عواء في قاعة المحكمة/ بقلم خالد محمود الصقور

احتشدت المحكمة بالمواطنين … ارتسمت علامات الاستفهام على الشفاه….. الكل ينتظر الحكم !!
قال المحامي :
– لم يكن قتله لتلك الذئاب إلا من دافع الخوف على القطيع….
قاطعه ممثل الادعاء:
– لكن تلك الذئاب لم تهاجم القطيع ، وكانت تسير باطمئنان بينها.
لم يحتمل الراعي هذه الكلمات ، أخذ يضرب القضبان بكلتا يديه ، و يصرخ :
– ومتى كنتم تحتملون رؤية الذئاب بين قطعانكم؟!
طرق القاضي على الطاولة :
– اهدأ ، لم يطلب منك الكلام .
قال المحامي :
– ألتمس من حضرتكم العذر لموكلي .
-لا بأس ، هل لديك ما تضيفه ؟!
– نعم ، سيدي القاضي .
– هات ما عندك.
– سيدي القاضي ، حضرات المستشارين ، نحن نعلم أن هذه الذئاب تثير القطيع ، وتستفز الرعاة ، فخشي موكلي من هجومها و مكرها ؛ لذلك أطلق الرصاص عليها.
التفت القاضي لممثل الادعاء:
– هل لديك ما تضيفه؟
وباستخفاف ، التفت ممثل الادعاء للراعي :
– هل كنت تخاف مكرها؟! لا أظن هذا ، فقد اعتدنا على وجودها بيننا مذ عقدت الاتفاقية مع قادة محميتها ، لقد خافوا عليها من الانقراض ،لقد تعبوا كثيراً من أجل الحفاظ عليها ، و إيجاد هذه المحمية الآمنة لها .
ارتفع صوت الراعي محتداً :
– ماذا؟! خافوا عليها من الانقراض…ههههه….كلا يا سيدي،لقد تخلصوا منها و من غدرها، و أتوا بها ههنا ؛ لتحس قطعانهم بالأمان !!!
طرق القاضي على الطاولة مستنكراً :
– إن تكلمت مرة أخرى لن يسمح لك بحضور هذه الجلسة.
رد المحامي :
– ألتمس العذر يا سيدي لموكلي ؛لأنه يمر بمرحلة عصيبة .
– نقبل التماسك ، هل لديك ماتضيفه؟
– نعم ، سيدي القاضي. لا يوجد لدى المحكمة دليل واحد يؤكد أن الذئاب لا تخفي العداوة الفطرية المتأصلة للقطيع.
ألم تعلم المحكمة أنهم حاولوااستئصالها و القضاء عليها،إنها لا تنفك عن الإيقاع بالقطيع على غفلة من الرعاة.
إنها تترصد بالقطيع حتى تسنح لها الفرصة فتنقض عليه بوحشية ودون رحمة.
الهدوء يعم المكان ، بدأ الارتياح يرتسم على وجوه الحاضرين ، القاضي يهمس في أذنيَ مستشاريه……
قال ممثل ( الادعاء (مقاطعاً:
– عذرا سيدي القاضي ، أنا لا أقبل هذا الكلام ، لقد وصلت إلينا طمأنات كثيرة من قادة المحمية مفادها أنهم استطاعوا ترويضها، و تهجينها، وتدريبها ؛ لتعيش بأمان بين القطعان، ولقد لمسنا ذلك في الفترةالأخيرة.
هنالك شهود عيان تؤكد عدم اعتراض الذئاب للراعي أوالقطيع ،سيدي.
أنصت الجميع باستغراب، قال القاضي:
– من شهودك ؟!
– الذئاب التي شهدت الحادثة .
– ماذا؟! ذئاب ؟1
– نعم، الذ ئاب .
– هل أنت جاد فيم تقول؟!!
– نعم ،سيدي القاضي ،الذئاب.
-هل تستطيع إحضارها؟!
– إنها هنا سيدي ، في المحكمة.
– أحضرها إذن .
الكل ينتظر بدهشة ، تدخل الذئاب ، ترتفع الأصوات مستهجنة الحدث ، لم يستطع القاضي و المستشارون أن يمسكوا بأنفسهم عن الضحك ،والراعي الجاثم وراء القضبان يومئ برأسه هازئاً .
قال القاضي (ساخراً: (
– وكيف نستجوبها؟!
– لا تقلق سيدي لدينا كادر من المروضين المعترف بهم دوليا قادر على فهم عوائها سيدي.
– أحضرأحدهم، إذن!.
ينهض رجل من بين الحاضرين ، يتقدم بثقة ، يقف أمام القاضي ، يشير للذئاب بالعواء ؛ يفسر عواءها للقاضي : (الراعي يقتل الذئاب عن سبق إصرار و ترصد (
المحامي لا يستطيع الصبر ، يقاطع العواء محتداً :
-عفواً سيدي القاضي ! لا يوجد قانون يبيح للذئاب أن تشهد على القطيع أو من يرعونه ، وهذا يخالف ما تعارفنا عليه في شرائعنا و قوانيننا .
يتفاجأ القاضي بكلام المحامي ؛ يوشوش مستشاريه بعد أن هز رأسه أمام المحامي مرتاحاً لقوله….بدا للجميع أن ما قاله المحامي لاقى صدى في أنفسهم ، والراعي الجاثم وراء القضبان أخذ يلوح بيديه ؛ متفائلاً بالنصر المؤزرالذي سيحظى به.
ممثل الادعاء( يشتاط غضباً ) :
– سيدي القاضي ، الزمن يتغير، والقوانين تغيرت.
يطرق القاضي على الطاولة مقاطعاً ممثل الادعاء قائلاً:
– رفعت الجلسة للنطق بالحكم.
يختفي ممثل الادعاء عن الأنظار للحظات ، ثم يعود مبتسماً ، ينصرف المحامي ؛ ليهنئ الراعي بالبراءة المتوقعة حتماً ، وجوه كثيرة يظهرعليها الرضا و الارتياح ، يبدو أن الأمر قد حسمه هذا المحامي الحذق ، ومصيرخزعبلات الادعاء إلى زوال.
يدخل القاضي و المستشارون قاعة المحكمة..عبوس ودهشة تؤرقان ملامحهم …يجلسون بتثاقل …كان آخرهم القاضي الذي تظهر عليه علامات الإعياء ..يحني رأسه …..يطرق على الطاولة …
– بعد النظر في القضية ، والإحاطة بجميع ظروفها وملابساتها ، وسماع عواء الذئاب،حكمت المحكمة على المتهم ……..
لم يستطع القاضي أن يتم عبارته …يقع عن الكرسي على كتف أحد مستشاريه …بعض الناس أصيبوا بالدهشة…. وبعضهم بالصدمة….. وبعضهم لم يتمالكوا أنفسهم عن الضحك….وبعضهم انشغل بسلامة القاضي وفي مقدمتهم : ممثل الادعاء،والمحامي….ومازال الراعي يصرخ و يتمتم…

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!