حوارات آفاق حرة. الروائي محمد فتحي المقداد. يحاور الإعلامي خالد عواد الأحمد

حوارات آفاق حرة

 

الروائي محمد فتحي المقداد. سوريا

يحاور

الكاتب والإعلامي، خالد عوّاد الأحمد. سوريا

تقديم:

تضيق مساحة الكلام أمام سطوة الصحافة والإعلام. وتتطاير الكلمات في رحاب الحوار؛ رهبة وخوفًا من التقصير في طرحها المثمر، لاقتناص اللَّحظة الحرِجَة للضيف العريق بخبرته، العميق بفهمه لتشابكات مُحيطه.

فالإعلاميّ ليس فقط المُصوّر والمذيع المختصّ بتغطية الأخبار على مختلف أنواعها، للإعلاميّ ذهنية الأديب والنَّاقد والكاتب، تنضاف إلى براعته في أصول مهنته الإعلاميَّة. هذه الأساسيّات اجتمعت في شخص “خالد الأحمد” المُتمكّن من أدواته، فقد اشتغل خلال العقود الماضية كاتبًا وصحفيًا للصَّحافة الُّسوريَّة والعربيّة. وقدَّم مادَّة دسمة للقرَّاء والمكتبة العربيَّة العديد من الكُتُب الحواريَّة والتوثيقيَّة ذات الطابع التراثيِّ الاجتماعي السوري عمومًا، وتخصَّصَ في إبراز تراث محافظة “حِمْص” التي تتوسط سوريا جغرافيا، ونقل مادّته التي كانت شفاهيّة عن راوٍ سمع ممّن سبقه، هذا السّعي الدؤوب أنتج أرشيفًا مُوزّعًا على مجموعة من الكتب المطبوعة، التي صارت وثيقة تأريخية مُعتَبَرة.

كما أنّ نشاطه الثقافيّ امتدَّ إلى اللِّقاءات مع كبار المفكرين والأدباء العرب والسُّوريِّين، وتكللَّت بحواريَّات تُعتبَر جزءًا من تاريخ الحركة الأدبيَّة عربيًّا.

** خالد عواد الأحمد، الإنسان السّوري ابن “حِمص” مدينة “خالد بن الوليد”، والتي تضمّ بين جنباتها ما يقارب الخمسمئة مقام وضريح لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. حمص قلب سوريّة، وأكبر محافظاتها مساحة موزّعة بين الحضر والبادية، وأكثر مدينة سورية تعرّضت للتدمير والتهجير الممنهّج، وبعد إحدى عشرة سنة من اللّجوء في الأردن. والحديث ذو غٌصّة. ماذا عن ذكرياتكَ التي خلّفتها وراءك؟. وهل التغيير الديمغرافيّ السُّكَّانيِّ سيجبر أهل حمص عن التراجع عن حقهم المُتجذّر هناك ما بين بابا عمرو والوعر؟.

