الشاعرة نوار الشاطر تسنضيف الشاعر الدكنور حسان قمحية

آفــــــــــاق حــــــــــرة 

الشاعر د. حسان أحمد قمحية  في حوار خاص :

ضيفي اليوم شخصية مميزة الشاعر المرموق د.حسان قمحية

أصْدرَ أكثرَ مِنْ سَبْعينَ كتابًا فـي الطبِّ ترجمةً وتأليفًا، وحَصلَ على جَوائزَ عَربيَّة عديدة ، كما أصدر عدَّة كتب فـي التثقيف الصحِّي .

يَنْظم الشِّعرَ مُنذُ أكثرَ منْ 20عامًا؛ وله عدَّةُ مجموعات شعريَّة: “أَبْلَغ من الصَّمْت، جُرْعة حزن، مَرايا اللَّيْل، وعاد القمر”، ومَجْموعة شِعْريَّة للأَطْفال باسم “بَراعِم النُّخبَة”؛ وأصدرَ كتابًا عن مواقع التواصُل الاجتماعي بعنوان “الفيسبوك تحت الـمجهر”، وكتابًا كبيرًا عن الترجمة الطبِّية بعنوان “معالم فـي الترجمة الطبِّية”، ودراستين أدبيّتين بعنوان “الشاعر الـمهجري حسني غراب – حياته وشعره”. و “عَتبات النصّ عندَ الشاعر الـمهجري نَصْر سمعان”، كما أصدر ديوانـي الشاعرين نفسيهما أيضًا، فضلًا على عدَّة دواوين لشعراء مهجريين آخرين مثل دواوين بدري فركوح وصبري أندريا وبِتْرو الطرابلسي وسلوى سلامة أطلس وميشال مغربـي وجميل حلوة.

تابعوني في هذا الحوار الشيق والممتع لنتعرف معاً على هذه الشخصية المميزة التي جمعت بين العلم والشعر والأدب :

**. كيف يقدّم الشاعر د. حسّان قمحية نفسَه للقارئ العربـي؟

بدايةً، حيَّاكم الله وبارك فيكم.

طبيبٌ سوريّ (متخصِّص فـي الأمراض الباطنة)، من مواليد مدينة حمص 1968 م. أعمل حاليًا محرِّرًا ومشرفًا على الـمحتوى الطبِّي لـموسوعة صحِّية فـي جامعة سعوديَّة.

أنظم الشعرَ منذ أكثر من 20 سنة، وكنتُ أنظم منه ما تيسَّر على فتراتٍ متباعدة بحسب ما تتيح لي الظروف، ولأنَّ عملي فـي الكتابة التي أستريح لها كان منصبًّا على الترجمة الطبِّية والتأليف، حيث وضعتُ وترجمت أكثر من 70 كتابًا فـي مختلف فروع الطب. ولكن منذ نحو سبع سنوات تسارعَ نظمُ الشعر لديَّ، ولـمَّا كَثُر ما نظمتُه جعلتُه فـي مجموعات شعريَّة صدر منها إلى الآن أربع (أبلغ من الصمت 2017 م، جرعة حزن 2018 م، مرايا الليل 2019 م، وعاد القمر 2020 م).

**  لماذا اخترت دراسةَ الطب البشري ، وما هي أهمُّ ملامح مسيرتك الـمهنية فـي هذا الـمجال؟

فـي بلدي سوريَّة، ومنذ زمنٍ بعيد، يعتمد دخولُ أيِّ كلية جامعيَّة فـي الأعمِّ الغالب على درجات الطالب فـي الثانوية العامَّة. وقد دخلتُ كلِّيةَ الطبّ البشري بدمشق بناءً على معدَّلي، مثلي مثل كثيرٍ غيري، ولكن بعدَ التحاقي بتلك الكلِّية أحببتُ ذلك الفَرْع كثيرًا، ولو خُيِّرتُ من جديد دخول تخصُّصٍ ما لاخترتُ تخصُّصَ الطب البشري مرَّةً أخرى.

تخرُّجت فـي كلِّيةَ الطبّ البشري سنةَ 1992 م، والتحقتُ بتخصُّص الجراحة العامَّة، ثم عدلتُ عنه بعد بضعة شهور إلى تخصُّص الطبّ الباطني، وأنهيتُ دراستي فيه سنة 1997 م؛ كما درستُ سنةً كاملة فـي تخصُّص الصحَّة العامَّة. وافتتحت عيادةً بعدَ ذلك فـي ريف دمشق، قبلَ أن أغادرَ البلدَ سنة 1999 م للعمل فـي الـمملكة العربيَّة السعودية، حيث بقيتُ فيها 6 سنوات، وعدتُ من جديد إلى مدينتي حمص، لكن ما لبثت أن ذهبتُ مرَّةً أخرى إلى السعودية بعدَ اندلاع الأحداث الدامية فـي سورية.

