يوسف النهاري يحاور لأفاق حرة الكاتب اليمني سليم المسجد

الكاتب اليمني سليم المسجد: الألم مطبخ الكتابة
السجن وحدة وموت لكني استطعت تجاوز هذه المحنة

حاورهُ: يوسف عبدالرحيم النهاري

يتجلى شعرا ويفيض سردا وحبا ويزاول العمل في الصحافة الثقافية بمهنية واقتدار، دون أن يخنقه يأس أو تثنيه هزيمة مُذ غيبته الأقدار الحاقدة في أقفاص الأسر عام 2011 ومازال يقبع تحت بؤسها الكافر حتى الآن.
يلملم أوجاعه بصمت بين جنباته وأعماق التدوين أيضا، وكلما رأى أحدا على حافة الانهيار نادى في أُذن الوجود: ” أيها المصير وزخات الحبر الأبيض/اللامتناهي تندلق كموجات عطشى: بالنهايات السعيدة إيماني عميق كإيماني”.
نسيتهُ البلدة الذي ولد فيها وأحبها وترعرع على ربوعها ذات غيمٍ ودهشة ولم تغفر له خطأه بعد؛ فاحتضنه العالم الافتراضي بحب لكن لم يعرف معظم سكان هذا العالم في أي قبر يقبع هذا الكائن الضوئي.
إنه “سليم المسجد”، شاعر وقاص ونص مفتوح، تعرفت عليه سجينا قبل سنوات أثناء زيارة عابرة للإصلاحية المركزية بمحافظة المحويت، وقبل أن أكون طالب إعلام.
واليوم، سُعدتُ في بداية مسيرتي الصحفية بإجراء أول حوار معه بالذات، فكانت الحصيلة:

** حدثني عن بداياتك في المجال الأدبي، وأيهما أقدم كتابة بالنسبة لك القصة أم الشعر؟
• لاتوجد بداية محددة، رغم أني مصاب بجرثومة الكتابة الأدبية منذ الصغر، غير أن تلك الكتابات كانت عبارة عن قصاصات لصبي يعيش في مجتمع سطت به جلف البداوة واستوطنت الأمية رؤوس ساكنيه حينذاك، أو مجرد كلمات كنت ألقيها عبر الإذاعة المدرسية بساحة طابور المعهد العلمي الذي أدرس فيه، وهنا حظيت بالتشجيع من قبل أعضاء هيئة التدريس فضلا عن أنه كان يتم تكريمي نهاية كل عام كالأول على مستوى الصف والمعهد أيضا، غير أن التشجيع في هذه المؤسسة يقتصر على أن تكون كاتبا كسيد قطب وخطيبا كعائض القرني.
عندما كنت في السنة الأخيرة من المرحلة الإعدادية وقعت في حب فتاة، وفيها ومعها وجدتني أهلوس وأقول مايسمى “شعر” ولكن دون أن يسمع بهلوساتي أحد، لأني بلاريب سأكون عرضة للعقاب والتوبيخ إذا سمعت عائلتي ذلك أو وصل الخبر لإدارة المعهد.
والحقيقة، أني لم اهتم بما أكتبه في تلك الفترة واحتفظ به، وكنت أكتفي بما أكتبه من رسائل حب آنية أو شعر مراهق لحبيبته بتسجيل أي حاصل في شريط كاسيت بعد أن تذهب عائلتي للحقل عصرا، وبمجرد أن يتسلمه الطرف الآخر ويستمع إليه تكون الرسالة عرضة للتلف مباشرة.
ومن بقايا رماد تلك الفترة مثلا تصويري لذات لقاء خريفي في مقطوعة شعرية لم أعرف بأنها على وزن المتقارب إلا بعد سنوات، ومنها:
” أطلّت.. وطلّ الصباح
دلالاً وليناً مُثار

على خدها شامةٌ
كظلٍّ بوجه النهار

نظرتُ.. وقلت لها:
فديت العيون الصغار

حياتي تري لم أنُم
وجِعتُ أليكِ انتظار”.