-منذ أن أطلقت أول صرخة في الحياة إيذاناً بالحياة وولدت مريضاً واهناً قررت والدتي أن تضعني مُكرَهةً في مقبرة الكتيب التي تضم رُفاة أكثر من 300 من الصَّحابة بناء على نصيحة من “الجعيدي”- أشهر حفَّار قبور ومُكَفِّن للموتى في حمص في منتصف الستينيَّات. إضافة إلى عمله كمُعالج شعبيٍّ، فإمَّا أن أعيش إلى اليوم التالي أو أموت، وشاءت إرادة الله أن أُعانق الحياة، وبقيَتْ مشيمتي منذ ذلك الوقت مُعلَّقة بمدينة حمص، التي بقيتُ وفيًّا لها بكُلِيَّتي إلى الآن، ومنذ ذلك الحين وأنا مشدود إلى روح هذه المدينة، التي أقيمت على ضفاف العاصي، والتي ما تزال شواهدها أوابد لا تفنى مع الأيَّام .. ومنها وعليها .. ولأجلها كنتُ دائماً أنشطُ في دراسة تاريخها، مُدُناً وحواضر وعمق بادية، وأُطارد كلّ أثرٍ لنشاط بشريٍّ حضاريٍّ أُنجز عبر التاريخ الدَّالِّ على ذلك النَّشاط الحضريِّ الباقي، ومدينة حمص مدينة عريقة وقديمة قدم التاريخ بل ربما أكثر قدماً مما نظن رغم أنها لا تبدو كذلك لأنها تعرضت لما هو جائر ومدمر لعراقتها إلى حدود الانتهاك فالمعطيات المتوفرة لدينا حتى الآن تؤكد أنها كانت موجودة كمدينة قائمة إلى ما قبل الألف الثالثة  ق.م، وهذا أمر مؤكَّد، ومرَّت عبر تاريخها الطويل بمراحل مُزدهرة نوعيًّا،  ولذلك عشتُ مشدوداً لذاكرة وتفاصيل المدينة بأحيائها المُتَّسعة وبيوتها الكبيرة ذات الفُسُحات السماويَّة بغناها وانفتاحها على الدَّاخل، والمبنيَّة من الحجر البازلتيِّ الأسود، والشوارع ببلاطها الحجريِّ، والمجتمع بلُحمَتِه العُضويَّة المُؤنسنة، ذات الإرث الثقافيِّ والأخلاقيِّ والتقاليد الاجتماعيَّة الرَّفيعة، التي تجعلُ من النَّسيج الديمغرافيِّ وحدة عضوية مرتبطة بالنسيج العمراني المؤهل لذلك المكان الذي يسمونه حمص أم الحجارة السود – والتي انسحبت مندثرة للأسف بفعل ما يسمى بالحداثة ككل المدن العربية العريقة التي فقدت كل خصوصياتها الإنسانية والمعمارية المميزة ، ولكنَّها بالنسبة لي حمص، ككلِّ المدن العربية التي أمكن لي أن  أطَّلِع على تُراثها الثقافيِّ والمعماريِّ والحضاريِّ؛ ما تزالُ حيَّة في داخلي كصحفيٍّ وكاتبٍ وإنسانٍ. ومدينة بهذه الصَّلابة والجمال والعَرَاقة، لا يمكن أن تكون لُقمةً سائغةً لمن يحاولون العبَثَ بنسيجها الدِّيموغرافيِّ،  ولابدَّ لنهارها أن يسطع مهما اشتدَّت حُلكة الظُّلمة.

** في خضّم رحلتكَ الطّويلة في ميدان الإعلام مهنة المتاعب، ما الذي أضيف إلى رصيدك المعرفيّ؟، وما الذي أضَفْتَهُ أنتَ لمهنتكَ؟.

– الإعلام والصحافة خاصّة من أكثر الميادين التي تُضيف إلى مُمارسِهَا رصيداً معرفيًّا، وغِنًى في الأفكار والتجارب؛ لأنَّها تتطلَّب الاحتكاك اليوميِّ بشرائح عديدة من النَّاس بمختلف مُستوياتهم المعرفيَّة والثقافيَّة، ولطالما قلتُ في أكثر من مناسبة: أنَّ الصحافة لم تكن بالنِّسبة لي وسيلة عيشٍ بقدر ماهي أسلوب حياتي الأجمل، الذي اخترتُه في سنٍّ مُبكِّرةٍ من حياتي.

** من زاوية منظور مُعيّنة، لا يُمكن الفصل بين الثقافيّ كهواية مُكتَسبة،  ومادّة مقروءة، أو مُختزنة في كوامن النّفس من الخبرة الحياتيّة. كيف لك أن تُفصّل لنا هذه المُزاوجة بين الإعلام كمهنة، ومع الثقافة بجميع أوجهها؟. وما مدى ضرورة إلمام الإعلاميِّ بثقافات الآخرين؟.

