألم . هذه الأشياء كانت تثير في داخلها الغضب . منظر الفتاة الفقيرة الصغيرة التي تنظف بيتها أثار في وجدانها الحزن العميق والأحلام البرية . حلمت بغرف مفروشة بالسجاد السميك ومضاءة بمصابيح جميلة عديدة . حلمت بغرف استقبال  مزودة بأثواب من الحرير العتيق وطاولات عليها تماثيل صغيرة وغرف جلوس مبخرة بالعطور وحلمت أيضا بحديث في موعد الشاي عند الغروب  مع الصديقات المقربات والناس المشهورين .

عندما جلست على طاولة العشاء المستديرة وراقبت زوجها يجلس أمامها يرفع قدر الحساء ويصرخ فرحا : ” أه .. ياله من حساء طيب ! ليس هناك أفضل منـ…” تخيلت العشاءات الفاخرة الغنية مع ملاعق وشوك مصنوعة من الفضة. فكرت باللوردات والسيدات وهمساتهم أثناء تناول السمك الفاخر والدجاج المميز .

لم يكن لديها خزانة للملابس  أو مجوهرات …لم يكن لديها شيء. وكانت هذه هي الأشياء التي تحبها أكثر من أي شيء آخر . تشعر دائما أنها خلقت لأشياء كهذه .أحبت أن ينظر اليها الناس ويعجبون بها .

لديها صديقة غنية ؛ فتاة كانت ترافقها أيام المدرسة . لكنها لم تكن تحب لقياها كثيرا لأنها كانت تشعر بالإحباط عندما تعود من زيارتها . وكانت تبكي لأيام بسبب اليأس والقنوط .

في أحدى الأمسيات وصل زوجها فرحا يلوح بظرف بين يديه .

وخاطبها  قائلا: ” هاك هذا …هناك شيء لك ”

فتحت الظرف  بحماس وأخرجت منه بطاقة مطبوعة  كتب عليها :

” يسر السيد وزير التربية وعقيلته السيدة جرجس رامبونان  أن يدعوا السيد والسيدة لوسيل لحفلة مسائية يوم الاثنين الثامن عشر من كانون الثاني .”

وبدل أن تشعر بالسرور  كما كان يأمل زوجها ، رمت الدعوة على الطاولة  وقالت بغضب :” ماذا تتوقع مني أن أفعل بها ؟ ”

أجابها زوجها بلطف: ” لماذا يا حبيبتي ؟ اعتقدت أنها ستسعدك كثيرا . أنت لا تخرجين مطلقا وهذه ستكون فرصة لتمتعي نفسك – لقد عانيتُ كثيرا في الحصول عليها . وكل موظف في الوزارة يريد هذه الدعوة . هناك القليل من الدعوات للموظفين . كل المسؤولين سيكونون هناك “.

نظرت إليه بغضب متزايد وفجأة انفجرت قائلة : ” ليس لدي ما ألبسه . كيف سأذهب ؟ ” .

تمتم قائلا إنه لم يفكر في هذا الموضوع من قبل وقال :” لكن ما رأيك بالفستان الذي ارتديته للمسرح؟ أعتقد أنه جميل….”

ثم لاذ بالصمت ودُهش كثيرا لرؤية زوجته تبكي . انهمرت دمعتان من زاويتي عينيها وتدحرجتا نزولا إلى زاويتي فمها . تحدث بصوت خفيض قائلا : ” ما هذا ؟ ما هذا ؟ ”  .

وبصعوبة بالغة سيطرت على حزنها وأجابته بهدوء وهي تمسح دموعها: ” لا شيء ..كل ما في الأمر هو ليس لدي فستان سهرة ولا أستطيع أن أذهب للحفلة . أعط الدعوة إلى أحد أصدقائك الذي يمكن لزوجته أن تلبس أحسن مني  ؟ ” .

