عريس الغفلة / بقلم : نورالدين بنبلا

بخطوات تنم عن ثقل شخصية السيد صالح. وسط جنة تملأها  خضرة زاهية، تترنح معها الروح بين عشق الذات وحب الطبيعة.

كان يسير في هدوء وأريج تلك الجنة تهب نسائمه على وجهه،فارتفعت وثيرة تأمله الذي انقطع بنظرة خاطفة الى دعسوقتين ، تتناثران هرمون العشق وتثوقان الى نسج خيوط مشاعر الترابط بينهما.

اندهش صالح من تصرفهما، واستغرب لشح مشاعره العاطفية، واخفاقه في إيجاد شريكة تحمل على عاتقها عبء إسعاف فؤاده الذي كاد  أن يتجمد ويتصلب.

في غمرة انتشائه ، انتزعه صوت رخيم وعذب من عمق التيه  المسيج لحقل التفكير عنده، فتأرجح بين صدمة صحوة واقعه الباهت وغيبوبة أفقدته الأمل في العودة الى وعيه. استفاق الشاب مرعوباوكأن الثمالة بلغت حد الرعشة لديه:

_ ياصالح ، ياصالح .

تحرىالمصدر، وبدون جدوى حاول في اتجاهات متعددةأن يتتبع ترددات الصوت المجهول الذي أخرجه عن المسار الصحيح لمكانتواجده. اقترب من شجرة لوز مورقة ارتدت حلة مرصعة  ببياض كالثلج، وما كاد يصل حتى  ترامى امامه قد نسوي مقدود وممشوق، هندسة ربانية، بوجه وضاء ، وثغر ارتسمت عليه ابتسامة لاحت منه نصاعة الأسنان. فعلت الدهشة محياه قائلا:

_ من أنـت؟

_ الا تعرفني ؟ انظر جيدا.

لم تسعفه ذاكرته المثقلة بأحلام العصافير في استحضار كل لحظة من ماضيه السحيق.

_ لا يهم ،اكنت انسية أم جنية.

ضحكت و قهقهت ،و تمايلت  ، ورقصت رقصة غجرية مجنونة وكأنها حورية تفر الى السماء. رقصة تمايل معها الجسد ونطق بكل دواخله ومكنوناته. توقفت ثم تقدمت نحو الشاب وهي متأكدة من مقذرتها على مد يديها إلى يديه. تجمد الدم في عروقه، واهتزت أحشاؤه في لحظة ذهول شبيهة بلقطة متجمدة مستقطعة من فيلم صامت.

لم يعد من نافلة القول أن يظل مشدوهاالى صورة تلك الحورية التي تتقاذفها الامواج داخل جمجمة رأسه، وإنما صارعليه حتما الركوض وراء طيفها.

توسل اليها صارخا ، لكنه لم يتلقى أي رد.كانت تركض عكس الإرادة ، أسرع من لحظة خاطفة تدعوه إلى تسليم الروح والجسد. لم يكن باستطاعته الصمود والتجلد أمام هذه القوة الجارفة، دون أن يستدير أو يأبه إلى نغمات السكون وعبق الزمن المخبري القصير . لم يكن يدري أن آلة السفر عبر الزمن هي ابتكار عقل أنثويجامح وقوي، له القدرة على اللف والدوران بسرعة تختلط فيها الألوانوتتشابك فيها خيوط لعبة لا وجود لحل ألغاز نهايتها.

وسط الدائرة وعلى نغمات قرع الطبول ، انضبط ايقاع موسيقى رتيبة ، كاد معها صوت الناقوس أن يكون نشازا. وشكلت الزغردات الأمازيغية فرصة منحها إياه القدر ليقف على رجليه ويتحرك بين جماعة الأصدقاء وهم يرتدون ملابس العرس الاحتفالية.

وبعد انتهاء مراسم انتقال الروح وتغيير مسار برجها،هم بالانصراف ، وحاول مرافقة الحضور،لكن واحدا منهم شد بقسوة على كتف صالح وقال له: انت الوحيد الذي لا يستطيع الانصراف من هنا. وعندئّذ،أدرك أن اللقاء المفاجئ لغجرية أمازيغية يكون مصيره حتما السجن الذهبي الذي ينعدم الخروج منه إلى الأبد.

 

 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!