رضوان بن شيكار يستضيف الشاعر بوعلام الدخيسي في زاويته أسماء وأسئلة

آفاق حرة

 

أسماء وأسئلة:إعداد وتقديم رضوان بن شيكار
تقف هذه السلسلة من الحوارات كل اسبوع مع مبدع اوفنان اوفاعل في احدى المجالات الحيوية في اسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد انتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.
ضيف حلقة الاسبوع الشاعر بوعلام الدخيسي
1 ــ كيف تعرف نفسك في سطرين؟
بداية أشكرك أخي وصديقي رضوان بنشيكر على هذه الدعوة الكريمة، وأهنئك على هذا البرنامج الأدبي والإبداعي القيم، وهذا المجهود الجبار..
هو يا صديقي في أقل من سطرين: بوعلام دخيسي من مواليد مدينة وجدة المغربية سنة 1969م.
2 ــ ماذا تقرأ الآن؟ وما هو أجمل كتاب قرأته؟
أقرأ رواية “الأبلة” لدوستويفسكي
أما عن أجمل كتاب فهو الكتاب نفسه لأنني بصدد قراءته ولو سألتني قبل هذا أو غدا لكان أجمل كتاب ذاك الذي أقرأه حينها. ما لا يعجبني عادة لا أكمل قراءته إلا إن فرضه ظرف خاص لم أملك أمامه حيلة للتخلص منه.
3 ــ متى بدأت الكتابة؟ ولماذا تكتب؟
ــ إن كنت تقصد كتابة الشعر وعرضها للنشر، فهي في سنة 2005. وإن سألت عن الكتابة عموما فهي في أيام الثانوية “أواخر الثمانينات” لكن الربائب كانوا يومها كثرا فقد كان الرسم والموسيقى يدفعان بقوة حتى لا ينتصر الشعر..
ــ لماذا أكتب؟
أكتب لأرسم نفسي فيراني الآخر كما أنا، أكتب امتثالا لأمْرِ سقراط “تكلم حتى أراك” وأحيانا أتكلم لأرى غيري أيضا.. لأرى وأسمع صدى قولي عنده.. فأزداد حبا للإنسان وحبا لنفسي أيضا.. حبا إيجابيا لنعيش.
الإنسان يحب نفسه لكي يصر على الحياة، والكاتب يحب نفسه ليصر على حياة الكلمة وحياة الجمال وحياة المجتمع..
4 ــ ما هي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين إلى التسكع في أزقتها وبين دروبها؟
سأكذب عليك إن قلت لك مدينة أخرى غير تلك التي تتسكع فيَّ ليل نهار وتجوب دروبي وزقاقي وتعرف أرقام منازلي منزلا منزلا وأفرادها فردا فردا.. إنها “وجدة”.. وإن سُمح لي أن أضيف إلى الحبيبة حبيبة أخرى فإن حبي الثاني للقدس، لأنني أحب الزهور وهي الزهرة ولتعذرني باقي المدائن..
5 ــ هل أنت راض على إنتاجاتك وما هي أعمالك المقبلة؟
ــ الرضا إيذان بالنهاية والخراب، والكاتب والمبدع بالخصوص عقيدته الإقلاع والترحال بين العوالم والبحث عن الجديد في كل شيء.. حينما تحدث نفسك بالرضا ذكرْها بأيام قديمة خلت، وقل لها: أتُراك لو قبلت بالرضا حينها، ماذا كان سيكون مصيرك الآن؟ ثم نبهها بأمر بسيط ـ فقط ـ وقل لها: إن الحاضر سيكون نفسه ماضيا يوما ما..
ــ في حوزتي الآن مجموعتان شعريتان كاملتان تقريبا.. أنتظر فرصة للنشر وآمل أن يسعفني العمر حتى أعانقهما فردين أو مثنى بحول الله.
6 ــ متى ستحرق أوراقك الإبداعية بشكل نهائي وتعتزل الكتابة؟
أنا أب يحب أبناءه وزوج يحب زوجته.. لن أقدم على شيء إلا إن حال ما يمنع، وحينها سيكون المنع وصلا، وسيربط من يقدرون الوفاء ما انفصل، وستبتسم العيون وتنام وهي راضية.
7 ــ ما هو العمل الذي تمنيت أن تكون كاتبه؟ وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟
ــ أتمنى لو أكتب عملي الذي لم أكتبه بعد، لا أتمنى أن ألبس ثوب أحد. قد يعجبني الثوب لا شك، قد يجمعنا الحرير أو اللون أو طريقة الحياكة والخياطة… ربما.. لكن لن نلبس أبدا نفس الثوب.
