التناص والتجريب في نصوص (لن أدعهم يأخذونك إلى مكان بعيد ) للكاتب جازم سيف.

عبدالفتاح إسماعيل الخضر

قاص وناقد.

يحمل النص المفتوح الإمكانية لوجود حالات لانهائية من التفسيرات والتأويلات ، ولايتوقف على معنى واحد محدد، وهذا المعنى الناتج عن تعدد القراءات يتيح قراءات صحيحة يحتملها النص ، وتمنحه تجدداً دائماً، فالنصوص المفتوحة بنيات تملك سلطة التحرك الحر والظهور بأشكال مغايرة، ويرى امبرتو إيكو “أنَّ النص المفتوح عبارة عن آلة كسولة تتطلب من القارئ عملاً تعاضدياً، كي يملأ فضاءات المسكوت عنه أو غير المصرح به”(1). فالتناص والتجريب تقنيات أعتدَّ بهما الكاتب سيف حيث جاءت كتابته صعبة التجنيس ومنفتحة على نصوص أخرى مستلهمة منها دلالاتها ورمزيتها، لقد أهتمت ثقافة ما بعد الحداثة بالدادية ومناهضة الشكل المنتهي ، ودعت إلى الشكل المفتوح على مصراعيه ، واللعب الحر بالمبنى والمعنى، والصدفة المصطنعة ، والفوضى التجريبية والصيرورة والتداخل والمفارقات، ومن منظورها الفلسفي أنَّها الغت محدودية المعنى وإمكانية تقريره، واكّدت على أن الحقيقة ما هي إلا صناعة لغوية ، فيمكن لنا أن نقف عند بعض نصوص الكاتب سيف المفتوحة .

– يفتتح الكاتب جازم سيف نصوصه المفتوحة بخطة تقوده إلى قُبلة بعيار عاطفي رفيع أرفع من كل معادن الأرض ، فالخُطة نجحت عبر مسارات الروعة والتودد لينال قُبلة على محراب قِبلة الهوى المشتهى بعيداً عن أسن الجنون هذا، خُطة نص مختال في الفعل والذهن معاً ، فالقُبلة لم تأتِ سادية، بل هوسها سيد الموقف. يلاعب، يختال، يرتفع، يدنو ، يُقبل، هكذا سرى وغدا إلى القُبلة.

– أما في نص “لاتتركني ” مناشدة على حافة الروح، يناشد بها امرأة أو سراب، فمفردات (اللهب – التكسر-اللزوجة- الطفو -الضجر)، كلها توحي بالسعير المزمن بمهجة إنسان، وخذلان مبين يهتك به، والبقاء على الهامش كقطعة خشب تطفو على السطح، فالنداء المتكرر ( لاتتركني) بيان صريح دون تورية عن التخلي عند الاحتياج.

– وفي نص (أشتري) دعوة للشراء من أجل البقاء ، كاننا في سوق شعبي لايرتاده إلا المعدمين، نص أشبه بخطة تسويقية لمن لا تسويق لهم يبيعون الخبز ، المكانس، الأغطية ، التحف، الصحف، لكنهم لا يبيعون وطن.

– إيضاً في نص ( لن أدعهم يأخذونك إلى مكان بعيد ) الذي عنونَّ الكاتب به نصوصه المفتوحةهذه ، ارتكز هذا النص على منحيين أساسيين ضمن مسار واحد مرتبط بالوعي المفضي إلى البوح حيث جاء المنحنى الأول متعلق بخطاب ذاتي، تأملي، داخلي (مونولوج)، وخطاب أخر مرتبط بخطاب مرسل نحو وجه آخر للمتكلم والذي قد يمثله حبيب أو وطن أو غيرهما.

– وأخيرًا في نص (منحنى الأشياء) فلسف الكاتب سيف عناصر الطبيعة ، وتذوت في مكنونات الداخل النفسي ، وحايث مصطلحات علم الاجتماع والسياسية، لينتج لنا رؤى وأطر أكثر أتساقاً وأتساعاً في نظرتها للقضايا الكبرى، متحررة من أبوية التنظير، تكد كثيراً في المغايرة والتناص، إجمالاً فهذا العمل الأدبي البديع بصيرة إنسانية متقدة تتدفق في شريان الإنتاج الانساني لتغذي الحياة بمعناها العادل، نصوص تطرح ألف سؤال عن جواب مالح، لم يروِ عطش النص المتأمل في أفق الذات وتفاعلها مع ما يحيط بها، وفق سياق متأمل مغموس بعواطف مرهفة أرخت بدفئها على بنية النص(2).

الهوامش :

1-النص المفتوح في النقد العربي الحديث، دكتور عزيز الموسوي ، ط1، الدار المنهجية، عمان – الأردن، 2015.(بتصرف)

2- قراءة نقدية في نصوص (ماذا لو أطعمتك قلبي )،للكاتبة إيمان زياد، مجلة مختبر السرد الفلسطيني.(بتصرف)

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!