غُلبَ على أمره  فقال : ” أصغي يا ماتيلد . كم يكلف فستان السهرة- فستان مناسب يمكن أن ترتديه في مناسبات أخرى – فستان بسيط ؟ ”

فكرت لعدة ثوان وأجرت حساباتها وفكرت للحظات في المبلغ الذي يمكن أن تطلبه من دون أن تجعله يرفض في الحال.

وأخيرا قالت  وهي غير متأكدة من معلوماتها   : ” من الصعب أن نحدد الكلفة بدقة لكن أعتقد أنه يمكنني تدبر الأمر بأربعمئة فرنك . ”

شَحب  وجهه قليلا  لأن المبلغ المطلوب هو المبلغ الذي وضعه جانبا  لشراء بندقية . كان يريد أن يذهب للصيد في الصيف القادم مع رفاقه ممن يذهبون للصيد أيام الأحد .

لكنه قال: ” حسنا . سأعطيك مبلغ أربعمئة فرنك. لكن حاولي أن تشتري شيئا جميلا ” .

وعندما اقترب موعد الحفلة شعرت السيدة لوسيل بالقلق رغم أن فستانها صار جاهزا. ذات مساء خاطبها زوجها قائلا : ” هل هناك مشكلة ؟ أراك غريبة الأطوار في الأيام القليلة الماضية .”

أجابته قائلة : أكره أن لا يكون لدي أي قطعة مجوهرات أرتديها . سأبدو غير أنيقة . لا أحب أن أذهب للحفلة . ”

اقترح قائلا : ” يمكنك أن تضعي  بعض الزهور. وهذا هو التقليد في هذا الوقت من السنة . يمكنك بعشرة فرنكات شراء  زهرتين أو ثلاثا .”

لكن هذا الاقتراح لم يرضيها أبدا  وقالت : ” ليس هناك عار في الدنيا يفوق أن تكون فقيرا وسط نساء غنيات .”

اقترح زوجها قائلا : ” لماذا لا تذهبين للسيدة فوريستر وتطلبين منها أن تعيرك بعض المجوهرات. أنت تعرفين بالتأكيد أنها تمتلك الكثير منها  . أليس كذلك ؟ ”

هللت فرحة  وقالت : ” أنت على حق. لم يخطر ببالي ذلك ” .

في اليوم التالي ذهبت لرؤية صديقتها وأخبرتها بقصتها .

ذهبت السيدة فوريستر إلى خزانتها وأخرجت علبة مجوهرات كبيرة ثم أحضرتها للسيدة لوسيل وفتحتها وقالت : ” تفضلي . اختاري ما يحلو لك”.

تجولت عيناها في الصندوق بين الحلي والأطواق والمجوهرات ثم نظرت لصليب ذهبي  شكله رائع . جربت المجوهرات أمام المرآة  وترددت قليلا وكأنها غير قادرة على نزعها واعادتها  لمكانها. ثم كررت السؤال  : ” أليس لديك أشياء أخرى ؟ قد تكونين نسيت شيئا بالصدفة ”

أجابتها السيدة فوريستر قائلة : ” لماذا ؟  نعم . انظري هنا . ابحثي بنفسك . لا أعرف الحلي التي أحبَبتِها ؟ ”

سرعان ما وجدت صندوقا  مغطى بقماش أسود من الداخل يحتوي عقد مجوهرات جميل . بدأ قلبها بالخفقان  برغبة عارمة . ارتجفت يداها وهي تمسك به. ربطته حول عنقها فوق فستانها ووقفت تنظر إلى نفسها بالمرآة .

وسألت السيدة فوريستر والتردد يجتاحها وقلبها مليء بالحسرة الشديدة : ”  أيمكن أن تعيريني هذا ؟ هذا فقط ولا شيء غيره ” .

أجابتها السيدة فوريستر : ” نعم . طبعا ”

رمت يديها حول عنق صديقتها وقبلتها ثم طارت فرحة بثروتها.

