عالم افتراضي / بقلم : القاصة المغربية الدكتورة بلقيس بابو

أظن أن الناس لا تلتقي صدفة، و أن الأشياء لا تحدث عشوائية، توجد  مواعيد لكل شيء، هناك أرواح تلتقي قبل الأجساد أحيانا..

هناك أشخاص نقابلهم صدفة يحددون معنى  وجودنا، يبدلون نكهة حياتنا أو ربما  يغيرون مصيرنا إلى الأبد.

في بعض الأحيان لا نعرف أننا  نسير نحو لقاء ما، نلتحق بعمل  جديد، نسافر لسبب أو لآخر ، نُدعى لحفل ما،  و ربما نسبح على أمواج العالم الأزرق، وما كل هذا إلا ظروف مهيِّأة لوقوع حدث هام.. يُخْرِج أفضل ما فينا ..و ربما الأسوء..

بالأمس، كنت أرغب في وقت للتأمل ، لا أستطيع أخذ أيّ قرار

رغبت البارحة أن أكون في  جبة شخص آخر، له أجنحة..

منذ تعارفنا في العالم الافتراضي من  شهور وأنا أخشى قدوم هذا اليوم.. يوم اللقاء الحقيقي..فالحلم كان جميلا جدا..ماذا لو ظللنا كما كنَّا، حبيبين في عالم افتراضي، لا أحد يعكر صفْوَنا…

قبل الأمس كان لدي الكثير لأقوله لك،  أردت أن أخبرك أنني أفتقدك كثيرًا ، نسيت كل شيء …

أعجز عن التفكير ، يشلُّ التوتر كل جوارحي ، أشعر كأني موجة، مهما علت تنكسر عند الشاطئ، كما لم تكن، بعدها يستأنف البحر غير آبِهٍ حركات ذهاب وإياب لا نهاية لها.

أشعر بأنني ممزقة….ضائعة..

متعبة… لكن سعيدة…

إنك سعادتي التعيسة.

أريد وقتًا للتوقف …

يوجد البيت  على بعد قدم واحدة على البحر ، وفي غرفة نومي نافذة كبيرة يمكن من خلالها رؤية ضخامة هذا البحر والاستماع إلى سمفونيات أمواجه.

تهبُّ رياح تجعلني أشعر بالخوف،  و بداخلي صوتٌ  يهمس لي أنك سوف يأتي، و أصوات تزرع الرعب بين أحشائي..

هل تذكر البيت الذي على التَّل، ذاك الذي بنيناه بأحلامنا معاً ؟! هذا هو المكان الذي سأنتظرك فيه ، أعلم أنك مشغول جدًا ، لكنني سأنتظر كل الوقت الذي تستغرقه … سأجعل نفسي جميلة من أجلك ، سأختار الموسيقى التي تحبها ، سأكون هناك من أجلك ومن أجلك فقط …

سأنتظر وصولك، أفتح لك الباب قبل أن تطرقها وأسرع لألقي نفسي بين ذراعيك وأشعر بنبض قلبك …

أضيء ألف شمعة ، ولن يكون ذلك كافياً، ماذا لو منحتني السماء نجومها لليلة واحدة؟؟..

قبل وصولك سأغمض عيني حتى يسيطر الحلم و يسود الأمل كل ركن من أركان هذا البيت الخشبي .. أغمض عيني وأنسى من أكون،

أحلم بأصابعك تنحت ملامح وجهي، كأنك تريد أن ترسمها بذاكرتك..

سأظل … أتخيل آلاف المشاهد.

لا أعرف شكلك إلا من خلال بعض الصور ، التي أرسلتها لي، لكنها كافية جدا  لتركيبة أحلامي،  صوتك أعرفه جيدا، فقد  تحادثنا في بعض الأحيان و كتبنا الكثير الكثير من الرسائل، تشاركنا الأسرار،  وبُحنا بكثير من المشاعر …

يصدر الهاتف إشارة بوصول رسالة منك ، تقول إن طائرتك قد حطّت، و أنك تستقل سيارة الأجرة.

قلبي يخفق بسرعة ، ماهذا الرهاب الذي أشعر به، لا أصدق أني سأراك حقّا، و أني سأقابلك حقيقة بعد كل هذه المدّة،  تتوالى رسائلك مذكياً نار الشوق..

أسمع نقر الباب، أقفز من مكاني، أفتح، إذ هو شخص آخر ..

– من أنت سيدي ؟من تريد ؟

– أنا حبيبك ، وصلت منذ قليل ، ألم تصلك رسائلي؟

– ولكنك لست أنت ؟ لست الشخص الذي أعرفه على الصور ؟ لست أنت ، لست أنت…

– دعيني أدخل و سأشرح لكِ

– لا يمكن أن تدخل، أنا لا أعرف من تكون..

– أرغمتني ظروف عملي ألا أرسل صوري الحقيقية، أرجوكِ،  اتركي لي فرصة كي أوضح الأمر..

– ألا تدرك أنك كنت تكذب كل ذاك الوقت الذي مضى، أنت الآن شخص غريب.. الحكاية كلها صارت كذبة..

-أرجوك ، اسمعيني…لم أكذب في باقي الأشياء.. سأوضح ، أرجوك ..

اقفل الباب بقوة كمن يريد ألا يُفتح مجددا… أخرج مهرولة من الباب الخلفي المؤدِّي إلى الشاطئ ، أحفر حفرة كبيرة،  يختلط على وجهي العرق بالدموع، تبدو الحفرة كبيرة الآن، أدفن سذاجتي و أغطيها بكثير من التراب و الحجارة،    أدعو لها بالمغفرة،  وأرحل مسرعة لأدرك ما بقي من اليوم للاحتفال بذكرى ميلادي..

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!