– من وجهة نظري لا يمكن للصحفي أن يكون ناجحاً إذا لم يكتسب الخبرة الحياتية إلى جانب امتلاك أدوات الكتابة والإلمام بأسرارها فلا يمكن أن تكتب من فراغ وكما قال لي الروائي الكبير الراحل حنا مينة ذات يوم في حوار نشر في كتاب ” غواية الأسئلة –مواجهات في الفكر والحياة والإبداع) فإن الثقافة هي نتاج الذهن والسلوك البشري والمعرفة هي الحصول على هذه الثقافة بشقَّيّها: النظريّ والتطبيقيّ، ولا شكّ أنّ التخصّص الجامعيِّ مُهمٌّ في إكساب الصحفيّ خبرة مهنيّة وحرفيّة، ولكن التزوّد بالثقافة الحياتيّة شيء أساسيٌ، يساعد الصحفيّ بغير شكّ على أن يرقى بكتابته في الموضوعات الصحفيّة اليوميّة، إلى جانب تزوُّده بالثقافة المُتنوّعة من الأدب والتاريخ والاقتصاد، وليس انتهاءً بالعلوم والجغرافيا، وهكذا الدّراسة النظريّة مهما تشعّبت وكبرت  لا تجعل من الصحفيّ نِداً في العمل الصحفيّ لزميله الذي مارس الصحافة العمليّة والميدانيّة على  مدار سنوات.

** المُتتبِّع كُتبك المطبوعة والتي ما زالت مخطوطة؛ يرى حرصك الشديد على التعامل مع المادّة التُراثيّة بقداسة وتبجيل. ما هو دافعك كإعلاميّ لسلوككَ المحفوف باهتمام ملحوظ لكَ؛ لتنتج العديد من الكُتب في هذا المجال، والتي جاءت على حياة أهل حمص وريفها؟.

– أنا كأيِّ إنسان يتشكل من أبعاد مُتعدِّدة، ولعلَّ البُعد التراثيِّ هو الأبرز، والمسيطر على اهتماماتي، وأظنُّ أنَّ كُلَّ الأبعاد الأخرى الاجتماعيَّة والإنسانيَّة والثقافيَّة تدور في هذا الفلك، حتى تظنَّني حُجرة في جدار، أو تفصيلة زُخرفيَّة في مَشربِيَّة، أو مُقرنَصَة في نافذة تُطلُّ على الشَّمس، أو لوحة فسيفساء، أو فُسقيَّة للماء البارد، أو أنصوبة حجريَّة لسِراج في فناءات البُيوت القديمة، أو يمامة تَهدِل آمنة في طاقة هي مساحة اِتِّساع بين الزخرفة البغداديَّة، ومنافذ الضُّوء أو تميمة في حجاب، ولا مندوحة من القول أنَّ اهتمامي بالتُّراث الشعبيِّ، بدأ كجزء من عملي الصُّحُفي حيث بدأتُ بتسليط الضُّوء على جوانب من هذا التُّراث، وبخاصَّة في حمص مدينة وريفاً، ووجدتُ أنَّ هناك الكثير من الجوانب الجديرة بالاهتمام، والكتابة عنها في ميادين المهن، والصناعات التقليديَّة، والأزياء، والعادات، والتقاليد التي لازالت سائدة، وتلك التي انقرضت؛ فكنتُ أَجِدُ متعةً كبيرة في توثيق هذه الجوانب، ومع الوقت وجدتُ أنَّ هذه المواد تصلح أن تكون فصولاً في كتب تتناول جوانب من التُّراث؛ فنشرت في عام 2011 كتابي “عادات ومعتقدات  من محافظة حمص” الذي صدر عن الهيئة السورية للكتاب، ضمن مشروع حفظ التُّراث الشعبيِّ، كما أنجزتُ كتاباً بعنوان  “صور من الحياة الاجتماعية عند البدو”. تناولتُ فيه جوانب متعدِّدة من حياة البدو والبادية، وتراثهم الشعبيِّ:  كالأزياء وعادات الزواج والعلاج والتعليم والغزو والحروب في حياة البدو والشعر البدوي والعلاج والطبابة والفنون الشعبية والأمثال، ومظاهر الفُرجَة والتسلية، وغيرها من الجوانب التي كوَّنتها على لسان من تبقَّى على قيْد الحياة من كبار السِنِّ  من أبناء قبيلتي الفواعرة، قبل أن تندثر وتزول، كما أنجزتُ كتاباً آخر بعنوان “مهن وفنون تراثية من محافظة حمص وريفها” الذي من المقرر أن يصدر في الأسابيع القادمة في مدينة حمص إن شاء الله وفي جعبتي كتاب آخر في التراث الشعبي بعنوان “منمنمات من التراث الشعبي السوري” وكتاب بعنوان “من الرمح إلى المغزل.. أوابد وإبداعات حضارية من سورية”.