**أصدرت أكثرَ من سبعين كتابًا فـي الطبِّ ترجمةً وتأليفًا، ولك عدَّة إصدارات فـي التثقيف الصحِّي، حدِّثنا عن ذلك وعن خصوصية الترجمة الطبِّية وتعريب العلوم؟. .

بدأت قصَّتي مع الترجمة والتأليف الطبِّي قبلَ سنة من تخرُّجي فـي كلّية الطبّ بدمشق، وذلك سنة 1991 م، حيث طاب لـي حينَها أن أكتبَ عن «الصرع»، حيث كتبتُ مقالًا توسَّعتُ فيه حتَّى صار كُتيِّبًا، فطبعتُه ونشرتُه فـي الأسواق عن طريق مكتبة علميَّة لشقيقي. ولاقى هذا الكتابُ القَبول، ونفدت طبعتُه الأولى؛ فطبعته طبعةً ثانية ونشرتُه فـي دارٍ أخرى. وفـي سنة التخرُّج (1992 م)، ترجمتُ كتابًا كاملًا كأحد مُقْتضيات رسائل التخرُّج، وكان بعنوان «الأمراض الرثويَّة»، وقد طُبعَ هذا الكتابُ مرَّتين ونفدت جميعُ نسخه تقريبًا.

لقد وجدتُ نفسي فـي الكتابة والتأليف، فتابعتُ العملَ وأصدرتُ سنة 1993 ثالثَ كتابٍ لي بعنوان «الطبّ النفسي»، وكان العملُ فيه من أكبر التحدِّيات التي واجهتُها في الترجمة الطبِّية لوعورة مُصْطلحاته وصعوبتها. وتتالى هذا العملُ فأصدرت سنةَ 1994 م كتابًا جديدًا بعنوان «الطبّ الوقائي والإحصاء الحيوي». وقد لفتَ عملي فـي كتاب الطبّ النفسي  بعضَ دور النشر الكبيرة، فصار يُطلَب منِّي ترجمةُ أعمال طبِّية أخرى، حتى بلغ إجمالي ما ترجمتُه أو ألَّفته فـي الطبّ على مدى 25 سنة تقريبًا (سواء الأعمال الطبّية الأكاديميَّة أو التثقيفيَّة) أكثر من 70 كتابًا، كان آخرها منذ بضعة شهور، حيث صدر لـي كتاب «دَوْر الوقت فـي الصحَّة والـمرض». وقد حَصدَتْ بعضُ تلك الكتب جوائزَ عربيَّة. كما أسهمتُ فـي ترجمة وتأليف بعض الكتب والقواميس الطبِّية لـمؤسَّسات دولية وعربيَّة، مثل منظَّمة الصحَّة العالـميَّة ومركز تعريب العلوم الصحِّية بالكويت.

** الشعرُ هو فطرة وهِبة من الله – عزَّ وجل – وأنت شاعر مرموق وصدر لك عدة دواوين شعرية؛ ما هي حكايتك مع الشعر؟ وما تأثير دراستك الطبية فـي شخصيَّتك الأدبية وفـي شعرك؟

شكرًا على الإطراء بقولك: شاعر مرموق؛ فأنا لا أمتهن الشعر ولا أتكلَّفه، بدليل انقطاعي عنه لسنوات وسنوات، ولا أرى نفسي بين كِبار الشعر. أنظمَ الشعرَ عندما أجدُ نفسي مدفوعًا إلى الكتابة، ومعظمُ ما أكتبه من قصائد لا يتجاوز 15 بيتًا، لأنَّ الأمرَ عندي لا يَعْدو أن يكونَ أكثر من خواطر تَرِد على بالـي فأجعلها شعرًا، فأُوفَّق فيما أكتب منه أو لا أوفَّق؛ فالـمهمّ عندي إيصالُ الفكرة التي تدور برأسي، ولذلك أجعلُها فـي مقالةٍ قصيرة أو طويلة أحيانًا، عندما لا يُسْعفني الشعرُ لأعبِّر عمَّا أريد.

الشعرُ عندي ليس صورًا وخيالًا وانزياحًا وأسلوبًا فقط، وإن كان ذلك أجملَ الشعر، فمِنَ الشعر ما يعبِّر به الـمرءُ عن حالةٍ وجدانيَّة معيَّنة أو فكرة أو رأي بأسلوبٍ مباشر، فبدلًا من أن يخطَّ ذلك نثرًا يجعله شعرًا إن قدرَ عليه. لقد كان الشعرُ فيما مضى من زمنٍ قديم وسيلةً من وسائل التعبير وأسلوبًا إعلاميًا للوصول إلى الـمجتمع والناس، كان أداةً ولم يكن هدفًا.

