امرأة في قبضتها مدينة / بقلم القاصة الأردنية فداء الحديدي

 

عندما دخلت إلى شوارع هذه المدينة , حسبتها مثل كل المدن شوارعها , أهلها , أزقّتها و شوارعها الضيقة كايّ مدينة خارج العاصمة , تجولت في شارعها الرئيسي الذي وصلت إليه بعدما قطعت مسافة طويلة .
كنت مبتهجة مسرورة , كنت أعتقد أن الامان الذي أوصلني إليها هو سر بهجتي و سعادتي ومضيت في طريقي إلى حيث أريد أن أصل , دخلت بالسيارة إلى شارع فرعي صغير , نظرت صوب العنوان الذي وصف إليّ قبل مغادرتي لكن لم يكن لي حظوة في ايجاد اسم الشارع او حتى اي رقم يدلني عليه .
وجه سيدة في عقدما الخامس او السادس رأتني و انا أجول ببصري هنا و هناك , أبحث دون أن اسأل .. فقد تعودنا بعد ان كبرنا ان نستقل , و لا زلت لا أعلم عن ماذا نستقل ولما نهرب من طلب مساعدة أحد وقد نكتفي بهاتفنا او الخرائط التي ان اوصلتنا الى طريق فلن نستطيع العودة الى هذا الطريق الا معها , فقدنا الامكنة وفقدنا روح المكان و الناس , روح السيدة كان أقوى مني و أشجع , اقتربت من نافذة السيارة و انا أنظر بعدما توقفت , وقبل أن تسألني مرادي دعتني لاترجّل و اشرب معها فنجان قهوتها- السادة الصباحي .
لا شيء منعني من الترجل فروحها كانت اجمل من ارفض او امتنع , صافحتها و سألت عن عنواني التائهة امام عنوانها الذي بقي خالدا توارثته جيلا يعد جيل , كانت تلف رأسها بغطاء جميل ليس كما نراه في كل يوم و في كل مدينة.. كان يعلو رأسها بجلال و ثبات ملونا بالوان خاصة ربما الاحمر كان سيدها مع الاسود .
غادرت احييها و انا انظر الى لباسها الجميل , فهي من تعيدنا الى ماض أجمل نكاد ان ننساه او نرحل عنه .. دخلت الى شارع ثم حي صغير ثم زقاق بعيد , السيدة تجلس على درج بيتها , درجات قليلة تحتسي كأس الشاي الأحمر , وكانني لم ار يوما الشاي الاحمر كان يتلألآ من بعيد في يديها دون زخرفة او خطوط براقة تخطف البصر قبل ان نحتسيه ..لازلت ترتدي لباسها و انا انظر اليها من بعيد و اسال نفسي كيف وصلت و قطعت تلك المسافة راجلة حتى التقيها هنا مرة اخرى .
اوقفت سيارتي امام بيتها الذي احتضن كل انواع الزهور , الزهور ليست تلك الزهور التي نبتاعها من مشتل هنا او هناك , كل زهرة كانت تحمل معها قصة و حكاية , اقتربت منها مبتسمة لها , قبل ان احدثها تركت لي مساحة صغيرة لأجلس بجوارها و هي تمد يدها الى زهرة ريحان في علبة سمن قديمة , ابقت على اثر الماضي حتى في زهراتها , قبل ان اتلفظ بكلمة بادرتني … افلحي و اشربي شاي .
و بعد ان افلحت و شربت معها الشاي الاحمر الداكن المحلى بحلاوة لسان و ورح السيدة غادرت و انا احمل منها عبق الماضي و تاريخ النساء في مدينتها الى طريقي الذي وصفته لي من جديد .
شارع و زقاق و شارع إلى أخر كانت السيدة تتنقل في كل مكان و كل حي وكل شارع . اثارت إعجابي بما تميزت به هذه المدينة العجيبة , لست اتحدث عن قرية نائية احتفظت نساءها بلباسهن الخاص بل مدينة كبيرة تنافس العاصمة في سكانها و مساحتها .
كلما دخلت في طريق كانت السيدة تلبس نفس اللباس و نفس الالوان ,كلما انتقلت من حي الى حي , كانت تحمّلني الحنين الى ماض نسيت الوانه و طقوسه, كلما توقفت في مكان , لمحتها بردائها القديم التراثي الذي احيا روحي قبل ان يحيي في قلبي الحنين لكل شيء .
وصلت أخيرا إلى محطتي . السيدة صاحبة السنين الماضية تنتظر بجانب مدخل المكان , ما اجمل لباسها , وما أجمل هذه المدينة التي تميزت عن اغلب المدن بنسائها اللواتي تشابهن في لباسهن , اللواتي لم يغيرهن الزمن و لا حضارة التمدن , نسوة حملن على اعناقهن تاريخ مدينة , تراثها , لباسها , عاداتها , اقتربت منها , وجها البسوم عرفته , اقتربت منها , السيدة في عقدها العشرين تحييني و تدعوني الى الدخول الى مقر ملتقانا الادبي في مدينة اربد…

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!