 ** خالد عواد الأحمد سأقلب الصّفحة الأخرى، لأرى فيها إنسانًا طامحًا مُختلفًا، ساعيًا بسرعة النَّمْلة لمُلاحقة الكُتّاب والمُفكّرين والشُّعراء، والصبر المُملّ على نَزَقَهِم، ونزواتهم؛ للظفر بموعد لعمل مُقابلة أو إجراء حوار، رُبّما لا يقرأه أحد إلّا المُهتمُّ بهذا الأمر. هل ترى أنّ هذا العمل الذي قمت به كان له ما يُبرّره آنذاك؟، رغم أن أضواء الإعلام المرئيّ يُسعى إليها بكلّ السُّبُل المشروعة وغير المشروعة، ما الذي جعلك تُقيم عند قناعاتك؟.

-مبعث اهتمامي بملاحقة الكتَّاب والمفكِّرين والشُّعراء، بحسب تعبيركَ بدأ لقناعتي بأهميَّة السُّؤال في تحريك الرواكد في الثقافة العربيَّة، وتحريض الفكر، وبدأ الاهتمام  أيضاً كنوع من العمل الصحفيِّ، ومحاولة مُقاربة عوالم هؤلاء المبدعين، وكيف يفكِّرون، ويبدعون، وربَّما كنتُ محظوظاً بإجراء لقاءات أدبيَّة مع كُتَّاب وأدباء يوصفون بالكبار في الثقافة السُّوريَّة والعربيَّة المعاصرة، ومنهم: “حنا مينه” و”هاني الرَّاهب” و”غالب هلسا” و”علي حيدر” و”وجيه البارودي” و”زكي قنصل” و”محمد عمران” و”بديع حقي” و”برهان غليون” و”الطيِّب تيزيني” وغيرهم المئات من الأسماء التي ضمَّنتُ بعضها كتابي الأول “غواية الأسئلة- مواجهات في الفكر والحياة والإبداع” وفي كتابي الثاني “زمن الكتابة .. زمن الإنصات ..  حوارات في الفكر والحياة والإبداع”، وفي كلَّ ما قمتُ به من حوارات، حاولت قدر الإمكان الإلمام بتجربة المحاوَر من كلِّ جوانبها، والاطِّلاع على بعض أعماله، والابتعاد قدر الإمكان عن الأسئلة الرُّوتينيَّة العابرة، التي لا تثير النَّقْع، أو تحرِّك السَّاكن؛ لاعتقادي بأنَّ السُّؤال هو مفتاح للمعرفة، وبوابة للولوج إلى عوالم الفكر والإبداع، وقديماً قِيل: إن الصياغة الصحيحة للسُّؤال هي نصف الإجابة، أمَّا الحديث عن الصَّبر المُملِّ على نزوات بعض الكُتَّاب؛ فَلَهُ قصص، وشجون أخرى في ذاتي، وأذكرّ أنِّي عندما ذهبتُ للقاء الروائيِّ الراحل “حنّا مينه”، ولم أكن قد تجاوزت العشرين من عمري، وطلب منِّي “مينه” الذي كان يعمل مُستشارًا لوزيرة الثقافة، حينها كتابة أسئلة، وتركها له؛ ليجيب عليها، وبعد أسابيع راجعتُه بشأنها؛ فبدأ بالتبرُّم والتسويف؛ ليعطيني الإجابات مكتوبة بخطِّ يده بعد الكثير من الانتظار، وعندما قرأتُ الإجابات وجدت أنَّ بعض الأسئلة لم ترُقْ له، وربما اعتقد أنَّها تنالُ من مكانته، كشيخ للرواية العربيَّة؛ فصبَّ جام غضبه عليَّ كمُحاوِر بدل الإجابة عنها بهدوء وتُؤْدَة، كما يُفتَرَض بكاتب كبير مثله، وأذكرُ أنِّي طرحتُ عليه سؤالاً واخزاً -بما معناه- أنَّ المرأة تحضر في أعمال “حنّا مينه” بقوَّة، ولكنَّها امرأة من نوعٍ خاصّ: إنَّها امرأة العِهْر والجسد، وعندما يُحاول الارتقاء بها عادة، ما يكون هذا الارتقاء غير مُقنِع، ويبدو أنََّ هذا السُّؤال أزعجه كثيراً، وأثار جنونه، واتَّهمني بأنِّي أحاول تغيير زُرقة البحر؛ بدلق زُجاجة حبر فيه، وأنَّني “دُونِيٌّ” لأنِّي أميِّزُ بين المرأة والرجل في عمل يقومان به معاً، دون أن ينسى الإشارة إلى أنَّني أزعجتُه بإلحاحي على الحُصول على الإجابات.