وبما أنَّ الشعرَ ديوانُ العرب، فهو يسجِّل حوادثَ أيَّامهم وأحداث تاريخهم ووقائعَ أفراحهم وأتراحهم؛ ولذلك أقول على الدوام ليست وظيفةُ الشعر أن يقتصرَ على التَّحْليق بالصور والأخيلة والأسلوب فقط، بل له وظائف أخرى، ثقافية وتاريخيَّة وإعلاميَّة وربَّما غير ذلك.

وبالنسبة إلى تأثير الدراسةِ الطبِّية فـي الشخصيَّة الأدبية والشعر، يُقال لي: إنَّني أستخدم بعضَ الكلمات أو الدلالات الطبِّية فـي ما أنظمه من شعر. وأقول: الـمرءُ نتاجُ ثقافته وبيئته واهتماماته، ولذلك لا غروَ أنَّ ذلك سيؤثِّر فـي ما يكتب، سواءٌ أكان شعرًا أم نثرًا. ولكنَّ الأهمَّ من ذلك عندي من حيث التأثيرُ الثقافـي والـمهني أنَّني نظمتُ عدَّة قصائد عن بعض الأمراض، مثل فرط ضغط الدم ومرض كورونا والـمظاهر الجسديَّة للموت.

** صدر لك ديوان شعري للأطفال بعنوان «براعم النخبة»، هلَّا حدَّثتنا عن تجربة الكتابة للأطفال ومدى أهمية الشعر الـموجَّه للأطفال؟

أستعير الإجابةَ عن هذا السؤال ممَّا كتبتُه تعقيبًا على صدور رسالة ماجستير فـي الأدب الحديث قبلَ نحو سنة عن دراسة هذا الديوان لطالبة جزائريَّة، حيث اختارت شعرَ الأطفال؛ وقد قلتُ فيما قلت: عِنْدما أَقْدمتُ قبلَ نحو ثلاث سنوات على كتابة عدَّة قصائِد للأطفال باسم ديوان «براعم النُّخْبة للأطفال» لم يَكن يدورُ فـي خَلدي أنَّها ستَلْقى بعضَ الاهتمام، حيث لَمْ يَسْبِقْ لـي أَنْ كَتَبْتُ قَصائِدَ فـي شِعْر الأَطْفال، مع أنَّني كُنْتُ وما زِلْتُ أَحْفَظُ من هذا الشِّعْر الكثيرَ، وهو أَثيرٌ إلى نَفِْي قَريبٌ منها.

كان الـموضوعُ مجرَّدَ مُقْترحٍ من احد الإخوة الشعراء، حيث عُرضَ الأمرُ عليه بدايةً وجرى تحضيرُ مجموعةٍ من الرُّسومات فـي سبيل ذلك. ونظرًا لانشغاله فـي ذلك الوقت، عرضَ عليَّ الفكرةَ، فوجدتُها جَديرةً بالاعتبار والتَّفْكير.

وبِما أنَّني اعْتَدْتُ أَن أَنْظُمَ الشِّعْرَ عَفْويًّا، إلاَّ فيما نَدَر، لا أَقْصُدُ به سِنًّا مُعيَّنًا، كان لابدَّ لـي – كعَادَتـي عِنْدَ الخَوْض فـي أيِّ شَيْءٍ جَديد – أَنْ أَقْرأَ ما كَتَبَهُ الآخَرُون من شِعْرٍ عَنِ الأَطْفال؛ فأَخْذَتُ أَبْحَثُ فـي أَدَبِ الطِّفْل، وأَقْرَأ ثُمَّ أَقْرَأ ثُمَّ أَقْرَأ ما وَسِعَتْنِي القِراءَة، عَنْ هذا الأَدَب وما قِيلَ عَنْه نَقْدًا ودِراسَةً وبَحْثًا، راغِبًا بذَلك ألاَّ أُكرِّرَ ما قالَهُ غَيْري، وأَنْ آتِـي بجَديدٍ فـي هذا الفنِّ الأَدَبـي الجميل ما اسْتَطَعْت؛ راجِيًا أَنْ أُوَفَّق فـي ذلك.