أتى يوم الحفلة . كانت السيدة لوسيل ناجحة نجاحا باهرا . كانت أجمل امرأة هناك – رشيقة ، سعيدة ، بهيجة . نظر اليها كل الرجال وسألوا من تكون وحاولوا التعرف عليها . أراد رجال الوزير الرقص معها . ولفتت نظر الوزير نفسه .

رقصت ورقصت مليئة بالبهجة والسعادة . نسيت كل شيء  إلا إظهار جمالها . الرغبات التي أثارتها والاعجاب الذي حصلت عليه  ومجد نجاحها رفعوها لتطفو على سحابة من السعادة . كان النصر الذي حققته كاملا وله وقع جميل في قلوب النساء .

كانت الساعة تقريبا الرابعة صباحا  عندما غادرت الحفلة . نام زوجها منذ منتصف الليل في غرفة صغيرة مهجورة مع ثلاث رجال آخرين زوجاتهم منغمسة  في قضاء وقت جميل في الحفلة  .

احضرت معها شالها لتضعه على كتفيها عند المغادرة . شالها الرخيص أفسد منظرها . شعرت بذلك فرغبت في الهروب بسرعة حتى لا تنتبه إليها النساء الأخريات اللواتي كن يضعن شالأ مصنوعا من الفرو الثمين.

بدأت عائلة لوسيل بالذهاب .

خاطبها السيد لوسيل قائلا: ” انتظري لحظة . قد تبردين هناك . سأطلب سيارة ” .

لكنها لم تصغ إليه . هبطت الدرج بسرعة كبيرة . في الخارج لم يكن هناك أي سيارات . انطلق السيد والسيدة لوسيل للبحث عن واحدة  وهم ينادون السائقين المارين .

مشيا قرب النهر فشعرا بالبرد والتعب . وأخيرا وجدا عربة قديمة حملتهما إلى منزلهما في شارع الشهداء. صعدا بحزن إلى شقتهما . بالنسبة لها ، انتهت ليلة السعادة والاثارة . وهو كان يفكر أن عليه أن يكون في عمله بحلول الساعة العاشرة في صباح اليوم التالي .

نزعت الشال  أمام المرآة حتى ترى نفسها بكامل مجدها مرة ثانية . لكنها صرخت بصوت عال. لقد فُقد العقد ليس هناك شيء حول عنقي . كان زوجها ينزح ملابسه . سألها : ” ما المشكلة ؟ ”

استدارت نحوه بقلق شديد  : ” العـ…العقد ….فُقد العقد.”

نهض الرجل والدهشة تجتاحه  و قال : ” مستحيل ! ماذا..؟ ماذا قلت ؟ ”

فتشا الفستان والشال والجيوب  . فتشا في كل مكان لكنهما لم يجدا شيئا. سألها : ” هل أنت متأكدة أنك كنت ترتدينه عندما غادرت الحفلة ؟

أجابت : ” نعم . اتذكر أنني لمسته  عندما كنت أخرج من قاعة الرقص.”

تابع قائلا : ” لو كنت فقدتيه في الشارع كنا سمعنا صوت سقوطه . ربما فقدناه في السيارة . ”

أجابت : ” نعم . ربما . على الأغلب . هل تذكر رقم السيارة ؟ ”

قال : ” كلا وأنت أتذكرين ؟ هل انتبهت للرقم ؟ ”

أجابت : ” كلا . ”

نظرا لبعضهما في حزن . وأخيرا لبس لوسيل ثيابه مرة ثانية  وقال: ” سأفتش عنه في كل بوصة من الطريق التي مشيناها على أقدامنا . ربما أعثر عليه . ”

غادر المنزل  وهي بقيت في ثوب السهرة لا تستطيع أن تذهب للنوم . جلست على كرسي صامتة هامدة بلا حراك .

عاد زوجها حوالي الساعة السابعة  صباحا . لكنه لم يعثر على شيء.

ذهب إلى الشرطة  والجرائد ليقدم مكافأة لمن يعثر عليه . ذهب إلى مكاتب شركات السيارات  …بكلمات قليلة …ذهب إلى كل مكان فيه أدنى أمل في العثور عليه .