** الكثير من كتاباتك نُشرت في مجلات عربيه ومحليه فماهي الأقصوصة التي نُشرت أو القصيدة التي كانت بداية مؤشر لشهرتك…؟
• بل القليل من كتاباتي نُشرت في مجلات عربية ومحلية سواء قصة أوشعرا أومقالة أدبية ولايعد ذلك مقياسا للإبداع ومؤشرا للشهرة التي أمقتها اليوم في ظل مفارقات عدة ظهرت في عصر الشبكة العنكبوتية.
ولك أن تقول عني : مجرد كائن عطري مغمور يركب البحر خلسة ويجري وراء الشمس الهاربة ويصّعد في السماء بأجنحة منكسرة ليخط من بياض الغيم أبجدية الوجع والنور والميلاد والخلود.

** هل تأثرت في الجانب الأدبي بشخصٍ ما… فمن هو وما الكتّاب الأكثر تأثيرا لك في هذا الجانب..؟
• أحببت الكثير وقرأت الكثير واغترفت المعرفة من مناهل عدة، لكن سأظل لا أشبه إلا نفسي ولي في متون الكتابة وهوامشها سمة أسلوبية خاصة.

** هل حُظيت أعمالك باهتمام من قبل الجهات المختصه؟
• وهل في اليمن جهات مختصة تهتم بالشباب وأعمالهم الأدبية! مابالك بشخصٍ لولا نعمة “النت” لن تتعرف عليه وعلى كتاباته المكردسة غير هذه الجدران الأربعة.

** هل واجهت انتقادات في بداية مسيرتك الأدبية، وهل تأثرت بهذا الانتقاد؟
دعك من النقد الفيسبوكي الشائع اليوم! أعرف الكثير من النقاد وقرأت الكثير من الدراسات النقدية، غير أني أكون دوما ناقد نفسي وكتاباتي أولا. بالإضافة بأنه لم تنشر لي (أعمال) حتى تكون عرضة للنقد الأدبي الحقيقي.

** ما العمل الجديد الذي تقوم به، وهل طُبع لك أي كتاب في مجال القصة أو الشعر على نفقة الجهات المعنية؟
• حالياً، أعمل مدير تحرير مجلة “نقش الثقافية” عن بُعد، وإن كنت تقصد في مجال الكتابة الأدبية فثمة جديد خلف الشمس ومشغل الخيال وهوس الكتابة، فضلا بأنه لدي أعمال أدبية ومؤلفات عدة لم تر النور بعد، ولم ينشر شيئا من أعمالي في كتب ورقية سوى نصوص يتيمة في كتب جماعية مشتركة، ومؤخرا وبرعاية كريمة من صديقتي (رئيس تحرير مجلة نقش الثقافية) الكاتبة والناقدة الأردنية/ وداد عبدالكريم أبوشنب تكفلت بطباعة مجموعة قصصية لي عنوانها “كائنات زئبقية” صدرت عن دار ابن رشيق للنشر والتوزيع هناك.

