يوميات عصفور الموت/ بقلم : خالد محمود الصقور

(1)
يقفز بين الأغصان كملاك أنهكه الحنين، يتراقص، يغرد، يعبث بريشه المزهو، يداعب أشعة الشمس بحدقتين لامعتين.
لا أدري أي سحر سحرني به، كان لا يهدأ لي خاطر إلا إذا داعبت مشاعره، كم تمنيت أن أراقصه ، أن أغني معه، أن أمسكه بين يدي.
(2)
في الركن البعيد من القفص ، انكفأ على نفسه مكسورا، ریشه بدا أكثر ذبولا، حدقتاه بانت أقل اتساعا، الكل أمام نظراته محني إلا شموخا سرمديا شع من مقلتيه الحائرتين كمن يبحث عن حقيقة لهذا الوجود.
(3)
إنه يتخلى عن انكماشه في هذه اللحظة، يطير بين القضبان ، يضرب جسده بجناحيه، يصرخ، دماؤه تنزف.
(4)
أشعة الشمس تتسلل عبر القضبان، إناث جميلات من جنسه يحلقن أمامه، يهيم، دمع يختبيء في عينيه، نظراته لا تحمل إلا حيرة وغثيانا، لحظة سكون دامية اختفت بين جناحيه، ظننت أنه يستجديني؛ كي أرميه بين أحضان الشمس.
فكرت أن أفعل ذلك، وفي كل مرة أحاول فيها إدخال پدي إلى قفصه ينقرني بحدة حتى تسيل الدماء.
أقلعت عن فكرتي ، رجعت إلى مكاني الموبوء بضباب سجائري ، و اللوحات الحائرة، أحسست أن الجدران ترفضني ، انطويت على نفسي، صورته تحلق في ذاكرتي ، تسري في جسدي، ماذا جرى؟! تراني أحس بما يحس، لا بد وأني قد أصبت بعدوى غريبة.
(5)
كان لقاء مثيرا، شعرت بالدفء کمن أقلقه الترحال فحضنه حنين الديار، حاولت أن تقنعني أنها التراب الذي سيضم أجزائي المبعثرة في كل أنحاء الأرض، ضحكت وضحت لكن صورة العصفور لم تفارقني، أنا وهو سيان، تراه يبحث عن توحد مع الأنثى، أو يحلم بخلود نسله، کم راقب الإناث المحلقة وراء القضبان بوله، نعم، لا بد أنها الأنثى، ستحد من أحزانه، ستكون وطنه الجديد الذي يبحث عنه.
تلك الأنثى، كانت ترصده من علی المجاور، أتذكر أنها غازلته برفرفتها الساحرة، ونظراتها الدافئة.
(6)
أمسكت بالأنثي، سعدت بذلك، دلفتها إلى قفصه، انتصب منتشيا، نفض ريشه عدة مرات، نظراته أكثر حدة،اقتربت منه بلهفة، ظنت أنه العاشق المنتظر.
وبينما أرسم صورة رائعة لعاشقين، انقض عليها ينتف ريشها ، حاولت أن أهدئه، لم أستطع، غرس مخلبيه في جناحيها، غمد منقاره في حوصلتها، الدماء تناثرت، لطخت وجهه، والأنثى تترنح تحاول أن تلتقط أنفاسها الأخيرة.
(7)
صحوت على تغريد لم أعهده فيه من قبل، تأملت فيه، إنه أكثر سكينة، حدق بي بعيون فاترة، جناحاه ذابلان تظهر عليهما علامات الإعياء، كان في الزاوية البعيدة من باب القفص.
أستطيع الآن أن أخرجه من قفصه، مددت يدي، لم يتحرك ، أمسكته ، وضعته بين كفي، لوحت به لدقائق، رفرف بهدوء ، نظر للشمس، اشرأب بكبرياء، اتسعت عيناه، حاولت أن أطلقه للسماء، رمقني بحيرة، نزفت دموعه، حركته حتى يطير، جناحاه لم پرفرفا، حدقتاه تصلبتا باتجاه الشمس.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!