 ** لاشكّ أن ظروف الحرب، وتبعاتها القاسية على حياتنا كسوريّين. ما هي المُتغيِّرات التي انعكست بآثارها على العمل الإعلاميّ عمومًا؟. خالد عوّاد الأحمد كإنسان مُعارض، كيف انعكس ذلك على مهنتك الإعلاميَّة.

– أستطيعُ أن أجيب على هذا السؤال من منطلق ذاتي؛ لأشير إلى أنَّ الحرب كان لها مُنعكسات نفسيَّة قاسية عليَّ أكثر من انعكاسها على عملي الإعلامي، وعلى خلاف الكثير من الصحفيِّين السُّوريِّين الذين سُدَّت أمامهم الآفاق؛ بفعل الحرب، وظروف التهجير واللُّجوء. أحمدُ الله أنَّني وجدتُ في الفترة القريبة التي تَلَتِ اللُّجوء فُرصةً للعمل الصَّحفيِّ، ولكن بشكله الإلكترونيِّ، وليس الورقيِّ، وأَمَّن لي هذا العمل استقراراً ماديًّا نوعاً ما، كما أتاح لي فرصة الإسهام في فضح جرائم نظام الأسد، وقصص المعتقلين، والكتابة عن إنجازات السُّوريِّين في كلِّ الميادين والمجالات، وعلى عكس عملي الصَّحفيِّ، الذي كاد أن يكون مقتصراً على حمص، كبُعد جغرافيٍّ ثقافة وتراثاً وأمكنة؛ انفتحت الأمداء لي في الصَّحافة الإلكترونيَّة، وبات ما أكتبُه أكثر ثراءً وتنوُّعاً.

 

 

** لا شكّ أنّ لكلّ مهنة محاسنها، وأنت كصحفيٍّ تعمل في مهنة المتاعب والمصاعب؛ فهذه أمور تكيّفت وتأقلمت معها، ولكن كحديث للذكريات، هلّا حدثتنا عن بعض المفاجآت والمفارقات خلال مسيرتك الطويلة والعريقة؟.