** السبب الرئيس في إبداعك كان من واقع معاناة ومنفى السجن أو كان غير ذلك تماما؟
• الألم مطبخ الكتابة وأي كتابة لم يطبخها الألم نيئة، ناهيك بأن الكتابة عندي لم تتحوصل في قوقعة واحدة شكلا ومضمونا.
فكككأحيانا أجدني في نتوءات صفحات ممزقة الحواف/ أغرز مبضعي المبري بالدفء/
لاجترار عينة من مصل المنفى/في قوالب غيمية التكثيف والتراكيب/تقلّها سرديات اللامنفى/ مديات الآتي من وراء الوباء/صوب الفردوس المفقود في مناطات اللامرئي.
وأحيانا أخرى تعتريني رهبة مما يحدث هنا فأجدني ومن معي هنا في قصة شخوصها يركضون كالموتى وأقدم لكم ذلك على طبق من خيال، وغير ذلك مما يستفزني خلف الأبواب المغلقة وأروقة المحاكم.
وفي لحظة تجلٍ ما تشد بي رحال القصيدة إلى هناااك فتجدني أحن وأحب وأتألم، وقد أنزوي وحيدا أو كطائر يرثي نفسه في معظم الأحوال.
وكم هو مؤلم عندما أكتب تراتيل اعتذارية في معبد بلقيس وألعن الآتين من الخيبات وأنا أرى وطنا يتردى من قامته حسرات.
لذلك أجدني طويلا في كعبة الفجر ومعاريج الغيوم. وقد أعود مني إليّ:
أرثي القباب المهجورة/ أتعبدُ في محاريب الصمت الذاوي في المدى/أتسلقُ أغصان الضوء وصهاريج السنابل/أركلُ الجدران ونقاط التفتيش/أبحثُ في أحشاء السديم عن طفلةٍ أو شبه غيمة لم يكتمل قمرها انتصافا/ لم ينغ بزوغها المتوارب بين شفايف الغيم الطويل وأناجيل الوطن المكفنة بالعتمة.
وفي إيقونة سحرية حد الإفراط أصرع الواقع ثم أعصره وأعيد تشكيله من جديد.
وهكذا…..

** ما الكلام الذي تود أن تقوله أو توجه لأي جهة كانت؟
• لم يتبق ثمة ماأقول/ سأعتنق الصمت/ وطنٌ مذبوح../ وشعباً أخرسهُ الوهم.

** بماذا تصف السجن وحياة السجناء فيه، حدثنا عن ذلك بصفة عامة وشخصية أيضا؟
• السجن بيت الوحدة، وفي السجن تعرف الحياة كما هي، والسجين باختصار: لاحي فيدعى ولاميت فينعى ولاصحيح فيزار ولامريض فيعاد. أو كما قلت تحت أجفان الليل:
كل المدامع قد غدت أشواكا
ليل الأنين بداخلي بتّاكا

لاأُمّ تحضن مهجتي كلا ولا
تلك الديار تقول ماأبكاكا؟
ولا أخفيك بأني استطعت تجاوز هذه المحنة وأصبح لي في كل بلد عربي عائلة وأصدقاء وأحبة. وثمة حديث يطول ويطول في هذا الصدد.

** قبل الختام، هل ستطلع القراء ولو على القليل في سبب سجنك وكم قضيت في السجن وبما حُكم عليك!…، وماالرسالة التي تود قولها من السجن ولمن توجهها…
أم تمانع من الحديث في هذا الموضوع؟
• أود ذلك ولن أمانع، غير أن ذلك قد يستغرق مئات الصفحات حتى وإن حاولت الإيجاز فالوقت المقرر لهذا اللقاء قصير جدا ولايكفي، لكني أوعدك والقارئ الكريم بأن تكون “سيرة الوجع” الخاصة بي بين أيديكم ذات يوم لعله قريبا.

** رساله أخيره لك أ.سليم، لمن توجهها أو أي كلام تضيفه؟
• لاشيء غير الحب والشكر لحضرتك، وقليلٌ من رسائل فينيقية سأفيض بها هنا عبر هذه الدمعة:
لمْ أبْكِ عمْراً عانَقَ الأجَلا
أبْكي دياراً عهدها رَحَلا
أبْكي على تلك الربوع فقفْ
في دمْعتي الصفراء مُبْتهِلا
نبْكي على قومٍ كأنَّهمُ
من بعدِ صفـْوٍ قدْ غدوا وحَلا
كانوا نجوماً كنتُ أحْسَبها
مشكاة حبٍّ عانقتْ زُحَلا
إنْ ظلَّ رَكْبٌ في دُجى سَفَرٍ
باتتْ لهُ أضواؤها شُعَلا
واليومَ تاهَ السيْرُ، واأسَفِي
ياقارئَ الفنجانَ ماحصلا؟

(طالب بقسم الصحافة، كلية الإعلام- جامعة صنعاء).
– 13/ يونيو 2022م

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!