وهي قضت كل النهار تنتظر بيأس أمام هذه الكارثة المريعة .

عاد لوسيل في المساء حزين الوجه لأنه لم يجد شيئا .

قال لزوجته : ” يجب أن تكتبي لصديقتك تخبريها أن خيط العقد انفرط  وأنك تصلحيه . وهذا سيستغرق بعض الوقت . ”

كتبت الرسالة كما أراد

وفي نهاية الأسبوع فقدا كل أمل في العثور على العقد . شعر السيد لوسيل أن هذه الكارثة زادت من عمره خمس سنوات . وفي النهاية قال : ” علينا أن نجد عقدا آخر بدلا منه ” .

في اليوم التالي  أخذا العلبة التي كان يحفظ فيها العقدوذهبا إلى الجواهري الذي ظهر اسمه داخل العلبة . نظر الصائغ في دفتر حساباته وقال : ” أنا لم أبع العقد سيدتي قط . أنا بعت فقط العلبة . ”

ذهبا من صائغ إلى آخر في محاولة لإيجاد عقد مماثل للعقد المفقود وحاولا التذكر حتى يئسا وتعبا من القلق و القنوط .

وجدا عقد مجوهرات اعتقدا أنه يشبهه في متجر عصري قرب القصر الملكي . كان سعره أربعين ألف فرنك . وأخبرهما الصائغ أنهما يمكن أن يحصلا عليه بستة وثلاثين ألف فرنك .

طلبا من الرجل أن يبقيه لهما لمدة ثلاثة أيام فوافق على ذلك وأخبرهما أنه يمكنهما أن يحصلا عليه بمبلغ أربعة وثلاثين الف فرنك  في حال لم يجدا العقد المفقود قبل نهاية شباط .

كان لدى لوسيل مبلغ ثمانية عشرة ألف فرنك التي تركها له والده وعليه أن يستدين الباقي.

استدان المبلغ ، طالبا من هذا ألف فرنك وخمسمئة من ذاك ، مئة من هنا وخمسون من هناك . تعامل مع المرابين ولم يكن متأكدا أنه يستطيع أن يرد الدين في موعده . صار اسمه وعمله في خطر . كان يخشى الجوع والبؤس الأسود الذين ربما يملآن   حياته في المستقبل . ذهب ليأخذ العقد ودفع للصائغ مبلغ ستة وثلاثين الف فرنك .

وعندما ذهبت السيدة لوسيل لإعادة العقد قالتالسيدة فوريستر : ” كان يجب عليك إعادة العقد في وقت مبكر ، ربما احتجت إليه “.

وعندما سلمت السيدة لوسيل العلبة لصديقتها كانت تخشى أن تفتحه وتلاحظ العقد الجديد وخافت أن تنعتها بالسرقة . لكنها لم تفتحه.

اكتشفت السيدة لوسيل معنى الحياة القاسية لكنها تكيفت مع الوضع الجديد.  الدين الذي يجب أن تعيده وستعيده . تخلت عن الخادمة  وانتقلت للعيش في شقة صغيرة  تحت سطح بناء.

تعرفت على معاني الواجبات المنزلية المتعبة وعمل المطبخ القبيح . غسلت الصحون وتكسرت أظافرها الحمراء في قعر القدور المتسخة . غسلت القمصان والملابس الأخرى ونشرتها على حبل الغسيل لتجف .  صارت تنزل القمامة إلى الشارع كل صباح وتحمل الماء صاعدة الدرج وتتوقف عند كل طابق للاستراحة . كانت ترتدي ثيابها مثل نساء الطبقة العاملة. ذهبت للبقال والجزار تحمل على ذراعها سلة . وصارت تساوم حول كل قرش تصرفه .

كل شهر هناك ديون يجب أن تدفع .

عمل زوجها مساء في متجر في المدينة  وكثيرا ما عمل طوال الليل أيضا. ثم مارس أعمال النسخ ليحصل على خمس وعشرين قرشا مقابل كل  صفحة .