ــ طقسي الوحيد للكتابة هو الرغبة فيها.. حينما أجدني مشدودا للحروف أعانقها ولا أبالي بالمكان ولا بالزمان.. بعض النصوص، أو مقاطع منها على الأقل، كتبت وأنا في أوج انشغالاتي الحياتية.. لا أسكِت أحدا حتى أكتب ما دام الحديث يدور في خارجي.. لا أطلب قهوة تركية أو قهوة إيطالية “الكاباتشينو”.. لأكتب. أطلب فقط الرغبة، وهدوءا أصنعه أنا لنفسي ولا ألزم أحدا..
8 ــ هل للمبدع والمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها أم هو مجرد مغرد خارج السرب؟
إذا لم يؤثر المثقف في المجتمع أثر فيه غيره، إذا لم يعلمه العالم “علمه” الجاهل، إذا لم تهذبه الحكمة عذبته الفوضى.. مما راهن عليه اتحاد الشر في العالم أن يرغموا المثقف على الاستقالة، وأن يجعلوه يقبل بالمغادرة الطوعية مقابل اللا شيء.. وبهذا كفاهم عن إقالته والخوض في دماء تلعن قاتلها حتى وإن ماتت، كما فعلوا مع ناجي وغسان ومصطفى العقاد ولوركا.. وغيرهم الكثير..
9 ــ ماذا يعني لك العيش في عزلة إجبارية وربما حرية أقل؟ وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للكاتب؟
قد تمكن العزلة الكاتب فرصة للقراءة أكثر والكتابة أكثر.. لكني أرى أن العزلة فخ كذلك إذا ظن المبدع أن الآخر ينغص عليه تركيزه وانحيازه للكتابة.. سبق وأن تحدثت في جواب سابق عن شيء كهذا، وهنا أعود لأقول إن ما نعيشه من أحداث وما يجمعنا بغيرنا من البشر وغير البشر… كل ذلك مدارس ومراجع ومصادر.. تلهم الكاتب الحقيقي للكتابة وتسمنه كما تسمنه الكتب التي يقتنيها ويقرأها بنهم..
10 ــ شخصية في الماضي ترغب لقاءها ولماذا؟
بوعلام الطفل.. ولا أدري لماذا إلا يقيني في أنه كان النموذج الذي ما زلت أبحث عنه وحرمت حتى أن أتذكر كل تفاصيله.
11 ــ ماذا كنت ستغير في حياتك لو أتيحت لك فرصة البدء من جديد ولماذا؟
أراه سؤالا شبيها بالذي قبله، لهذا سأجيبك باختصار:
كنت سأبقى هناك، لا أزيد خطوة واحدة.
12 ــ ماذا يبقى حين نفقد الأشياء؟ الذكريات أم الفراغ؟
في عرف وعادات الشعراء، يأتي الشعر حينها هرولة، ونفس الشيء في عرف كل إبداع.. هنا فقط يكون للفن فضله على صاحبه، وإلا فالفنان والمبدع يجب أن يسدا فراغات جماعية أكبر وأن يحفظا ذكرى وذاكرة التاريخ، فلا حضارة تذكر دون معالمها وعمرانها ومنحوتاتها وحِكمها وأشعارها وتراتيلها..
13 ــ صياغة الآداب لا يأتي من فراغ بل لابد من وجود محركات مكانية وزمانية، حدثنا عن ديوانك الأخير: “عطفا على خصر الكمان”، كيف كتب وفي أي ظرف؟
مثله مثل إخوانه الثلاثة الذين سبقوه، ربما تختلف بعض التفاصيل، لكن لن أزايد عليه وعليكم إذا قلت إنني أعيش وأكتب كلما ألحت علي نفسي ذلك، أجمع ما دونت ليصير المجموع ديوانا.
ما دمنا نعيش مرحلة تاريخية مستقرة، حضيضية للأسف، يبقى ظرف الدواوين الأربعة نفس الظرف، ربما مع اختلاف بسيط في الديوان الأول حين انقشع بعض الضوء ثم سرعان ما خبا وانطفأ.
إذن، ولأن الزمان نفسه، ولأنني لا أغير الأمكنة كثيرا، فلا جديد.. ويبقى البحث عن القصيدة الحلم حاضرا، يتأقلم مع الظروف كما هي، والتأقلم هنا ليس ذلك الذي يسميه درويش أكبر تنازل، لكنه الحياة..
