رسائل عاشق يحتضر ( الرسالة الأولى ) بقلم : عبد الرقيب طاهر / اليمن

أنا لستُ بخير ياسيدتي ،، أعتقد بأن الأمر لم يعد مهماً بالنسبة إليك ،، عشية البارحة أخبرني الطبيب بأن المرض أستشرى ببقايا جسدي المليء بالحزن والمرض .. يبدُ هذه المرة لم يعد من ثمةِ أمل للنجاة ….!! لم يعد الموت يُخيفني كثيراً ولم أكترث إن كان قاسياً أو رحيماً حين سيأتي ،، فقد علمتني هذه الحياة المملة بعدم الإكتراث مطلقاً حتى من الموت نفسه … لذا سأكون مبتسماً و هازئاً به حين يأتي كنمر جائع يرى وجبته الأخيرة … لن أتوسل اليه و سوف أنجحُ في إغاضتهِ وقهره … بعد عِقدٍ ونيف من الزمن قضيتها بعيداً عن الأهل والوطن والأصدقاء سوف ألقى حتفي هنا بشجاعة محارب يوناني قديم في هذه الصحراء المتراميةُ الأطراف وفي هذه الغرفة المصنوعة من الزنك والخشب قضيتُ جل سنوات عمري أعملُ على شاحنةٍ ألمانية عتيقة الصنع أحببتها وعشقتها كما عشقتك تماماً …. تجولتُ كثيراً في عواصم ومدن العالم كنت ألقاكي مع كل بسمةِ طفلٍ بري ونسمة هواءٍ نقي مع كل غُنج إمرأة وزخم مدينة كنتي تصطحبيني فيها …. مع كل ذلك لم أجدْ لك شبيهاً بين النساء إلا في أشعار نزار وصوت كاظم كنتُ أحس بثمة بقايا منك هناك … كم أنا سخيفٌ جداً حين عشقتك كل ذلك العشق المجنون ولم أبقي للعاشقين شيء يتزودن به …. هاأنا ذا اليوم أضحكُ على نفسي كثيراً بعد أن غزاني الشيب ودبَ في جسدي المرض ومازلتُ أحتفظُ بقنينة عطرك الفارغة التي أهديتها لي منذُ كنا في فصل المدرسة …. أتذكرين ذلك الطفلُ السمين ؟ الذي كان يقعد في الصف الأمامي ! حين تشاجرتُ معه كان سبب ذلك الشجار هو إنتي فقط ،، شعرت بالغيرة منه حين أحسست أنه يزاحمني في النظر إليك ومغازلتك .. .. حين عظني على كتفي ككلب مسعور كانت يدك التي وضعت على جرحي الغائر بقايا من مرهم الدواء التي كنتي تحتفضين به في حقيبتك الصغيرة … كنتي تكيلين له مزيداً من اللعنات وددتُ حينها لو عظني أكثر وأكثر كي أستحق عطفك ويستحق هو سخطك … كم تنتابني موجة عارمة من الضحك الهستيري حين أتذكر بعض من مواقفي المجنونة لأجل أن ألفتُ نظرك نحوي… أخبيرني كيف إنتي يا …..؟! وددت أن أكمل هذا الفراغ بكلمة (ياحبيبتي) لكني أعلم بأنك لم تعودي حبيبتي ولن تصلك رسالتي هذه … فقط أردتُ البوحَ بما يختلجُ في كياني على هذه الورق التي ربما ستحتفظ بسري بعد موتي فقلبي الصغير لم يعد يحتمل .. سأضعها حين أفرغُ من الانتهاء منها عند رأسي كي تدفن معي ويموت السر معي ….. قالوا بأنك أسميتي ولدك البكر كا إسمي كم راقني ذلك الخبر حين سمعته من عزيزٍ زفه إليا …. هل هو ولداٌ صالح ؟ هل يشبهني نوعاً ماء أم يشبهُ أباه ذلك الرجل الضخم الذي تشاجرتُ معه في الفصل وعضني بقوة فعضته مازالت أثرها ظاهرةٌ على كتفي كوشم مصارع أسود …. أعلمُ بأنك كنتي مرغمةٌ بالزواج منه لأجل المال الذي يمتلكهُ أباه حين كنتُ أنا مصاب بداء الفقر والعوز .. كانت أسرتك تختاره لك عريساً كي تنعمي معه بطعم السعادة ووفرة العيش هل ياترى حقق مرادهم ومرادك ؟ شفيقٌ أنا بك كيف يستطيع أن يمنحك السعادة ؟ وسعادتك كانت معي ، مفاتيح السعادة التي تليقُ بك هي معي انا فقط …. تباً لي …. لم يعد من متسع للحديث أكثر أشعر بالبرد يداهمني من اطرافي الموت يتسلل إليا بهدوء كلصٍ محترف ولم أكمل رسالتي بعد .. لن أسألهُ أن كان مصيري الي الجنة أم إلى النار ؟ كم أضحك على نفسي كثيراً ، ، أي عمل سوف يُؤهلني لبلوغ الجِنان ..؟! يقولون بأن الرب رحيمٌ جداً لا يحاسب المرء إلا برحمته وليس بعمله …. هذا الامر يدعوني للتفائل لربما كان بلاء عشقك كفيلاً بأن يغفر الرب لي….. لا أريد منه شيئاً غير حورية تشبهك كثيراً اذا أبتسم لي الحظ وحزتُ على رحمة الرب …….. ياإلهي ماأقسى أن تموت وحيداً وأن تقابل الموت وحدك دون رفيقٍ أو قريب …… تباً لهذه الليلة الكئيبة الباردة … وح وح وح وح واح أشعرُ بالبرد لعله برد الموت يداهمني من أطرافي ولم أنهي رسالتي بعد …… سا أتريثُ قليلاً لعلي أحظى بفرصة أخرى لكتابة رسالتي الثانية .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!