واستمرت الأحوال على هذا المنوال مدة عشر سنوات .

وعند انتهاء السنوات العشر ، دفعا كل الديون .

بدت على السيدة لوسيل علامات التقدم في العمر. صارت امرأة قوية كتلك التي نراها في العائلات الفقيرة . صارت فساتينها قبيحة ويداها خشنتان وأصبحت تتحدث بصوت عال . لكن ، أحيانا عندما يكون زوجها في المكتب ، كانت تجلس بجانب النافذة وتتذكر تلك الحفلة القديمة عندما كانت شابة  وجميلة  ، أجمل امرأة في تلك الحفلة .

كيف سيكون شكل حياتها لو لم تفقد العقد ؟ من يعلم؟ كم هي غريبة ومريبة هذه الحياة ! سرعان ما تسعدك وسرعان ما تنتزع منك السعادة .

وذات أحدٍ ، وعندما كانت تسير في الحديقة بجانب النهر تحاول أن تنسى تعب عناء اسبوع من العمل رأت فجأة سيدة تأخذ طفلا في مشوار . كانت هذه السيدة هي السيدة فوريستر . كانت ما تزال شابة جميلة وجذابة .

بدأت السيدة لوسيل ترتجف. أتتكلم معها ؟ نعم . بالتأكيد هي . والأن وحيث أنها دفعت كل شيء لماذا لا تخبرها بكل الحكاية ؟

ذهبت اليها وقالت : ” مرحبا ..يا جاني …”

لم تتعرف عليها المرأة الأخرى و دُهشت من منظر السيدة ذات الفستان الرخيص التي تتحدث معها كصديقة . تمتمت قائلة : ” لكن . يا سيدتي. أنا متأكدة أنك مخطئة ” .

أجابتها : ” كلا. أنا لست كما تظنين . أنا ماتيلد لوسيل”.

صرخت صديقتها مندهشة . ثم قالت : ” أه…آه..ماتيلد البائسة …كم تغيرت . ”

أجابتها : ” نعم . لقر مررت بأوقات حرجة  منذ أن رأيتك آخرة مرة . تعرضت للكثير من المشكلات . وكلها كانت بسببك ” .

ردت : ” بسببي؟ ماذا تقصدين ؟ ”

أجابتها : ” أتذكرين عقد المجوهرات الذي أعرتني إياه لألبسه في الحفلة التي أقامتها الوزارة ؟”

ردت : ” نعم . ما مشكلته؟ ”

أجابت : ” حسنا . لقد فقدته.  ”

ردت : ” ماذا تقولين ؟ لقد أعدته لي . ”

أجابتها : ” ما أعدته كان عقدا آخر يشبه تماما العقد الذي استعرته . وأخذ من حياتنا عشر سنوات ونحن ندفع ثمنه. كما تتصورين لم يكن الأمر بهذه السهولة لأننا كنا فقيرين تماما. على أية حال، أنا سعيدة أن الأمر انتهى الآن . ”

ثم وقفت السيدة فوريستر في الحال وقالت : ” تقولين أنك اشتريت عقد مجوهرات بدلا من  العقد القديم ؟ ”

ردت : ” نعم وأنت ألم تلاحظين ذلك وقتها؟ كانا يشبهان بعضهما تماما.”

ثم ابتسمت وهي مليئة بالفخر  والسرور العفوي  .

