أدركها النسيان رواية من الزمن الجميل بحداثة قلم سناء الشعلان

خالد جمعة/ سوريا

العالم الروائي ذاك الشيء الساحر الذي يمنحنا بتلابيبه البعد الثالث ، بعد التصوير، بُعد المشاهدة ، بعد التخيل ، كل ذلك ندركه عند تحط قراءتنا عند رواية ” أدركها النّسيان” للروائية الأردنية سناء الشعلان الرواية ذات وصف وجداني إنساني عاطفي قامت سناء بجمعه على صفحات روايتها لتمنحنا بعد التجلي والاندماج والشغف في المتابعة دون أي ملل . عندما تمنحك هكذا رواية كل تلك العلامات فلا بدّ من معرفة أن هناك رؤية عميقة ، فلسفة حياة تعيش داخل الروائية ذاتها حتى تستطيع جمع الحدث والحبكة والشخصيات في كل ذلك . أدركها النّسيان … رواية بهاء تلك الامرأة الستينيّة اسمها “بهاء” والتي فقدت ذاكرتها بمرض السرطان لكن الأقدار تفعل ما تعجز عنه الأيام لتلتقي بحبيبها “الضّحّاك” بعد غياب نصف قرن . وضعتنا سناء منذ البداية في قمة المؤشر البياني بوصفها وتعبيرها وحواراتها المتلاحقة ، ولم تترك لنا أي متسع حتى نفرد أوراق مخيلتنا ونستنبط ما يجري
بالدهشة أخذتنا وبالعمق اصطحبتنا لتكشف لنا كل أوراق الضحاك مع بهاء ذاك الحب العميق والذي تجلى بأبهى صوره عندما أدرك أن من أحب بحاجته فلزمها وراهن على شفائها . الضّحاك ذاك الأديب المرموق تروي حكايته سناء بكل دقتها بعد أن تعثرت به خطوب الحياة في بلده من تشرد وعذاب واعتقال ، ليهاجر بعدها حيث ابن عمه وتفرد له الحياة جناحيها أدباً ومالاً لكنها تبقيه بلا مشاعر ليفنّدها في متن رواياته ، ويبقى حبه لبهاء عميقاً متجذّراً داخله . بهاء لم تمنحها الحياة ما يكفيها فلجأت لبيع جسدها قبل قلمها ، عانت الكثير وتاهت بها دروب الحياة في متاهاتها كثيراً إلى أن استقر بها الحال مع مرض السرطان بالمصحة في ريف إحدى المدن الاسكندنافية.
غيبوبة الموت جعلت من الضّحاك ذاته أن يهزم المرض المتصاعد في جسد بهاء وهو ينظرها ، رافضاً كلمة الموت السريري كما قال الأطباء ، ذاك الإحساس جعله أكثر إيماناً بحبه وأنها ستعود للحياة من جديد وتنتصر بهاء بحبّها للضّحّاك على المرض وعلى الموت، لتستيقظ من سباتها الذي دام لعامين، وتتعافى من السّرطان ، وتنسى كل ما فات سوى ماعاشته في طفولتها وشبابها مع حبيبها . النهاية الدرامية التي وضعتها سناء لروايتها لتؤكد حقيقة الحب الصافي الصادق ، حقيقة وضعها بطلي الرواية في قالب الوفاء ، لم تترك الرواية مفتوحة في نهايتها بل أغلقتها على مصراعيها كفلم هندي تداعت مناظره وخطفتنا مشاهده بكل روعته .

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!