تعرضت خلال مسيرتي الصحفيَّة التي تعود للعام 1983 للكثير من عمليَّات السَّرِقَة لما أكتُبُه، وأنشرُهُ في الصُّحف والمجلات، وأذكر أنَّ أوَّل سَرِقَةٍ تعرَّضتُ لها كانت لمقالة نشرتها في جريدة “حمص المهجريَّة“، فقد سَطَا عليها شقيق لأحد رؤساء تحرير جريدة “العروبة” في منتصف الثمانينيّات، ونشرها في الصحيفة مُخمِّناً أنِّي لن أتابعها، رغم أنَّني كنتُ أنشر في الجريدة ذاتها، وأتلقَّفُ صدورها يوماً بعد يوم، كأيِّ صحفيٍّ في بداياته، وبعد سنوات سَطَا أحد مؤلِّفي الكُتُب المعروفين في حمص، على مقالة لي عن مصحف “عثمان بن عفان” نشرتُها حينها في جريدة الاتِّحاد الإماراتيَّة، وتوالت السَّرقات فيما بعد إذ سَّطا أيضًا أحدهم على مقالة لي عن “قلعة حمص”، ونشرها في مجلَّة “أيَّام الأسرة”، التي انضممت لها” كأحد مُحرِّريها لسنوات، فيما بعد حيث دأبتُ على نشر زاوية شهريَّة بعنوان “آثار بلادي”، وتمَّ تغيير الزَّاوية فيما بعد إلى “صور من التراث الشعبي”، وسطت إحداهُنَّ على سطور كاملة من كتابي “صور من الحياة الاجتماعيَّة”؛ لتنشرها ضمن مقالة لها عن عادات البادية في مجلة “الُمعلِّم العربيِّ”، ولجأ صحفيٌّ لبنانيٌّ إلى سرقة مقالة لي عن “مهنة الرتا” أي إصلاح ما المُهترئ من الثياب أو السجّاد وغير ذلك، ونشِرَت لي في جريدة “الخليج” الإماراتيَّة، لينشرها في جريدة “الاتِّحاد” التي تصدر في ذات البلد، للمفارقة غير أن أطرف وأغرب السَّرقات: ما قام به الكاتب “شمس الدين العجلانيِّ” بسرقة أجزاء كبيرة من مقالة لي عن “السيف الدمشقيِّ” نُشرت في جريدة “الرَّاية” القطريَّة عام 2006، لينشرها في مجلَّة “الأزمنة” بدمشق بعد عام، رغم أنَّه اتَّهَمَ الدكتور “دارم الطبَّاع” بسرقتها في صفحة بعنوان (السرقات الأدبية)، خصَّصها لتصيُّد ما يَدعي أنَّها سرقات لمقالاته؛ “فتأملُّوا يا رعاكم الله..!!”، كما يقول الراحل “توفيق البجيرمي” صاحب البرنامج الشَّهير “طرائف من العالم“.

** من خلال رصدكَ ومُتابعاتِكَ وفي مناخات السيْل الإعلامي والسوشيال ميديا. هل ارتقت الصّحافة والإعلام المُوازي لإعلام النّظام لمُحاكاة المأساة، وتلمُّس الجراحات، ومُحاولة تضميدها؟.

** للأسف لم يستطع هذا الإعلام الارتقاء إلى تضحيات السوريّين، وسُموّ ثورتهم؛ لأنّه تحوّل إلى دكاكين إعلاميّة حسب تعبير الكاتب السُّوريِّ “نجم الدين السمَّان“، وانبثق عن الثورة مجموعة من الأشخاص سمُّوا أنفسهم زوُرًا وبهتانًا إعلاميِّين، وهم لا يفقهون حقيقة أنَّ الإعلام أخطر الأسلحة، علاوة على أنَّ قنوات الإعلام هذه المُموَّلة من مصادر شتَّى مختلفة ومُتبايِنة في مواقفها من الثَّورة السُّوريَّة باتت أسيرة لهذه الأجندات.

