جمرُ الضلوع. قصة قصيرة. الأديب السوري نجيب كيَّالي

لصحيفة آفاق حرة :
_______________

جمرُ الضلوع

قصة قصيرة

نجيب كيَّالي

يقولون: (أرضُ الله واسعة)، لكنَّ رامز له رأيٌ آخر.
وقفُ تحت السماء ذاتَ نهار بجراح روحه النازفة، بجمر ضلوعه الذي يُحرقُ سبعةَ أكوان! رفع ذراعيه، خاطب المولى:
– اللهم لا أسألك خلاصاً، فقد طلبتُ ذلك منذ سنوات، لكنك- يا سيدَ العطاء- لم تستجب! أسألك الآن أن تجعلني عصفوراً.. نعم مجرَّدَ عصفور. هل هذا أمرٌ صعب؟
مرَّ شهر، شهران، لم يتحقق فيهما رجاءُ رامز!
ذاتَ صباح عاد إلى موقفه تحت السماء، عاد بجراحٍ زاد نزيفها، فبكى، وبعد موجةِ بكائه قال:
– يا مُعطِّرَ الأكوان.. يا حنَّان، يا منَّان. أظنني تطاولتُ كثيراً حين رجوتُكَ أن تجعلني عصفوراً.. أي من ذواتِ الأجنحة. أرجوكَ الآن أن تجعلني مخلوقاً من ذواتِ القوائم: خروفاً أو كلباً أو قطة. القطة ترضيني، تناسبني.
دارَ دولابُ الزمن، مرت أربعةُ شهور، ولم يتحقق ما أراده رامز!
عاد إلى موقفه، كان ناحلاً جداً، عيناه تزربان دمعاً غزيراً، كما يزرب دلو مثقوب كميةَ الماء الموجودةَ فيه! بعد أن رفع يديه إلى السماء قال:
– ربما استكثرتَ عليَّ يا مولاي أن أكون خروفاً أو قطة! أسألك أدنى شيءٍ في هذا الكون.. شيءٍ بسيطٍ للغاية، اجعلني دودة.
فجأةً حدثَ ما لم يتوقعه رامز! سمع صوتاً كرفيفِ أجنحة في الأعلى، ولمح كتلةَ نورٍ عَجِزَ عن التحديق فيها، (لعله ملاك) قال لنفسه، ثم سمع صوتاً يسأل:
– لماذا تقسو على نفسك أيها الشاب؟! تريد أن تكونَ عصفوراً، خروفاً، أو حتى دودةَ حقل؟!
صمتَ الشاب، ثم انفجر صارخاً: أحقاً لا تدري؟! أحقاً لا تعرف يا صاحبَ البهاء؟! لأنني- باختصار- من أرضٍ منحوسةٍ متعوسة، اسمُها: سوريا، بات اسمُها ذاك لعنةً، واسمي كذلك، لأنني منها! اضطررتُ للهرب من جحيم الحرب فيها، لكنَّ الجميعَ يرفع في وجهي لافتةً مكتوباً عليها: ممنوعٌ البقاءُ عندنا! حتى حجارةُ الحدود في جميع الدول تقول لي: هيَّا إلى الخلف! حتى الأعشابُ ترفضني إذا حاولتُ الاضطجاع عليها في العراء!
انهارَ الشاب على الأرض، ابتلعته دموعه، ثم نهض، وروى للملاك الملحمة السورية الفظيعة التي بدأت بمظاهرات عام ٢٠١١، ثم انقلبت إلى حرب.. إلى كارثة.. إلى شيءٍ لا اسم له! أضاف بصوتٍ مرتجف: العصفور، الخروف، دودة الحقل تستطيع أن تذهبَ حيث تشاء، ولا أحدَ يسألها عن جنسيتها، فأمامها أرضُ الله واسعة، لكنَّ أرضَهُ ضيقةٌ عليَّ، صغيرةٌ، وخانقة.

….
سوريا

عن هشام شمسان

هشام سعيد شمسان أديب وكاتب يمني مهتم بالنقد الثقافي والأدبي ، ويكتب القصة القصيرة والشعر . له عددمن المؤلفات النقدية والسردية والشعرية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!