كانَ الحديثُ يَدُورُ مُطَوَّلًا بَيْنِي وبَيْنَ الأَخ الذي اقترحَ عليَّ الكتابة عَنْ كَيْفيَّةِ تَبْسيطِ الـمعانـي والكَلِمات إلى أَقْصَى دَرَجة؛ وكُنْتُ أَرَى فيما أَرَى أنَّ وُجودَ بَعْضِ الصُّوَر الشعرية الـمُزيَّنة بالخَيَال فـي مَتْنِ القَصيدَة، بقَدْرٍ مَعْقُول، يَرْتَقي بذَائِقَةِ الطِّفْل، وإِنْ أَثْقَلْنا عَلَيْه، ولكِنْ دونَ وُعُورَةٍ فـي الأَلْفاظِ والكَلِمات.

عَمَدْتُ إلى أَنْ يَكونَ عِنْوانُ كلِّ قَصِيدَةٍ جُزْءًا أَصِيلًا يَتَجلَّى فـي أَشْطُرِها وعِباراتِها وجُمَلِها، بحَيْث لا يَكونُ الهَدَفُ النَّغْمَةَ والكَلِماتِ الجَميلَةَ فقَط، بَلْ والـمَعْنى والـمَغْزَى الوافِيَيْن والـمناسِبَيْن لعُمْرِ الطِّفْل واهْتِمامِه.

وحاولتُ الاِلْتزامَ بمَجْزُوءاتِ البُحُور، وبالبُحُورِ الغِنائيَّة؛ ولِذَلك كانَ للبَحْر الـمُتْدَارَك النَّصيبُ الأَوْفَر من هذه القَصائِد، وهُوَ مِنْ أَشْهر البُحُور التي كُتِبَتْ عَلَيْها قَصائِدُ الأَطْفَال. ومِثْلَ كَثيرٍ من شُعَراء أَدَبِ الطِّفْل، استَعْمَلتُ مُخْتلفَ الجَوازاتِ العَرُوضيَّة، ما وَرَدَ مِنْها فـي شِعْرِ القَصائِدِ العَمُوديَّة التَّقْليديَّة وما لَمْ يَرِدْ، فَضْلًا على تَنْويعِ القافِيَة فـي القَصِيدَة الواحِدَة، سالِكًا فـي ذَلِك مَسْلكَ شِعْرِ التَّفْعيلَة أَحْيانًا. وغايَتِي مِنْ كلِّ ذَلك أَنْ أَصِلَ إلى مَشاعِرِ الطِّفْلِ وقَلْبِه ووِجْدانِه، دونَما أن يَتَسرَّبَ إلى نَفْسِه الـمَلَلُ والنُّفُور.

كما حاولتُ انتقاءَ بعض ما عُرضَ عليَّ من الرُّسومات بحيث تلائم القصيدةَ، وتخاطب خيالَ الطفل وناظريه مخاطبةً رقيقة محبَّبة. وعمدتُ إلى تَلْوين العناوين ومتن القصائد بألوانٍ خفيفة لا ينأى الطفلُ عنها. لم يكن الأمرُ بعدَ كلِّ ذلك مخطَّطًا له على أسُسُ وقواعد تعمَّقتُ فيها أو أسهبت فـي دراستها، إنَّما كان معظمُ ذلك اجتهادًا منِّي وسَعْيًا إلى الخروج بعملٍ شعري لائق بالطفل مناسب له.

**حقِّق كتابك «الفيسبوك تحت الـمجهر» أعلى نسبة مبيعات في مكتبة النخبة سنة ٢٠١٧ فـي بعض معارض الكتاب، ما هو مضمونُ الكتاب؟ وما هو رأيك بمواقع التواصل الاجتماعي وبدورها في وقتنا الحالي؟

وها هنا أقتبس قَبسًا من الإجابة من مقدَّمة الكتاب، وفيما سأذكره من تلك الـمقدِّمة يستبين السببُ الذي دعاني لإصدار كتابٍ عن هذه الـمنصَّة الإعلامية الشخصيَّة والعامَّة معًا؛ فبَعْدَ انتشار الإِنْترنت فـي العالَم، ومُنْذُ فترةٍ ليسَتْ بعيدةً كثيرًا، دخلَتْ على حياةِ النَّاس مجموعةٌ ممَّا يُسمَّى وسائلَ التواصُل الاجْتِماعي. ويومًا بعدَ يوم، تَعدَّدت هذه الوسائلُ حتَّى بلغت عددًا لا بأس به، وبدأَتْ بالانتشار شيئًا فشيئًا، وربَّما كان أبرزَها مَوْقعُ «الفيسبوك»، هذا الـمَوْقعُ الذي يُدْعَى اليومَ عِملاقَ مواقع التواصُل الاجتماعي، حيث يزيد عددُ مرتاديه أو مستخدميه على مِلْيارَيْ مُسْتخدِم؛ فإذا تجاوزنا الرضَّعَ والأَطْفال الصِّغار من سكَّان العالَم والمَرْضى العاجِزين وبعض الشَّرائح التي لا يَصِلها الإنترنت ستكون نسبةُ الـمستخدمين لـمَوْقع الفيسبوك عالية جدًّا بين سـكَّان الأرض.

