فوبيا/ بقلم:أميمة راجح ( اليمن )

آفاق حرة
********

في المحل التجاري وضعت الملابس في حقيبتي الواسعة على عجالة، لم أتأكد من مقاساتها ولم أستطع حتى التفكير في ملائمتها لي، لقد كانت الصدمة وبجانبها الذعر القديم حاضران بقوة، وخرجت أخيرا من هناك أشتم بصوت هامس سنوات الدراسة الإبتدائية وجبني وضآلة حجمي آنذاك وصمتي الدائم، وعدت للبيت بخطوات راجفة لأكتشف هناك أن كل ما اشتريته لا يناسبني البتة من حيث الحجم، وأستغربت أمي عدم انتباهي لهكذا تفاصيل وقالت لي بحنق: “ما أحد بيشتري لنفسه أكبر منه يا خبلا* مالش مابسرتيهن في المحل هن عليش أو مع، غدوه رجعيهن وأدي أصغر منهن عذاب البغل من السنه”
كنت أود إخبار أمي بحماقاتي منذ الطفولة، بالألم الذي اكتنزته في روحي منذ زمن، وبكمية الرعب الذي واجهته اليوم في المحل التجاري إلا أنني لم أفعل، الحديث عن هذا الأمر الآن في هذا العمر وبنفس درجة الرهبة أمرا ليس جيدا البته، إنه لن يصلح الوضع، لن يعيد لي شجاعتي المسفوك دمها فوق وجهي الطفولي وجسدي الصغير منذ كنت في التاسعة، إبتلعت تذمر أمي وسخريتها مما حدث بهدوء وابتسامة صلبة لا تليق بجبانة مثلي وحملت الملابس الجديدة واتجهت لغرفتي أفكر في حيلة أقنع بها إحدى شقيقاتي للعودة لذلك المحل ولذلك البائع البغيض وإصلاح ما أفسدته، قضيت الليلة كاملة في التفكير وإسترجاع الذكريات القاسية والإنتفاض منها تحت بطانيتي وفشلت في إيجاد ذريعة ممتازة تعفيني عن العودة للمحل التجاري.
في الصباح اتصلت لشقيقتي الوسطى توسلتها بأن تعيد الملبوسات وحدها وأعلمتها بالعنوان والأسعار وكل مايلزمها ووعدتني هي بالذهاب بدلا عني دون أن تسأل كيف ولماذا وووووالخ.
في المساء دخلت أختي غرفتي تلتصق بشفتيها ابتسامة مكر واسعة قالت لي: رأيت البائع لقد كان يشبهه يشبهه تماما، لولا لون عينيه لقلت إنه هو.
ومطت شفتيها بسخرية وتابعت:
كنت أظنك نسيتي الماضي خاصه بعد أن صار طولك منافسا لطوله ههههههههههههههههههههههههههههه.
كانت سخريتها لاذعة، بل وموغلة في الوجع، وددت لحظتها ضربها على وجهها بقوة، ياللخيبة هذه اللحظة تذكرت أنني لا أجيد فن الضرب وأنني لو أجدته ما مستني هذه الإهانات أبدا.
تابعت أختي حديثها وسخريتها لكنني لم أعد أسمعها بل غرقت في ذكرياتي السيئة، كنت أسمع صوته فقط وهو يهددني، أشعر بكلتا يديه وهو يصفعني بشده على وجهي، وبقبضته القوية وهو يخنقني، لا أتذكر ملامح وجهه بالمقابل لازال جسده الضخم يتمدد في ذاكرتي بكل تفاصيله، لقد كان يفوقني في الحجم بشكل واضح، كان بامكانه تقييد كلتا يداي بيد واحده وشد شعري ونتف جديلتي بيده الأخرى، كنت مجرد دميه دميه لا حول لها ولا قوة في حضرته، وهو كان الطفل الشيطاني الذي يقطع دماه لعدة قطع بابتسامة غبية تليق بوجهه الدميم.
ضربتني أختي على كتفي، قفزت مرتعدة وقلت لها بصوت غاضب وباكي: كفي عن السخرية مني، فوبيا فوبيا خارج إرادتي تتملكني كلما تذكرته محمود المخبول.
وسكبت دموع حارة وغزيرة أندب كل المرات الذي ضربني فيها وتنمر عليا ولم أستطع حتى الصراخ في وجهه، كان الجميع يعلم المدرسات والمدير والطلاب وأسرته ومع ذلك لم يوقفه أحد.
سمعت صوت أختي الساخر مجددا: ستنتهي الفوبيا هذه حال زواجك.
ثم ضحكت بصوت عالي وتابعت: يقال أن عريس الغفلة -وغمزت لي بمشاغبة منقطعة النظير- طويل القامة عريض الأكتاف كمحمود اللعين.
دفعتها بقوة خارج الغرفة وأغلقت الباب مصدرة صوتا فظيعا واتكئت عليه وقلت في نفسي: ياويلي لم يتركني هذا المحمود صغيرة وكبيرة.
ثم تمددت على سريري أفكر في خطة لرفع وزني بما يكفي ليتضخم جسدي فيخافني الناس كما أخاف أنا الآن.

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!