أخذت السيدة فوريستر يدي ماتيلد ثم وضعتها في يدها حزينة لما جرى  وقالت : ” أه…ياماتيلد البائسة الفقيرة ! لقد كان عقدي مزيفا ليس حقيقيا. لم يكن يساوي أكثر من مائة فرنك على الأكثر . ”

 

الحواشي :

(1)- غي دو موباسان : (1850-1893) أديب فرنسي كتب عدة روايات إضافة إلى مجموعات من القصص القصيرة التي تروي العنف اليومي بأسلوب يراوح ما بين الواقع والخيال. وُلد في مدينة فيكان الفرنسية، وعاش طفولته في ريف منطقة النورمندي التي كانت مصدر وحيه الأدبي. شارك في حرب 1870؛ ليتعين بعدها موظفاً إدارياً بسيطاً في باريس. بدأ الكتابة بتشجيع من غوستاف فلوبير صديق عائلته وأبيه الروحي، وتعرّف عن طريقه معظم أدباء تلك الفترة كإميل زولا و جوريس كارل ويسمانس وألفونس دوديهوالإخوة غونكور . شارك عام 1880 في كتابة العمل الجماعي «أمسيات ميدان» – الذي يعد بياناً للحركة الطبيعية في الأدب – بقصة « كرة السخام »  التي حازت إعجاب الأوساط الأدبية الباريسية. استقال موباسان بعد ذلك من وظيفته الحكومية، وتفرغ للكتابة، ونشر في اثني عشر عاماً خمس عشرة مجموعة من القصص القصيرة والحكايات وست روايات وكثيراً من المقالات الصحفية. ومن مجموعة القصصالقصيرة والحكايات «منزل تيلييه» و«حكايات المرأة البلهاء» و«حكايات
النهار والليل»  .  أظهر موپاسان منذ طفولته حساسية عالية أمام مظاهر العنف اليومي والقسوة التي تسود طبقات العامة من فلاحين وموظفين، وتميز بحسّ مراقبة عال لجميع مظاهر الخداع والقسوة التي سادت أواخر القرن التاسع عشر. وتأثر بعالم فلوبير الروائي وبفكر شوبنهاور السوداوي، وظهر ذلك في عالم رواياته الذي تميز بمأساويته وإحباطه، حيث تسود الأنانية والصلافة والحماقة وحيث «لا يتفوق فيه الإنسان على الحيوان إلا قليلاً» حسب تعبيره. استوحى موپاسان عالمه الروائي من العالم الريفي الخشن والشرس الذي عاش فيه طفولته ومن العالم الوضيع للموظفين الإداريين، وحتى من عالم البرجوازية الباريسي القاسي الذي عايشه فترة من حياته. ابتعد موپاسان في أواخر حياته عن التيار الواقعي مازجاً إياه بالخيال بتركيزه على عنصر قد يبدو للوهلة الأولى غير جدير بالاهتمام؛ لكنه كافٍ للكشف عن  العالم الدفين والخاص للشخصية مُدخلاً القارئ في عالم شبه سحري.

كتب موپاسان – إضافة إلى قصصه القصيرة – عدة أعمال روائية؛ من أهمها: «حياة» التي تروي الحياة البائسة لامرأة يعاملها زوجها بقسوة، و«الصديق الجميل» التي تروي الصعود الاجتماعي لصحفي استفاد من وسامته لتحقيق طموحه الاجتماعي. تُوفِّي موپاسان في مصحّ للأمراض العقلية بتأثير مرض أصابه في شبابه أدى إلى إصابته بهذيان هَلْوَسي.

 

(2)- محمد عبد الكريم يوسف (1965-) مواليد قرفيص/ سورية . مدرب ومترجم وأكاديمي و محاضر في الجامعات السورية   / رئيس قسم الترجمة سابقا في الشركة السورية لنقل النفط / رئيس دائرة العقود والمشتريات الخارجية سابقا في الشركة السورية لنقل النفط / حاليا رئيس دائرة التنمية الإدارية في الشركة السورية لنقل النفط. يكتب في الصحف العربية والأمريكية .مؤلف ” معجم مصطلحات وقوانين الشحن البري البحري الجوي” و ” قاموس المنتجات الصناعية ” وكتاب ” الصياغة القانونية للعقود التجارية في القطاع العام والخاص والمشترك باللغتين العربية والانكليزية  ” .

(3)- العنوان الأصلي للقصة  والمصدر:

The necklace , 10 Short Stories , Ministry of Education, Syria , 1980-1981

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!