لقد أصبحَ الفيسبوك وسيلةَ إعلامٍ مهمَّة، ولم يَعُدْ كثيرٌ من الناس بحاجةٍ إلى وسائل الإعلام الأخرى كما كان الأمرُ سابقًا؛ فقد أضحى كلُّ إنسان صحفيًا وإعلاميًا بدرجةٍ ما عن طريق استِخْدام هذه الوسائل. ومن ميِّزات الفيسبوك أنَّه يُتِيح للمُسْتخدِم أن يكتبَ ما يَشاء.

لقد طَوَى الفيسبوك الـمسـافات، ولا يسـتطيع أحدٌ أن يقولَ بأنَّ الفيسبوك غيرُ مفيد؛ كما أنَّه لن يَسْـتطيع أحدٌ أن يَقولَ: ليس هناك وسيلةٌ للتواصل مع الآخرين؛ حيث يمكن أن تَتواصلَ مع من تشاء، إمَّا بشكلٍ مباشر أو على نافذة الرسائل (على الخاصّ كما يقولون)، تَسْتطيع أن ترسلَ التَّسْجيلات الصوتية والـملفَّات والصور، وتَسْتطيع أن تنشرَ الفيديوهات والـمقاطع الـمرئيَّة.

وقد يُصْبِح الفيسبوك مَوْقعًا للتَّدْريس والدراسة، تَسْتفيد منه الـمؤسَّسات فـي متابعة الطلبة وربَّما إِجْراء الاختبارات (بوُجُود البثِّ الـمباشر) وحفظ سِـجلاَّت الطالب والتِّلْميذ على كامل العام الدِّراسي والأَعْوام السابقة.

لم تكتفِ شركةُ فيسبوك بهذا المَوْقع، فقد قامت بشراء مَواقِع وتطبيقات أخرى، وربما فاقَ بعضُها الفيسبوك نفسـه؛ فتَطْبيقُ الواتساب تَطْبيقٌ للتواصل والخدمـة الاجتماعيَّة رائع يبقى مَفْتوحًا طوالَ الوقت، فيه ميِّزات كثيرة تتطوَّر يومًا بعدَ يوم، وقد أصـبح تابعًا للشـركة نفسها.

من حَسناتِ الفيسبوك أيضًا أنَّه يمكن أن يكونَ موقعًا للاستفتاءات والاستشارات في قضايا مختلفة، مثل القضايا الطبِّية والعلميَّة والمدرسيَّة والاجتماعيَّة؛ ولذلك، دعت الحاجةُ الكثيرَ من المواقع الطبِّية إلى إِنْشاء صفحات لها على الفيسبوك، منها ما يتواصل مع الناس، ويجيب عن أسئلتهم. ولهذه المواقع أيضًا صفحاتٌ على وسائل التواصُل الاجتماعي الأخرى.

يمكن أن يكونَ الفيسبوك – كما قلنا – مَجالاً للبحث يُستَفاد من تقنيَّاته ومن العَدد الهائل من الناس الـمُقْبِلين عليه فـي فهم سُلوكيَّات الناس وطباعهم وأَفْكارهم ومُيُولهم الدينية والسِّياسية والفكرية والثقافية؛ كما يمكن أن يُستفادَ من ذلك في التعرُّف إلى الآخرين. ولذلك، قد تستفيد منه بعضُ أَجْهزة الاستِخْبارات والأَمْن في رَصْد من تشتبه بهم. ويستعمله بعضُهم الآخر فـي التَّرْويج للشَّائعات أو إثارة البَلْبَلة والفَوْضى أو الدعوة إلى التَّجمُّعات، وسَبْر ردود أَفْعال الناس على بَعْض الـمقتَرْحات أو الأَشْياء الـمراد الاِسْتعلام عنها، وما إلى ذلك.

لكن للفيسبوك أيضًا مَساوئ، فقد يؤدِّي إلى الإِدْمان؛ والإدمانُ على الإنترنت أَقْدمُ من الإِدْمان على الفيسبوك؛ وقد تحدَّث العلماءُ والباحثون عن ذلك في دراساتٍ كثيرة، لكن ربَّما يكون إدمانُ الفيسبوك أكثرَ شدَّة، حيث تجد بعضَ الناس لا ينفكُّون عن الإِفْراط فـي متابعة منشوراتهم ومَنْشورات الآخرين على الفيسبوك، ويسبِّب هذا لهم الكثيرَ من الـمشاكل مثل القَلَق والتَّفْريط فـي النَّشاط الـمِهَني والوظيفي واضطرابًا فـي النوم وأشياء أخرى.

