يوم عن عام كامل / بقلم : شروق سلامة الشعار

في ذلك العام.. في بداية شهر كانون يوم الجمعة، فترةِ المساء،
المساء الذي فرشَ على رؤوسنا عتمةً حالكةً..جلستُ أتأمّل بداية اللّيل بحدِّ ذاته..أتأمل عتمته..فأغيب بين النّسمات وأشرد بأصوات الصّدى المحطّم بعواء الكلاب، ساعتها طلَّ القمر بثوبه المرصّع بالصّخرالمحطّم المنير..طلّ بخجلٍ متناهٍ وكأنَّهُ عروسةً تنفضُ ثوبها البلَوْريّ لتُسعِد بضوئها الجميع،
حينها..
نقلتُ نظري بهدوءٍ إلى إطلالته ، ابتسمتُ..
ابتسمتُ له بشرودٍ وأملٍ متناهيان..
فجأة ..
شعرتُ على ذكرياتي تضع يدها المغبّرة بدماء نزيف الرّوح السّنويّ على كتفيْ وترنو إلى شرودي خائفةً عليّ..نظرتُ في عينيها وضحكتُ من قلبي.
استغربَت من ضحكتي التي سلبتها مني منذ سنين.. وتبلّجتْ قائلةً:
“الإنسان يحتاجُ لضوء كي يبتسمَ ويرى الواقع فينسى الذكريات.. ماإن يرى الضّوء حتى يمسُّ جمال الواقع فينسى نفسه وماكان عليه من خوف العتمة وريبتها”.
كان كلامُها يُخفي في طيّات حروفِهِ غموضاً متناهياً ثميناً..
فتلك الأحرف لم تكن عبثاً كانت رسالة..
شردتُ في هيكل صميمِ حروفها المتراصّة، وأغمضتُ عينيّ وبكيتُ من حيثُ لا أدري..
فبدأ قلبي بالخفقان..
شعرتُ وكأنَّ كلماتَها عزفت على أوتار قلبي معزوفةً شقَّ الدّماءُ منها دماءً…
ابتسمتُ تبلّجاً وفتحتُ عينيّ
“فأين الذّكريات..؟ كالعادة.. فتحَت نزيف جروحي لكن..أين رحلَت؟!!”
هل كنتُ أتخيّل وجودها…أم وُجِدَت لتَهِبَني رسالة ثمَّ ترحل؟!!
ومن ذلك الوقت وأنا أبكِ بلا دموع..وأتنفّس من حروف اللّوعة والاشتياق..وأحرص على جمع مثل هذه الرّسائل رسائلٌ فأحفظها بدفتر كلماتي وأصرف عليها من حبر دمائي وأُنعشها بمعزوفة من دقات قلبي..
أمّا الآن اخترتُ أن أنعِش قلبي بوقف الروتين، أخذتُ قراراً بتطبيقِ مايسعِد ذاتي بذاتي..أخذتُ قراراً ان أكفَّ عن صرفِ دموعي بمسح مغلفات ذكراها بحنين كلَّ يومٍ..أخذتُ قراراً أن أستفيد من مضمون حروفها المهترئة المبللة بالدماء الباردة ..
أخذتُ قراراً أن أبقَ أنا..
لو وقف الجميع بوجه الأنا وذاتي ومستقبلي..

عن جودي أتاسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!