معركة الأيادي /بقلم :د ميسون حنا ( الأردن )

 

كنت ماشيا في طريقي إلى وظيفتي، الشوارع لا زالت مضيئة، عما قليل سأصل موقفا لحافلة تقلني إلى عملي، لمحت رغيفا على الرصيف، ونفسي الأمارة بالسوء جعلتني أتوقف قربه، ووسوسة شيطانية و

تحثني لألتقطه ، انحنيت ومددت يدي إذ بأياد كثيرة تسابقني إليه، تشابكت الأيادي، بينما سحبت يدي وانتحيت جانبا، لم أشأ العراك مع أياد لا أميز أصحابها، وقفت أراقب المعركة، وعما سترسي إليه إذ بيد كبيرة تطرد جميع الأيادي وتتربع فوق الرغيف الذي تفتت، وتناثرت أشلاؤه، ضحكت اليد الكبرى ثم تناولت أكبر كسرة من الرغيف واختفت، وحذت بقية الأيادي حذوها ، وتناولت كل واحدة كسرة وانسحبت، تمنيت من آعماقي أن يبقو لي شيئا، تفرقت جميع الأيادي بعد أن مشطت الفتات، نظرت إلى مكان الرغيف الفارغ، ومددت يدي وحفنت قبضة رمل نثرتها في الجو وواصلت دربي إلى موقف الحافلة، صعدت إليها، المقاعد مأهولة بركاب سبقوني، وقفت مع أناس غيري يحتشدون ، لم آبه باهتزاز الحافلة، كنا متلاحمين، أحدنا يسند الآخر، لمحت شابا يحمل رغيفا يشبه ذاك الذي لمحته على الرصيف، تسللت من بين المحتشدين في وسط الحافلة، واقتربت منه، نظرت إليه باهتمام وشغف، وسألته أين وجد هذا الرغيف؟ نظر إلي باستهزاء ولم يجب، أدركت بلاهة سؤالي، لكن الغريب أن أحدهم سأل ذات السؤال، ثم تكرر السؤال على لسان كل راكب من الركاب. دس الرجل الرغيف في صدره، وسد أذنيه ممتنعا عن الإصغاء لسؤال ملحاح يؤرقه، فكرت … الراتب بعيد، وبالتالي الرغيف بعيد كذلك، وهذا الرحل يحتضنه، ويدسه في صدره، ويستدفيء به . نظرت إليه مستغربا، حانقا، حاسدا، حائرا …آسفا لسوء طالعي الذي يبعدني عنه … ما علينا، توقفت الحافلة، نزلنا منها، وتوجه كل إلى غايته، وصلت عملي، كنت متأخرا، أنبني المدير، أخبرته عن معركة الأيادي التي بسببها تأخرت، نظر إلي مستهزئا وقال : كف عن أعذار لا يصدقها العقل، ويرفضها المنطق، هممت بالانسحاب ، تلكأت ، فوقع نظري على مكتبه إذ برغيف ساخن أمامه، شدني منظره، وجذبتني رائحته، توقفت أنظر إليه مندهشا وباشا … صرخ المدير : ما بك ؟ إذهب وباشر عملك فورا، انسحبت منكسا رأسي وبدأت يومي مكتئبا، نظر إلي زميلي وسألني عما يعكر صفوي، أخبرته عن معركة الأيادي، وعن رغيف المدير، وحتى عن رغيف ذلك الرجل في الحافلة، نظر إلي وهز رأسه بأسى كمن يرثي اختلال عقلي، ولكني لست مختلا، بدليل أني أسرد حكايتي بأدق تفاصيلها، أصابني كرب إذ لم يصدقني، وأخبرت زوجتي لم تصدق هي الأخرى مما زادني كآبة، وخصوصا آنها اتهمتني باللامبالاة ، نعتني بأنني عديم المسؤولية إذ لم أحضر خبزا للبيت، الشهر في منتصفه. جيبي فارع ، نظرت إليها متبلما ، صرخت : ماذا تنتظر؟ أحضر خبزا . تسللت من أمامها وغادرت المنزل، توجهت إلى الرصيف حيث وجدت الرغيف صباحا، علني أجد غيره، وقفت في ذات المكان الذي شهدت فيه معركة الأيادي … لم أر غير الرمل والوحل.خلا الشارع من المارة كذلك، وقفت أنتظر رغيفا يسقط من السماء، والسماء لا تُسقط غير المطر، ابتللت وعدت إلى منزلي، تسللت من أمام زوجتي، وأوصدت باب غرفتي دوني، ولم آبه بقرعها على الباب، ولا بصراخها، وشتائمها، وانزويت في ركن من الغرفة أحلم برغيف على الرصيف .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!