كما أنَّ الفيسبوك قد يكون سببًا فـي إثارة الـمشاكل والتَّناحُر من خلال الـمناقشات التي لا تَنْتَهي؛ فهو يُجَرِّئ، حتى أصحـاب الشَّخْصيات الضعيفة، على الدُّخول فـي الجِدال ما دام أنَّ هناك حاجزًا بين الـمتجادِلين.

قد يسبِّب الفيسبوك الاكتئاب، ولاسيَّما عندَ النساء؛ وقد نُشِرت عدَّةُ دراسات فـي هذا الموضوع، وذلك عندَ مقارنة الصور الشخصية للمُستخدِمين (والـمستخدِمات) مع زملائهم وأصدقائهم ورفاقهم وأقاربهم وملاحظة تَفاوُت العمر أو الـمستوى الاجتِماعيّ والاقتصاديَ؛ فهذه الـمقارنةُ تُثير بعضَ الأَشْياء فـي النفس.

الفيسبوك له مَساوِئُ وله حَسنات، لا شكَّ فـي ذلك؛ وهذا يعتمد على حِنكة الـمستخدم ووعيه؛ فإمَّا أن يكونَ حاملًا لكلِّ خير أو جالبًا لكلِّ شرٍّ؛ وربما تجد البعضَ يتردَّدون بينَ الخير والشرِّ الذي فيه.

إنَّ كل ما سبق سوَّغ لـي الكتابةَ عن منصَّة الفيسبوك والخروج بكتابٍ كامل عنه أتناول فيه ما له، وما عليه.

** لم تكتفِ بالشعر بل اتَّجهت أيضًا إلى الدراسات النقدية، واهتممت بالأدب الـمهجري؛ لـماذا اخترت هذا الأدب وتخصَّصت به؟

قبلَ نحوَ ثلاث سنوات، وبدافعٍ طرأ لي، قرأتُ رسالةَ دكتوراه عن الأدب الـمهجري؛ وهو أدبٌ أحببتُه منذ أوَّل مرَّة قرأتُ فيه أيَّامَ الدراسة الثانويَّة، وحفظتُ بعضَ قصائد شعرائه فـي الحنين والشوق والوصف. وخلال قراءتـي فـي تلك الرسالة لفتني قلَّةُ استشهاد الكاتب بشعراء الـمهجر السوريين، بينما كَثُرَ استشهادُه بنظرائهم اللبنانيين؛ فتساءلتُ عن السبب. وكي ألقى جوابًا، أخذتُ أقرأ عن ذلك الشعر من مصادره، فوجدتُ أنَّ قلَّةَ الإشارة إلى معظم شعراء وأدباء الـمهجر السوريين متواترٌ فـي كثير من الدراسات والـمراجع عن الأدب الـمهجري؛ فعكفتُ خلال سنواتٍ من البحثِ على رصد أعمال بَعْض شعراء الـمَهْجر السُّوريين الذين قلَّ الاستشهادُ بشعرِهم فـي تلك الكتب والـمَراجِع التي تناولت أدبَ الـمَهْجر.

لقد كنت خلال بحثي السابق أقَع على ظاهرتين: بعض هؤلاء الشعراء لهم دَواوينُ، لكنَّها مَنْسيَّةٌ وغيرُ متوفِّرة فـي الـمَكْتباتِ الخاصَّة، أو متوفِّرة فـي مكتبةٍ أو مَكْتبتَيْن فقط من الـمكتباتِ العربيَّة العامَّة، لذلك فهي غيرُ متاحة للباحِثين. وبالنسبة إلى هذه الدَّواوين بذلت جهدًا مُضْنيًا للحصول علَيْها وإعادة إحيائها، ليس بنَشْرِها مجدَّدًا كما هِيَ، فهذا ليسَ شَأْنـي ولا هَدَفـي، بل أتيتُ إلى تلك الدَّواوين فكتبتُها من جديد وضَبطتُ مُفْرَداتها وقارنتُها بما وجدتُ منها فـي الـمَجلَّات الأدبيَّة والكُتُب الـمَهْجريَّة، ثمَّ عمدتُ إلى فهرستِها حسب القَوافـي والأَبْحُر الشعريَّة، وبحثتُ عن أيِّ قصائد لم تَرِد فـي هذه الدواوين لسببٍ أو آخر، فاستدركتُ عليها بما وجدتُه وأضفتُه إلَيْها بعدَ مشقَّةٍ فـي البَحْثِ وعَناء؛ ولم أغفِل أن أمهِّدَ لتلك الدواوين بمقدِّمةٍ شاملة عن سيرة حياةِ الشاعر وأغراضِه الشعريَّة. وبعدَ ذلك، عقدتُ دراسةً موسَّعة عن بعض الشعراء، حيث أَفْردتُ لهم كتبًا مُسْتقلّة.

