ماريّا/ بقلم:خلود أنيس ابراهيم

الدّاخل إلى محلّها كمَن يدخل قطعة من الربيع أفلتَت لتعيش فوضَاها اللونية بحريّةٍ كاملة, وبكل أبعادها فتنشُرَ ما تيسّر لها من الألوان, و الجمال كيفما اتّفق, وفي كل الأنفس الّتي تقابلها مشابهةً بذلك جنّية الحب الصغيرة التي تنشر الحب بلا توقّف.
إذا فتحتِ الباب الزجاجي لن تُفاجَئي أبداً باتّساع المكان, أو بترتيبه .. بل ستُفاجئين بما يواجِهُكِ من الفوضى اللّونية, وستصطدِم عيناكِ بستارة مسدَلة يتنافرُ لونها مع بقيّة الألوان المنتشرة في المكان. قد تبدو لك الستارة , وكأنها النقطةُ النّهائية للمحلّ, أو أنّها تغطي الجدار لعلّةٍ فيه, ولكنك ستكتشفين لاحقاً أنّها قسمت المكان إلى قسمين شديدي الفوضى. القسم الأول الذي تدخلينه أولاً, وتواجهكِ فيه الفوضى, والقسم الثاني الذي لن تكتشفي مدى فوضاه إلا إذا دخلتيه لسببٍ ما.
على يمينكِ ستلاحظين توضُّعْ الكثير من الرفوف لتبلغ ارتفاعاً يعلو القامة حاملةً الكثير من الأكياس المختلفة الألوان مساهمةً في ازدياد صخب الفوضى اللّونية . أُلصِقَ على كلّ من هذه الأكياس قطعةٌ من الورق كُتِبَ عليها بضع كلمات تساهم في تمييزها عن بقية الأكياس.
كانت حياة تقف أمام طاولتها الخاصّة التي تحتلُّ قسماً كبيراً من محلها قياساً بمساحته المتوسّطة . تلك الطاولة التي كانت تقوم بكل عملها, أو بأغلبه عليها. تفردُ القماش .. تتفحّصُه .. تنظرُ إليه بتمعُّن …تفكّر تحك جبينها أحياناً .. تعاودُ النّظَر إلى المقاسات التي أخذتها من الزبائن … تعود إلى القماش ثم تتناول قطعةً من الطباشير البلاستيكي الملوّن, وتبدأ بوضع علامات متعدّدة بعد أن تكون قد قامت بعملية القياس بأداةٍ تسميها ( المازورة ) والتي غالباً تكون متدليّة حول عنقها.
أيضا على الطاولة تتناثر الدبابيس, وعدّة مقصّات, و أدواتٌ أخرى خاصة بالخياطة بالإضافة لمغناطيس كبير نسبياً لتجمعَ به دبابيسها, وأدواتها عند حاجتها لها.
من يرى حياة للمرة الأولى سيتساءل بالتأكيد: ( ألا تضيع وسط هذه الفوضى ؟ ) …
لا أعتقد أنها كانت تضيع أبداً فهذا ملعبها الذي اختارت اللعب فيه.
فمنذ أن كانت يافعة اختارت الخياطة مهنةً لها بشكل أثار استغراب كل من حولها, و كل من كان يعرفها في قريتها المستلقية على كتف تلّة صغيرة تمتدّ باتجاه الجنوب مستمتعةً بالدفء كراعٍ كسول يراقب قطيعَه من بعيد.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!