 **ما الحاجات الكفائيّة للصحفيّ  السوريّ المهنيّ والمحترف المهاجر خارج بلده في دول الجوار، والدول الأجنبيّة من أدوات ليستطيع مُمارسة عمله الصَّحفيِّ برأيكَ؟.

– الكثير ممّن يعملون في الصحافة من اللّاجئين السوريّين لم تكن لديهم تجربة مهنيّة سابقة في سوريّة، بل اكتسبوا بعض الخبرات من خلال الكتابة على مواقع شبكة الأنترنت، وخاصّة مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي فإنّ أغلب ما يكتبونه عن الثورة لا يخرج عن نطاق التأمّلات، والرأي الشخصيّ، ولا يرقى لمستوى العمل الصحفيْ المهنيّ، ولذلك يحتاجون لدورات مهنيةّ، وانخراط أكثر في أجواء العمل الصحفيّ والميدانيّ؛ فالصحفي “مُؤرّخ اللّحظة”، وبالتالي يحتاج للكثير من المِران وامتلاك الأدوات المطلوبة؛  لاكتساب الخبرة العمليّة، كي ينتج مادّة صحفيّة ذات مستوى لائق.

 ** مع دخول المأساة السُّوريَّة لعامها الثَّاني عشر. ما هي رؤيتكَ لمستقبل سوريَّا؟. بعد استقرار الوضع وعودة الاستقرار لسوريَّا. هل تتوقَّع عودة الذين هاجروا إلى شتَّى بقاع الدّنيا؟. وما هي أمنيتكَ الأخيرة؟.

– الأمل بعودة الاستقرار إلى سوريا ضعيف للأسف، ولا بارقة من أمل تلوح في الأفق للأسف، ولا يبدو هناك بصيص ضوء في نهاية النفق، الذي وُضِعنا فيه جميعاً؛ لأن هناك من يريد أن تستمرّ هذه الحرب اللّعينة ولا تنتهي، لأن نهايتها تعني نهاية استثمارهم فيها، ومكاسبهم منها، ولذلك تكاد تنعدم العوامل المُشجّعة لعودة أي سوري تم تهجيره في جهات العالم الخمس إلى سوريا، في ظلّ انسداد الأفق، وعدم وجود ما يُشجّع على العودة علاوة على الانهيار الذي تعيشه البلاد المنهكة على كل المستويات والأزمات الاقتصاديّة والمعيشيّة، والتدمير الذي طال كلّ مفاصل الحياة، فيما هم يعيشون حالة من الاستقرار والأمان، وبدؤوا يشقّون طريقهم إلى مراقي النجاح والمستقبل المفقود في سوريا على ضوء الواقع الحالي.

أما أمنيتي الأخيرة: فهي أن تنتهي الحرب، وتُشرِق شمس الحرية، بعد أن تتخَلّص سوريا من رِبقة الظلم والظلام الجاثم على صدرها، وتحتضن أبنائها المنفيّين في جميع بقاع العالم.

بطاقة تعريفيّة:

 

*له العديد من الكتب المطبوعة ومنها:

–  (غواية الأسئلة –مواجهات في الفكر والحياة والإبداع)

– (عادات ومعتقدات من محافظة حمص) دمشق 2011

– (صور من الحياة الاجتماعية عند البدو) حمص 2008

– (معالم وأعلام من حمص) حمص 2010 .

 

* والعديد من الكتب المخطوطة ومنها:

– (أوابد وإبداعات حضارية من سورية)

– (زمن الكتابة –زمن الإنصات – حوارات في الفكر والحياة والإبداع) –نشر إلكترونياً

– (مهن وصناعات تراثية من حمص) سيطبع قريبا

– (غريب اليد والوجه واللسان – منمنمات من التراث الشعبي في حمص).

– (مشاهير علماء حمص في القرنين الثاني والثالث عشر الهجريين).

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!