هذا كلُّه بالنسبةِ للشعراء السُّوريين الذين وجدتُ لهم دَواوينَ مَهْجُورةً أو مُغْفَلة، مثل حُسْني غراب ونَصْر سَمْعان ومِيشيل مَغْربِـي … إلخ. لكن، هناك شعراء آخرون لم أجدْ لهم دَواوينَ مَطْبُوعَة، وإنَّما لهم بعضُ شعرٍ مُتَناثر بينَ الـمَجلَّات والكُتُب؛ ورغم بَحْثي الـمتواصل لم أستطع أن أجمعَ قدرًا وافيًا من قصائدهم لجعلها فـي ديوان مُنْفَصِل. ولَـمَّا لم أجد ضالَّتي فـي الـمَكْتبات العامَّة العربيَّة، لجأتُ إلى الـمَكْتبات العامَّة الأجنبيَّة، فراسَلْتُ مِن بينِ ما راسَلْتُ مكتبةَ الكُونغرس ومكتبةَ جامِعة هارفارد الأمريكيَّتَيْن، وكذلك مكتبة كامبريدج؛ وحتى وقت كتابة هذه السُّطور لم أحظَ بأعداد بعضِ الـمَجَلّات الـمَهْجريَّة التي يمكن أن أَسْتخلصَ منها قصائِدَ لأولئك الشعراء، رغم الوعودِ الـمُتكرِّرة بذلك.

ولا أنسى هنا أن أشيرَ إلى أنَّني، وضمنَ محاولاتِ جمع ذلك الشعر، سعيتُ إلى التواصلِ مع بعضِ من كتبوا فـي أدب الـمَهْجر أو مع ذَويهم أو أقاربِهم، بهدف الحصول على أيِّ وثائق أو مَجلَّات تخدم الغرض الـمَنْشود، لكن لم أصلْ إلى بُغْيَتي.

وبناءً على عملي السابق، آمل أنَّني قد أحييتُ أدبَ أولئك الشعراء، وها أنا أواصل ذلك العملَ كيَ أوفِّر للباحثين مصادرَ جديدةً لدراسة الأدب الـمهجري بما لا يقتصر على شعراء أُشبعوا دراسةً، بينما لم يحظَ سواهم بشيءٍ منها.

** رصدتَ فـي كتبك النقدية الحركةَ الأدبية لـمهجري مدينة حمص السورية، هلَّا حدثتنا عن ذلك وما الصعوبات التي واجهتك بتتبع هذه الحركة والكتابة عنها ؟

اهتمامي بأدباء الـمهجر الحماصنة نابعٌ من أنَّهم أبناء مدينتي من جهة، كما أنَّهم يشكِّلون نحو 90 فـي الـمائة من أدباء الـمهجر السُّوريين الذين يبلغ عددُهم 30 أديبًا على أقلّ تقدير من جهةٍ أخرى. وأهمُّ الصعوبات التي واجهتني فـي الكتابة عنهم – كما سبق أن أشرتُ – هي قلَّةُ الـمصادر التي تحدَّثت عن شعرهم وحياتهم. لقد أضنانـي البحثُ عن أشعار بعضهم؛ حيث لم أترك مكتبةً عامَّة يمكن أن تضمَّ شيئًا من نتاجهم إلَّا زرتها أو راسلتُها أو أرسلتُ من يزورها. وبعد أن استنفدتُ حظِّي منها، أخذتُ أراسل بعضَ الـمكتباتِ العامَّة والجامعيَّة الأجنبيَّة، لاسيَّما الأمريكيَّة حيث أقامَ شعراءُ الـمهجر وقضَوا معظمَ حياتهم؛ فبعضُهم تعاونَ معي وبعضهم لم يفعل. وقد حصلتُ على آلاف الصفحات لأهمِّ الصحف والـمجلات الـمهجريَّة غير الـموجودة فـي جميع الـمكتبات العربيَّة الرسميَّة.

لقد استغرقت قراءتـي لـمحتوى تلك الـمجلات شهورًا وشهورًا، حيث انتزعتُ منها قصائدَ ومقالاتٍ سخَّرتها لخدمة عملي، فأبرزتُ للنور شعراء مهجريين لم يسمع عنهم أحد، مثل صبري أندريا وجميل حلوة وبترو الطرابلسي. كما أنَّني ماضٍ لاحقًا – بإذن الله – فـي جمع شعر بعض الشعراء الـمهجريين اللبنانيين الذين ليس لهم دواوين، مثل توفيق فخر وأمين مشرق وكاتـي زريق إن تيسَّر لي ذلك.