14 ــ ما الذي يريد الناس، تحديدا من الكاتب؟
ليتهمْ يريدون منه شيئا ههه !! واسمح لي على هذه المزحة الممزوجة بالمرارة للأسف الشديد. تراجعْنا، أخي رضوان، على مستويات كثيرة أهمها التعليم، فتقزم المتقزِّم وانحصر المنحصِر.. حتى صار الكتاب غريبا والكاتب أغرب، واذكرْ لو شئت لفظة شاعر أو روائي أو تشكيلي.. في مجلس عام وانظر إلى ردود الفعل على الوجوه، بل وقد تسمع بأذنيك من يتهكم ومن يظنك تتحدث عن مهرج.. لكنك لو ذكرت اسم مذيع مهرج فعلا أو مهرج أصلا، والتهريج هنا مجازي فقط، وإلا فالمهرج أعمق المثقفين حسا وأداء.. قلت لو ذكر مثل أولائك، لحطت على رؤوس الناس الطير إعجابا وتقديرا. لكن لا بأس هنا من الحفاظ على بصيص من النور الذي قد يصير إشعاعا إن شاء الله، فما زال، رغم كل ذلك، من ينتظر من الكاتب أن يكون الصوت المسموع والجندي الذي يرفع اللواء ويمنعه من أن يسقط في المعارك.. وكذلك ينبغي للكاتب أن يكون وكذلك يراد له ألا يكون للأسف دائما.
15 ــ ما جدوى هذه الكتابات الإبداعية وما علاقتها بالواقع الذي نعيشه؟ وهل يحتاج الإنسان إلى الكتابات الابداعية ليسكن الأرض؟
الكتابة عبر التاريخ هي التي حفظت لنا التاريخ نفسه وقد سبق وأن أشرت إلى هذا. وحدها الأمم التي لم تكتب هي التي ماتت واندثرت وانتهى خبرها، والإبداع أعمق وأصدق. في أداء هذه الوظيفة لأنه لا يخضع لنحلة الغالب، إلا قليلا.
الكتابة إذا لم تعبر عما نعيشه من واقع تكون قد خانت أماناتها، ولهذا تحديدا، يتجدد الإبداع ويستمر ولا ينقطع، لأنه يعيش عصره ويعبر عنه، وبالتالي فهو ابن بيئته، وهو الناطق الرسمي حينما يسكت الجميع، وهو صمام الأمان حينما يعبث بالتاريخ والتأريخ العابثون..
16 ــ كيف ترى تجربة النشر في مواقع التواصل الاجتماعي؟
للأسف ينظر البعض إلى المسألة بكثير من التعقيد، وهي ببساطة شديدة وسائل من وسائل العصر وأماكن يحج إليها الناس بكثرة كما كان الناس يقصدون مكة فكان سوق عكاظ، وكانت الجرائد فكانت الملاحق، وكانت التلفزة فكانت البرامج الثقافية التلفزية والإذاعية.. وكانت المعارض.. وكانت قبل ذلك دور السينما وكان ساحات وقاعات المسرح منذ فجر التاريخ.. ربما سأكون متطرفا إذا قلت إن المثقف والكاتب الذي لا يضع لنفسه وِردا يوميا من هذا النوع من التواصل اطلاعا ومطالعة وتفاعلا ونشرا وتنويرا.. فهو يعيش غير زمانه، ومثله مثل من رفض التلفاز عند ظهوره ومن أنكر على العازف عزفه وعلى المطبعة دورها..
17 ــ أجمل وأسوء ذكرى في حياتك؟
قد يكونان معا مجتمعتين في لحظة الولادة.
لكن وحتى لا أغمط اللحظات حقوقها، كانت أسعد لحظة حينما رزقت بامتداد لي في الحياة.. ابنتي الوحيدة.
وكانت أسوأها لحظة موت زوج الأخ وهي بمثابة الأخت، لحظة ما زالت تخيم علينا بحزنها كل مرة في السنة، ومرات أحيانا، رغم أنها ناهزت العقد من الزمن.
18 ــ كلمة أخيرة أو شيء ترغب الحديث عنه؟
أشكرك أخي رضوان وأرجو للثقافة أن تحظى بفتية مثلك يأوون بها من الكهوف إلى النور.. دمت طيبا صادقا صديق العزيز.

عن رضوان بن شيكار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!