** صدر لك «الشاعر الـمهجري حسني غراب – حياته وشعره» و «عتبات النص عندَ الشاعر الـمهجري نَصْر سمعان»، وعدَّة دواوين لشعراء مهجرين آخرين؛ حدِّثنا عن هذه الكتب.

جاء الكِتابُ الأوَّل «الشاعر الـمهجري حسني غراب – حياته وشعره» على ثَلاثَة أَبْواب وسَبْعَة فُصُول، حيث يَبْدأ البابُ الأوَّل بالحديثِ عن الاغْتِراب الحِمْصي الذي طَغَى على الاِغْتراب السُّوري فـي الـمَهْجر الأَمريكي، ثم تَحدَّثتُ عن العُصْبَةِ الأندلسيَّة والنَّادي الحِمْصي، وهما من أهمِّ ملتقيات أدباء الـمهجر الأمريكي الجنوبـي؛ أمَّا البابُ الثَّانـي فجعلتُه للحَديثِ عن حَياةِ حُسْني غُراب وسِيرتِه وأَغْراضه الشعريَّة؛ وأمَّا الثالثُ «التَّشْكيل» فأَفْرَدتُه لدراسةٍ نَقْديَّة تَحْليلية لقَصائد حُسْني غراب، تناولت فيها عناصر الإيقاعين الخارجي والداخلي عندَ الشاعر.

أمَّا فـي الكِتاب الثانـي «عتبات النص عندَ الشاعر الـمهجري نَصْر سمعان» فقد جعلتُ الدراسةَ على بابَيْن، تناولتُ فـي الباب الأوَّل كلَّ ما يتَّصل بحياة الشاعر الـمَهْجري نَصْر سمعان قبلَ الوُلوجِ فـي صَميمِ شِعْره من حيث البنيةُ والإيقاع والصورة واللغة؛ وقد تحدَّثتُ فيه عن البيئةِ التي أحاطَتْ بالشاعر وظروف نشأتِه واغترابه، ثمَّ تناولتُ عرضًا عامًّا لـمَوْضوعاتِه وأغراضِه الشعريَّة. ولم أنسَ أن أتحدَّثَ عن دَواعي الاغتراب والهجرة عندَ شُعَراء عَصْره وأُدبائِه؛ وكلُّ ذلك كان برأيي من العتباتِ الخارجيَّة التي تحيط بالشاعر. أمَّا البابُ الثانـي فجعلتُه للحديث عن بنيةِ شعر نَصْر سمعان من حيث التصويرُ والبديع واللغة والدلالة، وهذا ما ينطوي تحت العتباتِ الداخليَّة والحالة الشعريَّة.

** ما هي مشاريعك القادمة، وأترك لك الكلمةَ الأخيرة؟

العزمُ معقودٌ لديَّ على متابعة جمع دواوين بعض الشعراء الـمهجريين، السُّوريين واللبنانيين، ممَّن لم يصدر لهم ديوان من قبلُ؛ وقد أسعى إلى دراسة بعضهم بعدَ الانتهاء من جمع ديوانه. وعندي أملٌ بأن ألجأ بعدَ ذلك – إن شاء الله – إلى إخراج كتابٍ كبير عن «أعلام الأدب الـمهجري السُّوري» أتناولَ فـيه أولئك الأعلامَ دراسةً وتحليلًا بما يُتاح لـي من سِيرهم الشخصيَّة وأَشْعارِهم، بعدَ أن كانَ العزمَ معقودًا لديَّ على أن يكونَ مثلُ هذا الـمَشْروع تَتْويجًا لجمع (ثمَّ دراسةِ) أدب كلِّ الشعراء السُّوريين فـي الـمَهْجرِ الأمريكي. وربَّما يُتيح لـي الـمستقبلُ – بعَوْنِ الله – أن أتحصَّلَ على كلِّ أو جُلّ ما يتعلَّق بأولئك الشعراءِ والأدباء لجعله فـي مؤلَّفات وكُتُب مستقلَّة.

أمَّا على الـمستوى الطبِّي فلديَّ بعضُ الأفكار للخروج بكتبٍ جديدة، غير تقليديَّة، وقد أصدرتُ منها – كما سبق أن أشرتُ – كتاب «دَوْر الوقت فـي الصحَّة والـمرض»، والغايةُ منها الحديث عن قضايا طبِّية وصحِّية من منظورٍ مختلف. والله وليُّ التوفيق.

https://drive.google.com/…/1wYgEriOlpF21lTcybPRlCW…/view

الرياض آذار/مارس 2021 م

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!